أبرز أفلام «قضايا المرأة» التي رشحتها مصر لــ«الأوسكار».. و«دعاء الكروان» بين اثنين وصلا إلى القائمة النهائية
حدث فني يعتبره الأغلب الأعم الحدث الفني الأهم سنويًا، وهو حفل توزيع جوائز “أوسكار” الذى تنظمه أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة بالولايات المتحدة الأمريكية، لاختيار الأفلام الأفضل خلال العام، في 24 فئة، على رأسها الأفلام الروائية، الوثائقية، الأجنبية (غير الناطق بالإنجليزية) والرسوم المتحركة.
يأتي حفل توزيع جوائز الأوسكار فى نسخته الـ88، ومصر بلا أي وجود من قريب أو بعيد، فى أي فئة من الفئات، وعلى الرغم من أن مصر تأخرت فى إرسال ترشيحها لعام 2015، الذي كان مقررًا أن يكون فيلم “بتوقيت القاهرة” للمخرج أمير رمسيس واَخر أفلام الفنان الراحل “نور الشريف”، إلا أن السينما المصرية لم تصل إلى القائمة النهائية لترشيحات جائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، منذ عام 1963، عندما وصل إلى الخمسة الأخيرة فيلم “أم العروسة” للمخرج عاطف سالم.
وتجدر الإشارة إلى استثناء من نوع خاص، فى وصول الفيلم الوثائقي “الميدان –The Square” للقائمة النهائية بفئة الأفلام الوثائقية فى دورة العام 2014، وهو الفيلم الذي قدمته المخرجة المصرية – الأمريكية جيهان نجيم، عن ثورة 25 يناير 2011، موثقةً حقائق أضحت تزعج قطاعًا من المصريين بعد الـ30 من يونيو، نزعوا منه الصفة “المصرية” واعتبروه فيلمًا أمريكيًا، بمسحة مصرية، محملًا برؤية وتوجه أمريكي، ومع كل الجدل الذى أحاط بالفيلم، ومنعه من العرض الجماهيري في دور العرض المصرية، إلا أن العمل اكتسب شهرة وصخبًا واسعًا داخليًا وخارجيًا، ومع ذلك لم يتمكن من حصد الجائزة فى النهاية، لكن بلوغه هذه المرحلة المتقدمة يعد إنجازًا كبيرًا.
عودةً إلى الأفلام التى رشحتها مصر إلى جائزة أفضل فيلم أجنبي ضمن جوائز “أوسكار”، وذلك بدءًا من سنة 1958، تبرز أفلامًا تناولت قضايا المرأة الملحة، بسرد سينمائي عميق ورائع، ورؤية واقعية عامرة بتفاصيل شديدة الدقة يدركها المشاهد العادي، وليس فقط المهموم بقضايا النساء، هذه الأفلام تمكنت ببلاغتها السينمائية، أن تعتلي كلاسيكيات ما يسمى بـــ”سينما المرأة” أو “سينما التيار النسوي” فى الشرق الأوسط.
فى السطور التالية نستعرض تلك المجموعة من الأفلام، التي كانت ضمن قائمة ترشيحات مصر خلال أكثر من 50 عامًا، لجائزة “أوسكار” فئة أفضل فيلم أجنبي.
“دعاء الكروان”
يعد “دعاء الكروان” من أهم الأفلام العربية التى تناولت مبكرًا كارثة ما يسمى بــ “جرائم الشرف”، وإشكالية “شرف الأنثى”، واستغلال الفتيات العاملات بالمنازل جنسيًا وعاطفيًا.
الفيلم المأخوذ عن رواية لعميد الأدب العربي “طه حسين”، تتعرض للأفكار العفنة التى تقيم المرأة وسمعتها وتحدد حقها فى الحياة، بناءً على مدى حفاظها على شرفها، الذى يختزله المجتمع فى نصفها السفلي.
قدم الفيلم نموذجين للفتاة الصعيدية، الأول كان “هنادي” – زهرة علا- الفتاة البريئة المغلوب على أمرها، التى تنتقل للعيش فى بيت أحد الأعيان لخدمته، فيستغلها كما يستغل أخريات إرضاءً لغروره، وسبيلًا لإفراغ شهوته الجنسية.
وبعد أن خدعها وأوهمها بحبه، ينتهى الأمر بـ”هنادي” فى “الوبا”، بعد أن يقتلها خالها انتقامًا لشرفه.
على الجانب الاَخر، تظهر “اَمنة” – فاتن حمامة – مسالمةً من الخارج، على عكس داخلها، قويةً، عازمةً على تحقيق هدفها بالانتقام لأختها ممن كان سببًا فى قتلها.
تسمية الفيلم أو الرواية في الأصل باسم بــ”دعاء الكروان”، رمزيةً للأنثى التى تصدح باَلامها وأوجاعها فى الخلاء، تشكو مجتمعًا لا يرى فيها سوى جسد، تُستَغل لأجله، وتُقتَل بسببه.
“دعاء الكروان” هو ثاني فيلم ترشحه مصر للجائزة فى عام 1959، بعد فيلم “باب الحديد”، وهو أول فيلم مصري يصل إلى القائمة النهائية لترشيحات جائزة أفضل فيلم أجنبي، لكنه أخفق فى اجتذاب الجائزة.
“أم العروسة” .. الفيلم المُختَلف عليه
بين كشف لواقع فيه “زواج البنت” قبل التعليم والعمل.. واتهام بالاحتفاء بالرجعية.
لم يصل إلى القائمة النهائية بعد “دعاء الكروان” سوى فيلم “أم العروسة”، للمخرج صلاح أبو سيف فى عام 1963، وعلى الرغم من كونه قد يبدو فيلمًا نسائيًا من اسمه، وواقعيته فى نقل واقع الكثير من الأسر المصرية فى فترة ستينات القرن الماضي، إلا أن الفيلم ملاحق باتهام الاحتفاء بانتهاك حقوق الفتاة، من خلال إبراز أولوية الزواج للفتاة على التعليم الجامعي والعمل، والتمييز بين الذكر والأنثى لصالح الأول.
هذا بالإضافة إلى الاختلاف فى قراءة شخصية “أم العروسة” التى قدمتها تحية كاريوكا، إذ راَها قطاع نموذجًا للمرأة القوية، والمستقلة، القادرة على إدارة دفة البيت بامتياز، فى مقابل رؤية أخرى ترى الشخصية نموذجًا للتسلط والرجعية، والمادية.
امبراطورية ميم
رشحت مصر عام 1972، فيلم “امبراطورية ميم” للمخرج حسين كمال وبطولة “فاتن حمامة”، وعن قصة الأديب “إحسان عبد القدوس”، وكما عُرِفت سيدة الشاشة مُهتمة بمعالجة قضايا المرأة عبر السينما، فتناول هذا الفيلم قضية الأرملة، التى تتحمل مسؤولية تربية الأبناء بعد رحيل الزوج وحدها، وتزداد متاعبها مع دخولهم مرحلة المراهقة.
من خلال شخصية “منى” ندرك الاختلاط والتمازج بين مشاعرها كأنثى فتحت قلبها من جديد للحب، وكأم لم يقبل أبناؤها بدخول غريب عليهم، ليحل محل الأب الراحل أو ليشاركهم فيها، وعند الاختيار تؤثر مستقبل أولادها، ليكون الفراق عن الحبيب ممكنًا بينما يستحيل فراق الأبناء.
أريد حلًا
الفيلم الذى واجه المجتمع والقانون ورأس السلطة بإجحاف قانون الأحوال الشخصية .. وكان السبب فى صدور قانون 44 لعام 1979
لأنها الملقبة عن حق وجدارة برائدة سينما المرأة، فهذا ثالث فيلم تقوم ببطولته “فاتن حمامة” ضمن قائمة أفلام تيار السينما النسوية، التى نالت ترشيح مصر لمسابقة “أوسكار” أفضل فيلم أجنبي فى عام 1975.
الفيلم عن قصة للكاتبة الصحافية “حُسن شاه”، كتبتها بوعز من “فاتن حمامة”، وأخرج العمل “سعيد مرزوق”.
“أريد حلًا” هو أحد أكثر الأفلام دلالة على دور السينما فى التعبير عن الواقع، والقدرة على تغييره، فقد كان سببًا فى تعديل قانون الأحوال الشخصية، بعد أن عرض قصة امرأة تدعى “درية” – فاتن حمامة – المتزوجة من رجل تقوده الشهوة والأنانية، وبعد تأزم الأمور إلى أقصى درجاتها، تطلب الطلاق لكنه يرفض متعجرفًا، فتضطر للجوء إلى المحكمة ورفع دعوى طلاق، لكن فى غياهب القانون الظالم، يتبدد الأمل فى الخلاص، خاصة بعد أن يتمكن الزوج من طلبها فى بيت الطاعة لإذلالها، ينتهى الفيلم بمشهد تجهش فيه “درية” بالبكاء بعد خسارتها القضية،مجسدًا بصدق القهر الذى تتعرض له المرأة بسبب القانون المجحف، الذي يضيع العمر، والكرامة معًا،
فى أعقاب عرض الفيلم، وجهت “جيهان السادات” زوجة رئيس الجمهورية اَنذاك، اهتمامها لاستصدار قانون للأحوال الشخصية يخلص القائم من ثغراته، وصدر قانون 44 لعام 1979، وبسبب فرط اهتمام السيدة الأولى به، سمي بــ “قانون جيهان”، لكن سرعان ما انتهى العمل به بعد أن ألغته المحكمة الدستورية العليا فى مايو 1985.
على نحو اَخر، تعرض الفيلم لحملة عدائية من الإخوان المسلمين عبر مجلتهم “الدعوة”، وروجوا عبرها أن الفيلم مؤامرة ضد الشريعة، والصحيح أن الفيلم ينتصر لصحيح الدين، وهو ما اكتُشف لاحقًا بعد إقرار حق الخلع فى القانون.
يذكر أن فيلم “أريد حلا” حل فى المرتبة الـ «21» لقائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
أسرار البنات
الفيلم الأجرأ فى القائمة .. وأول فيلم يناقش الحياة الخاصة للمراهقات والجنس فيها بـ”حرفية وواقعية” دون “وعظ مستهلك”
“أسرار البنات” هو الفيلم الذى رشحته مصر ممثلًا عنها فى ترشيحات أفلام عام 2001، ويعد أجرأ أفلام القائمة.
لم يمر الفيلم مرورًا عاديًا بل على العكس كان مثيرًا للجدل، نظرًا لحساسية وجرأة الموضوع المُتناول، حيث يتعرض لقضية الحياة الخاصة للمراهقات وضاَلة الثقافة الجنسية بين هذه الفئة، التى قد ينشأ عنها علاقات جنسية، تدفع ثمنها الفتاة وحدها.
قدمت الكاتبة “عزة شلبي” فى فيلمها، قصة فتاة فى الــ16 من العمر، تورطت فى علاقة جنسية غير مكتملة، ومع ذلك وضعت طفلًا وهي لم تفقد عذريتها بعد.
الفيلم مستوحى من قصة حقيقية، أراد مخرجه “مجدي أحمد علي”، رفع اللثام عن المسكوت عنه فى حياة المراهقات، من خلال شخصية تدعى “ياسمين”، وتميز الفيلم بأنه لم يكن مثل أفلام سبقته يدين هذه العلاقات بصراحة وقدرٍ من الوعظ، وإنما تعامل معها بحرفية شديدة، ليكشف أن العلاقات الجنسية المبكرة، نتاج طبيعي، لأزمة الهوية التى تعانيها أسر الطبقة المتوسطة، بسبب التمزق بين التدين الشكلي، والتحرر الوافد من الغرب، فى ظل أزمة الجسور المشيدة بين جيل الاَباء والأبناء تحت يافطة “العيب”.
الفيلم أبرز بواقعية عنصرية المجتمع ضد الإناث خاصة فيما يتعلق بــ”الجنس خارج إطار الشرع والقانون”، فتواجه “ياسمين” لومًا مضاعفًا، وينزل بها العقاب هائلًا وكأنه لم يكن هناك شريك فى الفعل، وهذا بشكل رئيس لأهمية دور “غشاء البكارة” فى حياة الأنثى فى المجتمع.
فيلمان للمخرج الأكثر انحيازًا للمرأة “محمد خان”
“فى شقة مصر الجديدة” و”فتاة المصنع”
فى شقة مصر الجديدة
على الرغم من أن هذا الفيلم، لم يحقق رواجًا بدور العرض السينمائي فى مصر، إلا أنه حالة خاصة واستثنائية، رسم تفاصيلها بإبداع المخرج الكبير “محمد خان”، فى ظاهره يبدو قصة حب بسيطة وسلسة، لكن فى جوفه الكثير من القصص التى تحكي واقع المرأة فى المجتمع المصري.
الفيلم للكاتبة “وسام سليمان”، التى قدمت من خلال شخصيتها الرئيسة “نجوى” – غادة عادل – نموذج امرأة صعيدية، عاشت فى كنف مجتمع متحفظ، تخرج لأول مرة من المنيا حيث تعيش إلى القاهرة فى رحلة قصيرة، لتكتشف فى نفسها قوةً غير متوقعة.
“نجوى” فتاة تأبى الاستسلام للزواج بالصورة التقليدية إيمانًا بوجود الحب، سيأتي إليها فى مكان لم تكن تتوقعه وزمان لا تعرفه كما قالت معلمتها “أبلة تهاني”.
“نجوى” تخشى لقب “عانس” مع اقترابها من الثلاثين، تمضي حياتها كما تفرضها الظروف فى الصعيد، والأمومة حلمها الذى لم ير النور حتى الاَن، وتتمنى ألا يتحقق سوى مع الحبيب المنتظر، نفس الحلم الذى يسكن داخل “نجوى” المنغلقة على مجتمعها الصغير، يجد مكانًا داخل “داليا” التى تبدو على العكس تمامًا منها، ولكن لا يشغلها من يشاركها فى طفلها، سواء كان الشريك أو غيره، فالمسألة عندها تبدو اَلية، أو معادلة ثابتة النتائج.
النساء حاضرات بقوة فى الفيلم، امرأة تضع مولودها فى القطار تحكي حكايتها القصيرة مع زوجها، وشابة مغتربة تحاول الانتحار بسبب خلاف مع الحبيب، وسيدة تملك بيتًا للمغتربات، تجتمع فيها التناقضات، قوة مصطنعة خلف ضحكات مرتفعة وصوت عالِ، وحنان أم لم تعرف الأمومة فعليًا.
الفيلم اُختير ليمثل مصر فى المسابقة الخاصة بأفضل فيلم أجنبي عام 2007، واعتبره نقاد كثيرون داخل مصر وخارجها، من أفضل أفلام السينما المصرية على الإطلاق.
فيلم فتاة المصنع
هذا هو اَخر ترشيح قدمته مصر فى مسابقة “أوسكار” فى عام 2014، وهو أيضًا للمخرج “محمد خان”، وكما أهدى “خان” فيلم “فى شقة مصر الجديدة” لصحابة الصوت الكريستالي “ليلى مراد”، أهدى هذا الفيلم لوجه من أجمل الوجوه التى أطلت علينا عبر الشاشة الفضية “سعاد حسني”.
فيلم فتاة المصنع، ينتصر للمرأة البسيطة، فى مراحل عمرية مختلفة، من خلال قصص متشابكة، لفتاة المصنع “هيام” وأمها وأختها وخالتها.
شخصية “هيام” فتاة المصنع لم يكسرها قهر الظروف ولا رجولة زائفة ولا ظلم الرجعية.
تناول الفيلم عددًا من مشاكل النساء فى المجتمع الأبوي، أولها “شرف الأنثى” الذى قد يدفع جدة أن تطمس ملامح أنوثة حفيدتها لمجرد الشك فى إقامتها علاقة جنسية خارج الإطار الشرعي.
من خلال شخصية الخالة، نتعمق فى معاناة المرأة المطلقة، مع المجتمع الذكوري، بما فيه ابنتها، التى تقف ضدها بدلًا من مساندتها.
أيضًا شخصية أخت “هيام” الصغيرة، فى لحظات عابرة تكشف كم يؤلم الحرمان من التعليم بسبب الفقر.