بعد انفراده بلقاءات مع أطراف قضية «ميار» ضحية الختان.. «تدوين» يجتمع مع حقوقيين ويعلن عن خطة عمل لمواجهة محاولات التحايل على «الجريمة»
عقد مركز «تدوين لدراسات النوع الاجتماعي» يوم الثلاثاء الماضي، مائدةً مستديرةً، بعنوان «البعد الاجتماعي لقضايا الختان»، بحضور عدد من الشخصيات المعنية بهذا الشأن، والضالعة في مجابهة ظاهرة تشويه الأعضاء التناسلية، التي تضم مصر أكبر تجمع لنساء تضررن منه، بواقع 27.2 مليون امرأة وطفلة.
تطرق المشاركات والمشاركون إلى تاريخ مناهضة تشويه الأعضاء التناسلية المعروف بــ”ختان الإناث” في مصر، منذ تسعينيات القرن الماضي، وقالت “نيفين عبيد” العضوة بمؤسسة المرأة الجديدة، أن فريق عمل متخصص ضم أعضاء من جمعيات أهلية، بدأ العمل على الرصد والتوثيق بشأن ظاهرة ختان الإناث في مصر، في بداية التسعينيات، لافتةً إلى أن مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية الذي نظمته الأمم المتحدة في عام 1994، أثر إيجابيًا على مسار مناهضة ختان الإناث، بعد أن خرج بعدد من التوصيات وحدد أهدافًا من بينها تثبيط ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية.
يعتقد كثيرون أن قصة الطفلة “بدور” التي توفيت إثر عملية ختان في مغاغة بمحافظة المنيا في يونيو من العام 2007، هي أول قصة تجوب القنوات الإعلامية على اختلافها، ليعرف العالم عن مأساة ختان الإناث في مصر، لكن “عبيد” أشارت إلى قصة سابقة على هذا التاريخ، فقد أذاعت قناة “CNN” الأمريكية في سبتمبر من العام 1994، تقريرًا مصورًا عن طفلة تدعى “نجلاء” أجري لها عملية تشويه الأعضاء التناسلية لدى حلاق صحة ولم تتجاوز الـعاشرة من العمر، وكان لهذه الحادثة أثر بالغ الأهمية على تسليط الضوء على هذه الممارسة الوحشية.
وأوضحت “عبيد” أن الدولة بعد ذلك، وضعت القضية على أجندتها، وأصبح هناك ما يشبه “القرار الوطني” لمواجهة تفشي تشويه الأعضاء التناسلية، ومن ثم انطلقت الحملة الوطنية لمناهضة ختان الإناث، وأرجعت العضوة بمؤسسة المرأة الجديدة ذلك إلى مجهود ونضال عدد من الشخصيات التي تنتمي للمجتمع الأهلي وعلى رأسهن “ماري أسعد” إحدى رائدات الحرب على هذه العادة المستشرية في مصر.
وطرحت “عبيد” عددًا من التوصيات، من أبرزها؛ خلق جسر للتواصل بين من عملوا على مكافحة ختان الإناث في الماضي، والجيل الحالي من المنشغلين بهذا الشأن، بالإضافة إلى متابعة قضايا الطفلات اللاتي توفين أثناء عمليات ختان، مثل سهير الباتع المتوفية في (عام 2013) وميار المتوفية في عام (2016)، ومعرفة تطورات قضاياهن في المحاكم، وإلى أي مدى اشتبك المجتمع المدني معها، ودور الإعلام في تغطيتها.
خلال اللقاء، عُرِض تقرير مصور من إنتاج «تدوين»، التقى من خلاله فريق من المركز بأطراف قضية الفتاة “ميار” التي راحت ضحية عملية ختان أجريت لها في مستشفى خاص بمدينة السويس، في مايو من العام الماضي (2016)، وكان تقرير الطب الشرعي قد ذكر أن الفتاة البالغة من العمر 17 عامًا، لقت حتفها نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية والتنفسية بسبب نزيف شديد إثر عملية ختان أخضعت لها.
التقرير المصور يشتمل على تصريحات للطبيبة المدانة في القضية ومدير المستشفى، وممرضة هناك، وأمين عام نقابة الأطباء في السويس، ووالدة الفتاة المتوفية.
وقالت “نادية الدقاق” الطبيبة التي أجرت تشويه الأعضاء التناسلية لــ”ميار”، أنها لم تجر عمليةً مجرمة، مؤكدةً أنها مذكورة في كتب الطب، ومعروفة باسم تجميل الشفتين الداخليتين لو كانتا أكبر من اللازم وأنه “علاج للعيب الخلقي” على حد تعبيرها.
وأضافت “القانون وضعنا في منطقة ضيقة، متعملوش متقربوش غير لما تعملوا تقرير طبي، من اتنين أو تلاتة من الدكاترة، يقولوا فعلًا الحالة كذا وكذا ومحتاجة كذا وكذا، رغم أننا بناخد قرارات لواحدة بتفتح بطنها لخامس أو سادس مرة وبتبقى بين الحياة والموت، وبيبقى ضغطها عالي، وبناخد القرارات دي لوحدنا، ونلام لو مخدناش القرار، ونحاسب أن فيه منطقة زي دي محدش يقرب لها غير لما تعملوا قنصلته عليها!”
ما يستدعي الانتباه إليه، هو تصريحات الدكتور “تامر البوهي” أمين عام نقابة الأطباء في السويس، الذي أكد أن هناك من النساء من يحتاج لما أسماه بعمليات “تجميلية”، واعتبر أن تغليظ عقوبة “ختان الإناث” لم يحل المشكلة ولم تتراجع نسبه، وأردف قائلًا “طاب أنت بتخوف الناس تروح المستشفى وتروح للدكاترة، ما هو الدكاترة مش هتختن خلاص، تفتكر اللي هيجرى إيه، البديل هو حلاق الصحة.”
المثير للاستغراب أن رأي “البوهي”، جاء داعمًا لختان الإناث، إذ قال أنه يرى أن الحكومة يتعين عليها أن تعلن أن ختان البنات سيجري في المستشفى العام، بعد العرض على لجنة ثلاثية في وجود أخصائية اجتماعية توضح للأم تفاصيل الأمر.
وهو ما أثار حفيظة المشاركين في مائدة الحوار، واقترح عدد منهم مخاطبة نقابة الأطباء بشكل رسمي للوقوف على هذه التصريحات.
فيما أفردت الدكتورة “راندا فخر الدين” المدير التنفيذي لائتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث، جانبًا من حديثها، عن نسب ختان الإناث، مشيرةً إلى تراجع الظاهرة بين الفتات الأصغر سنًا.
وشددت “فخر الدين” على أن رفض الختان لابد ألا يتوقف على أضراره الصحية أو المشكلات الجنسية التي يخلفها، وإنما لكونه بوضوح إهانة للمرأة ويترك اَثارًا نفسية سلبية داخلها.
“مشكلة تعريف ختان الإناث”، موضوع طرحته “أمل فهمي” مدير مركز «تدوين لدراسات النوع الاجتماعي»، مقترحةً إرسال خطاب رسمي إلى منظمة الصحة العالمية “WHO” من قبل عدد من الجمعيات والمنظمات، للمطالبة بتعديل الترجمة العربية لنص تعريفها لتشويه الأعضاء التناسلية، الذي يختلف عن الإنجليزية، في استخدام كلمات قد تفتح الباب أمام التأويلات مثل “ضرورة طبية” أو “لدواع لا تستهدف العلاج”.
من جانبها، أعلنت “داليا عبد الحميد” مسؤولة ملف النوع الاجتماعي وحقوق النساء بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى أن المجتمعين سيتولون مهمة وضع خطة عمل لمدة تصل إلى 18 شهرًا، يشارك فيها أكبر عدد من الناشطين في مجال مناهضة ختان الإناث، وستكون أولى الخطوات، جمع الدراسات والتقارير التي أعدتها منظمات دولية وإقليمية ومحلية في هذا الصدد، وإعادة نشرها على نطاق واسع.