«يسرا مارديني».. البطلة التي عشقتها الملايين دون انتظار لميداليات أو مقايضة على مراكز في أولمبياد
يقال أن الوطن قدر، لكن القدر لا يضمن لك البقاء بين أحضانه، فقد يحدث ما يجبرك على الرحيل، أو تختار طواعية الذهاب بعيدًا لأسباب عديدة نفسية أو مادية، وأهل سوريا كثير منهم اضطروا للارتحال بعد حرب دمرت أرض الشام، وقضت على الأخضر واليابس، كمثلث برمودا يبتلع كل ما في نطاقه، ومن يريد الحياة لابد أن يبتعد عنه.
“يسرا مارديني” من هؤلاء الذين هربوا من الجحيم بحثًا عن الحياة، وسعيًا وراء الحلم.
المشاركة في أولمبياد ريو 2016، كانت دافعًا قويًا لمواجهة الصعاب، ودحر المعوقات، حتى وصلت إلى المانيا ومن هناك بدأ الحلم معرفة طريقه إلى الواقع.
ولدت “يسرا” في عام 1998، نشأت في أسرة صغيرة مكونة من أب وأم وابنتين، في دمشق، عاشت معهم حياة بسيطة، حتى دمر منزلهم في عام 2015 جراء الحرب الأهلية التي اشتعلت قبل أكثر من 5 سنوات.
“يسرا” سباحة منذ الطفولة، وحققت فيها تقدمًا مبكرًا، وكانت دائما تردد جملة “لقد خلقت للسباحة فقط”
كيف أضحت قدوةً لفتيات في نفس عمرها؟
لم تكن يسرا تجاوزت الــ14 من عمرها عندما شاركت في دورة الألعاب الآسيوية وكذلك بطولة العالم للمسافات القصيرة، وكانت بطلة لمسابقات 200 متر و400 متر سباحة حرة وأيضًا 100 متر و200 متر فراشة في وطنها سوريا عام 2012.
شجعت “يسرا” العديد من فتيات في مرحلتها العمرية على المشاركة في السباحة وكانت مثالًا يحتذى به في البطولة.
«المياه هي المكان المناسب كي أنسى كل شيء»
الهروب من الحجيم إلى الحلم
“مارديني” لفتت إليها الأنظار بعد قصة فرارها من دمشق في أغسطس من العام 2015، برفقة شقيقتها، وقد كتبت لها الأقدار أن تنجو من الغرق، بعد أن حملت هي وشقيقتها القارب الذي كانتا عليها بعد احتمالية غرقه، حتى شواطئ ألمانيا لمدة ثلاث ساعات أو أكثر.
قاومت “يسرا” شبح الموت مرتين، الأولى عندما هربت ومعها أهلها من المصير البائس الذي يلاحقهم والنيران التي تأكل البشر والجماد على حد سواء، والثانية خلال رحلة الهروب من دمشق إلى أوروبا، تحديدًا أثناء العبور من تركيا إلى اليونان في قارب صغير، يجمع فارين من سوريا والصومال، وقد بلغ عدد من عليه 20 شخصًا، بينما القارب لا يحتمل سوى 6 أشخاص.
تعالت موجات البحر فتعطل محرك القارب وبدأ الماء يتسرب إلى الداخل وبدأ في الغرق، وقبل أن تتلاشى الأحلام، ويستسلم الجميع للمصير المحتوم، هبت “مارديني” وشقيقتها، متحديتين موج البحار العاتي، وقفزتا في قلبه ليحملا القارب ويمضيان به حتى سواحل ألمانيا. وقد قضيتا ما يزيد عن ثلاث ساعات في المياه.
المياه المالحة أثرت على رؤيتها وبدأت تشعر بألم، لكن كلما كادت تفقد الأمل، عاد الحلم يراودها ويناديها أن تقترب منه، فتمسكت بالقارب حتى وصلت إلى بر الأمان لها ولمن معها.
“المثابرة” كلمة السر في وصولها إلى الأولمبياد
تبنتها وشقيقتها جمعية خيرية، وضمتهما إلى نادي سباحة قريب من مخيم اللاجئين، الذي يُدعى«WasserfreundeSpanddau 04»
وتمكنت “يسرا” بعد ذلك من تحقيق حلمها؛ بعد أن التقت مترجمًا مصريًا ساعدها في الانضمام إلى فريق أنشأته لجنة الأولمبياد للمرة الأولى، وهو فريق اللاجئين؛ ليشارك في أولمبياد ريو دي جانيرو المقامة حاليًا.
وخلال فترة تدريبها، أشار مدربها المدعو “سفين سبانيكربس” إلى أنها تحرز تقدمًا مذهلًا، على الرغم من أن فرصة اعتمادها كسباحة في أوروبا ليست قوية، لكنها استطاعت أن تثبت نفسها ووجودها كفتاة عربية، وأكد أيضًا أنه يسعى معها لأن تشارك أيضًا في أولمبياد طوكيو 2020.
“يسرا” المتسابقة الأكثر شعبية في أولمبياد ريو 2016
تشارك “مارديني” في الألعاب الأولمبية مع فريق مؤلّف من عشرة لاجئين، جمعتهم مفوّضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ضمن أوّل فريق للاجئين في تاريخ الألعاب الأولمبيّة.
لم تتأهّل إلى نهائيّات منافسات 100 متر فراشة، لكن عدم نيلها لميدالية ذهبية في أولى مشاركاتها، لم يجعل الاهتمام بها يقل أو ينحصر، فهي بطلة أهم وأكبر من كل الأبطال بالنسبة لكثيرين حول العالم، ويكفي ما فعلته حتى تنقذ 20 شخصًا في عرض البحر.
«لا أعرف إذا ما كنت سأنافس في أولمبياد طوكيو لصالح سوريا أو ألمانيا، اللجنة الأولمبية الدولية تساعدنا كلاجئين، سوريا وألمانيا بمثابة الوطن بالنسبة لي، واللجنة الأولمبية الدولية أصبحت وطني أيضًا، لدي الاَن ثلاثة أوطان.»