كيف أصبحت السينما المصرية وسيلةً للاحتجاج ضد العنف الذي يستهدف النساء؟
يعد العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية، وليست إقليمية أو محلية كما يظن البعض، ولا تختلف صوره كثيرًا من منطقة لأخرى، وفي الوطن العربي تفرض الثقافة الذكورية هيمنتها على العقول، مما يجعل العنف ضد النساء أمرًا مستساغًا، وأحيانًا تصل الأمور لكونه حق أصيل للرجل، لكن ذلك يُقابل بمواجهة ورفض متنامٍ، ربما كانت السينما سباقة في توثيق ذلك العنف والبوح بما تكتمه الألسنة، كوسيلة من وسائل الاحتجاج على هذه الظاهرة.
في تقريرنا التالي نستعرض بعض ظواهر العنف ضد المرأة، وبعض الأفلام التي تناولتها.
ختان الإناث
يعد فيلم “حكاية بنت اسمها مرمر” من أوائل الأعمال الدرامية العربية التي تعرضت لممارسة تشوية الأعضاء التناسليه المعروفة باسم ختان الإناث، وذلك في عام 1972، وعلى الرغم من أن الفيلم لم يفرد للقضية مساحة واسعة، لكنه حاول الاقتراب من الاَثار النفسية التي تخلفها تلك الجريمة، كما تطرق أيضًا للعنف الأسري والزوجي.
في عام 2001، تعرض فيلم “أسرار البنات” للمخرج مجدي أحمد علي، لــ”ختان الإناث” الذي يجرى بشكل عقابي للفتيات، إذ يقدم الفيلم قصة مراهقين وقعت بينهما علاقة جنسية، مما أدى إلى حمل الفتاة، وإخفائها هذا السر حتى الولادة، وبعد الوضع واكتشاف خالتها المستضيفة لها بمنزلها، تهم بنقلها إلى المستشفى حيث يقوم الطبيب بإجراء عملية ختان للفتاة، رغم مخالفة ذلك للقانون، ودون إعلام ورضا أسرتها، ليعكس ذلك بوضوح نظرة كثر وبينهم أطباء للختان باعتباره ضامن الطهارة والعفة.
بإحكام أكثر ومزيد من التعمق في دواخل القضية، تعرض فيلم “دنيا” المنتج في عام 2004 لما يسببه الختان من برود جنسي للأنثى، من خلال قصة فتاة تؤدي دورها الممثلة “حنان ترك”، تترك موطنها في صعيد مصر وتنتقل إلى العاصمة، لدراسة فن الرقص الذي تهواه وتبحث فيه عن حريتها، في الوقت الذي تحاول فيه التغلب على الاَلم النفسي والجسدي الذي سببه الختان لها.
وقد لاقى الفيلم صعوبات شديدة قبل وبعد عرضه بدور العرض المصرية الذي تأخر حتى ديسمبر 2006، بسبب ضغوط من متعنتين ورجال دين، وذلك نظرًا لأن الختان لم يكن مجرمًا حتى ذلك الوقت -التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات المصري لتجريمه جاءت في 2008 – ولم يعرض الفيلم إلا في عدد محدود من دور العرض المصرية، فضلًا عن اتهامات لاحقت مخرجة العمل اللبنانية “جوسلين صعب” بالإساءة إلى مصر والعمد إلى تشويه سمعتها.
التمييز في عقوبة الزنا
لعل أشهر الأفلام التي تعرضت لهذه القضية هو “عفوًا أيها القانون” للمخرجة إيناس الدغيدي، الذي أنتج عام 1985، وتناول نظرة القانون المفرقة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بقضايا القتل لعلة الزنا، فلا يحمل الرجل عقوبة سوى شهر مع إيقاف التنفيذ، إن قتل زوجته في أي مكان إن وجدها في وضع الزنا، فيما تعاقب المرأة بعقوبة القتل العمد إن فعلت ذلك، وعرض هذا الفيلم الواقع الظالم للمرأة بشكل سينمائي أكثر من رائع، عندما تُفاجئ الزوجة بخيانة زوجها في فراشها، فتطلق عليه وعشيقته الرصاص، فينتهي بها الحال في السجن والحكم عليها بــ15 سنةً، لأن القانون يفرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بقضايا القتل دفاعًا عن الشرف.
الفيلم صاحبه الكثير من الجدل عند عرضه بدور العرض السينمائي، لجرأة فكرته وموضوعه، ولأنه سلط الضوء على التمييز الذي يكتنف قانون العقوبات المصري ضد المرأة.
الزواج القسري
- الزواج
قضية ناقشتها السينما منذ بوادرها في بدايات القرن الماضي، وحتى الاَن لم تتوقف عن طرحها، في الثلاثينيات وتحديدًا عام 1933 أنتج فيلم “الزواج” من بطولة إحدى أبرز رائدات السينما “فاطمة رشدي”، وناقش الفيلم بوضوح أزمة الزواج القسري، وإكراه المرأة من قبل أسرتها على الزواج بشخص لا تريده، وتدور أحداث الفيلم حول سلمى التي أحبت ابن عمها، لكن فقره حال دون موافقة والدها على الزواج، الذي أرغمها بعد ذلك على الزواج من أحد الأثرياء، تستسلم الفتاة لقسوة الأب وتتزوج من هذا الرجل الذي لا يحترمها ولا يعيرها اهتمامًا، ينغمس في حياة مستهترة هزلية لسنوات وهي مجرد امرأة مربوطة به وتحت سطلته باسم الزواج، حتى تتخذ قرارها بالابتعاد عنه والهروب منه بعد وفاة طفلتهما، لكن القانون كعادته يقف في صف الرجل لا المرأة، فتجد نفسها أمام وجوب تنفيذ الطلب في بيت الطاعة، لكنها تفضل الموت على العيش مع من أجبرت على الزواج منه والحياة معه في حكم الموتى، فتلقي بنفسها أمام سيارة مسرعة لتدهسها، وتكتب نهاية لتلك القصة المأساوية بمأساة أكبر.
- شيء من الخوف
يعد هذا الفيلم من درر السينما العربية، وهو أحد أهم أعمال مخرجه “حسين كمال”، وعلى الرغم من أنه بالأساس يحمل إسقاطًا سياسيًا على المرحلة الناصريةوسلبياتها، إلا أنه قدم بصورة إبداعية استثنائية التجبر الذي تتعرض له المرأة، والإكراه على الزواج الذي يقع بحق امراة ريفية، الذي يقبله المجتمع من حولها رغم علمهم ببطلانه.
- الزوجة الثانية
لا تختلف كثيرًا قصة الفيلم المنتج في عام 1967، عن “شيء من الخوف”، سوى في أن القصة لم تكن مجرد رمزية لواقع سياسي، ويعرض “الزوجة الثانية” قصة زوجة يجبر عمدة القرية زوجها على تطليقها، ثم يتزوجها الأول جبرًا حتى ينجب منها الولد الذي لم يتمكن من إنجابه من زوجته الأولى، وقبل حتى أن تكمل عدتها، لكن “فاطمة” التي تؤدي دورها سعاد حسني تتمرد على ذلك الظلم، وتوقع العمدة الذي يظن أنه ملك الدنيا وما عليها بسلطته في الفخ، فيخسر كل شيء.
الفيلم لا يتناول فقط مسألة الزواج القسري، وإنما أيضًا معاناة النساء في الريف من مشكلة عدم الإنجاب، وخاصة الذكور، وكيف يكون ذلك مبررًا لتعدد الزوجات، وقبول الزوجة نفسها به.
الزواج الموسمي
قضية بيع بنات الريف الفقيرات لأثرياء الخليج تحت مظلة الزواج، طرحها بجرأة فيلم “لحم رخيص” في عام 1995 من خلال عين مخرجته إيناس الدغيدي، وتدور قصته حول ثلاث فتيات يذهبن مضطرات والدافع الفقر المدقع وهوانهن على أهاليهن إلى سمسار ليوفر لهن عمل أو زواج، فيكون مصير اثنتين الزواج من أثرياء من الخليج والسفر معهما، والأخيرة العمل خادمة بأحد المنازل.
ورغم ضرورة طرح الفكرة وأهمية أن تعالجها السينما اجتماعيًا، إلا أن الفيلم قوبل بالاستهجان والرفض وقت عرضه بدور العرض السينمائي، وبعد ذلك أيضًا لدرجة أن الفيلم ظل يعرض باسم غير اسمه لفترة على القنوات الفضائية ، وهو “أيام الغربة”.
أزمة تسلط الأزواج
يأتي على رأس الأفلام التي جسدت هذه المشكلة التي تعانيها كثيرات من النساء العربيات، أفلام عدة للمخرج الراحل “محمد خان”، وأبرزها موعد على العشاء في 1981، وزوجة رجل مهم في 1988.
ومؤخرًا في 2014، قدم فيلم “ديكور” للمخرج أحمد عبد الله، مشكلة تسلط الزوج، حتى وإن كان الحب أساس علاقتهما، لكنه هو من يقرر، ويقود الحياة، ويمنع مالا يريد ويعلم تمامًا أن الحب هو الذي سيجعل الزوجة تتقبل بذلك الوضع، ويطرح الفيلم أيضًا تسلط الأم، وسيطرتها على ابنتها وتحكمها في مستقبلها واختياراتها، ومن خلال قصتين متداخلتين لنفس البطلة يؤكد صناع العمل على معاناة المرأة العربية من سلبها حريتها واستقلالها من المحيطين. ما يميز هذا الفيلم هو التمرد الذي تعلنه البطلة “مها” وتؤدي دورها “حورية فرغلي” في نهاية المطاف على تلك القيود.
التحرش الجنسي
هو الظاهرة الأكثر توحشًا في مصر، ومرت عليه أغلب الأفلام باعتباره شيئًا مستحسنًا، بل إن بعض الأفلام التجارية روجت عن عمد للتحرش الجنسي، لكن فيلم “678” كان نقطة تحول في معالجة السينما لأزمة التحرش الجنسي، التي تتصدر مصر القائمة العربية في انتشارها.
استلهم المؤلف والكاتب “محمد دياب” قصة الفيلم من واقعة تعرضت لها شابة مصرية تدعى “نهى رشدي”، عندما تحرش بها جسديًا سائق عربة (نصف نقل)، فأصرت على الإمساك به وتحرير محضر تحرش له، واستمرت في قضيتها، حتى قضت المحكمة على المتهم بالحبس 3 سنوات.
النظرة الدونية للمطلقة
عالج فيلم “ولا عزاء للسيدات” للمخرج هنري بركات والمنتج في عام 1979، الشكوك التي تحيط بالسيدة المطلقة، وخاصة لو كانت امرأة عاملة وتحتك بشكل مباشر بالمجتمع.
وبدأ الفيلم بكلمات على لسان شخصية “راوية” التي تؤدي دورها الفنانة “فاتن حمامة” ترصد واقع المرأة المصرية بعد الطلاق “كلام الناس كتير ولسانهم أطول، رموا اسمي في الطين وصفوني بكل الأوصاف، شغلوا نفسهم بيه مع العلم اني كنت ست عادية، يمكن أقل من العادية، الفرق اني كنت مطلقة زي كتير اوي في البلد دي.. الطلاق كان طبعًا مصيبه بالنسبة لي ، لكن المصيبه اللي أكبر أني اضطريت اسيب بيتي وكياني وأرجع أعيش مع أهلي لأن المطلقة مهما كان سنها لازم ترجع تعيش مع أهلها بين أربع حيطان، وكل ده عشان كلام الناس مع العلم انهم كده متكلمين وكده متكلمين.”
ويأتي الفيلم ضمن سلسلة طويلة من الأفلام التي قدمتها الفنانة “فاتن حمامة” ترصد من خلالها وضع المرأة ومعاناتها في المجتمع المصري، مثل “أريد حلًا” مع المخرج “سعيد مرزوق” الذي كان له أثره في إدخال تغييرات على قانون الأحوال الشخصية، وفيلم “دعاء الكروان” للمخرج “هنري بركات” الذي كان بمثابة صرخة في وجه جرائم الشرف التي ترتكبها الأسر بحق بناتها ويصمت عنها المجتمع، وفيلم “الحرام” الذي رصد معاناة العاملات الزراعيات وقضية الاغتصاب، وفيلم “الخيط الرفيع” أيضًا للمخرج “هنري بركات” الذي طرح أزمة التمييز في تقييم المجتمع للفرد وتصرفاته وماضيه بناءً على جنسه، وكيف تدان المرأة دائمًا بينما الشفاعة حق أصيل للرجل.