من قلب بلد يعادي السينما والنساء: معاناة المرأة السعودية تخلق إبداعًا.. ومخرجات يحلقن في سماء الفن السابع
سينما المرأة هى نوع من السينما يختلف عن السينما السائدة حاليًا فى تعاملها مع النساء، خاصة فى التعبير عن القضايا التى تخصهن، وقد تزايدت الأفلام التى تندرج تحت هذا التصنيف مؤخرًا، وهناك الكثير منها نجح فى نقل آلام المرأة العربية، إلا أن قليل منها لقى رواجًا ومساحات عرض ملائمة.
الصورة النمطية عن المرأة كسلعة وأيقونة لرفع الإيرادات، تبرز فى السينما المصرية بحكم أنها “الأم” فى المنطقة، ولكن الحال لا يختلف كثيرًا فى سينمات الدول العربية التى تقدم انتاجًا سينمائيًا حتى لو كان محدودًا بالمقارنة بمصر، ففى النهاية التعامل مع المرأة فى كل هذه الدول تجمعه ثقافة شرقية عربية واحدة يتحكم فيها التمييز والاستعلاء.
وكما تتصدر مصر فى ذلك الصدد، تتصدر أيضًا فى تقديم أفلام تندرج تحت تصنيف سينما المرأة أو سينما التيار النسوي، وناقش سيل من الأفلام منذ انطلاق السينما المصرية قبل أكثر من قرن، بوضوح ودقة شديدة وواقعية عميقة قضايا النسوة فى هذا البلد، ولعل أبرز ما تضمه القائمة على مر العقود؛ “أنا حرة” و “دعاء الكروان” و”أريد حلًا” و”الحرام” و”لحم رخيص” و”أحلى الأوقات” و”أحلام هند وكاميليا” و”فتاة المصنع” و”678″ و”احكى يا شهرزاد” و “بنتين من مصر”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أغلب هذه الأفلام كانت لكتاب ومخرجين من الرجال، ومع ذلك لم تخفق فى رسم صورة حقيقية منصفة للمرأة وكاشفة لكم الظلم الواقع عليها فى المجتمع الأبوي.
ثمة دول عربية أخرى حاولت فيها المبدعات التعبير عن معاناة بنات جنسهن بلغة سينمائية رفيعة، حتى فى ظل ظروف انتاجية صعبة، مثل؛ لبنان فلسطين، والأردن، تونس، والمغرب.
ولعل فيلم “كراميل – سكر بنات”، الذى يروي قصص متشابكة لأربع سيدات لبنانيات، وهو فيلم يتميز بجرأة خاصة، تمكنت من خلاله المخرجة “نادين لبكي”، من رفع النقاب عن مشاكل النساء فى المجتمع اللبناني، والتى يكتشف المشاهد أنها لا تختلف كثيرًا عن مشكلات المرأة فى بقية الدول العربية.
المقطع الترويجي لفيلم “كراميل”
يتنامى تيار السينما النسوية فى العالم العربي، وخاصة فى السنوات الأخيرة بعد الربيع العربي الذى فتح أفاقًا للخوض فى أمور كانت محظورة قبل ذلك، ولكن هذه المساحة يوفرها بشكل رئيس كون السينما عمودًا أساسيًا من أعمدة الثقافة، والفنون فى غالبية الدول العربية.
لكن الحال ليس كذلك فى بلد مثل السعودية، فالسينما هناك من المحرمات، ولا يستطيع المواطنات والمواطنين السعوديين حضور الأفلام المعروضة بالسينمات، إلا بعبور الجسر الواصل بين بلدهم والبحرين حيث توجد دور عرض، أو بالحصول على نسخ مقرصنة من الأفلام، أو بالانتظار حتى تعرض شاشات القنوات الفضائية.
ومع ذلك استطاعت سينمائيات سعوديات كسر القيود، وتحطيم التابوهات وقدمن أفلامًا ترصد أبرز المشكلات التى تعانيها النساء فى مجتمعهن، ولعل أبرز وأكثر تلك الأفلام رواجًا فيلم “وجدة” للمخرجة هيفاء المنصور.
هيفاء المنصور .. أول مخرجة سعودية
تعد “هيفاء المنصور” مخرجة فيلم “وجدة” أول مخرجة أفلام روائية سعودية، وقد أضافت فيلمها المُنتَج عام 2012، لتاريخ الأفلام الأوائل فهو «أول فيلم روائي سعودي تخرجه المرأة»، ويروي قصة فتاة سعودية تحلم بشراء دراجة وهو الأمر المحرم على البنات فى السعودية، تبدأ رحلتها مع تحدي الممنوع، وتتاجر فى أشياء محظورة فى مدرستها حتى تتمكن من جمع المال الكافي لشراء الدراجة، ثم تشارك فى مسابقة لحفظ القرآن لكى تكمل باقى المبلغ المطلوب لشراء الدراجة.
حصد الفيلم إشادات واسعة، ووُصِف بالــــ”جرئ”، لأنه يسلط الضوء على بعض من جوانب معاناة المرأة السعودية وهو ما ليس معتادًا أن يخرج من قلب البلد الأكثر تضييقًا على المرأة، والأكثر معاداة للسينما، وقد تمكنت مخرجة الفيلم من تصويره بالكامل فى مدينة الرياض، وهو حدث استثنائي.
عُرِض الفيلم بمهرجان دبى السينمائى الدولي وكانت المرة الأولى التى يعرض فيها بالشرق الأوسط، وهو أول فيلم يعرض فى مهرجانات أوروبية.
ترشح فيلم “وجدة” لجائزة الأوسكار السينمائية عام 2013، ليكون بذلك أول فيلم سعودي يترشح لهذه الجائزة الكبرى، وتنافس ضمن مسابقة أفضل فيلم أجنبي، ضمن 71 فيلمًا، لكن لم يحالفه الحظ للوصول إلى القائمة النهائية.
«نساء بلا ظلال» .. يطرح الأسئلة «المحظورة»
وقد اعتادت “المنصور” استخدام السينما فى كشف عورات المجتمع الذكوري، إذ قدمت من قبل فيلمًا وثائقيًا باسم ” نساء بلا ظلال” فى العام 2006، يتناول علاقة المرأة بالرجل في المجتمع السعودي، ويطرح مجموعة من الأسئلة الملحة فى هذا البلد: لماذا لا تعملين؟ هل من حق المرأة أن تعمل؟ ما هامش الحرية المتاح أمام الرجل؟ هل توافقين على خروج المرأة من المنزل وحدها؟
كما يتعرض لاَراء وفتاوى الشيوخ المتطرفة عن اختلاط النساء بالرجال، وقيادة السيارة.
“اختيرت”هيفاء المنصور” كواحدة من أكثر النساء العاملات فى السينما تأثيرًا على مستوى العالم فى استطلاع بمجلة “فارايتى” الأمريكية وأيضًا من بين أكثر 10 مخرجين يستحقون المتابعة.
«حورية وعين» .. فنتازيا تكشف تسليع المجتمع الخليچي لـــ “المرأة”
تأتى المخرجة “شهد أمين” ضمن قائمة صانعات السينما السعودية “النسوية”، بفيلمها القصير “حورية وعين” الذى يحكى قصة طفلة اكتشفت أن والدها صياد اللؤلؤ يخطف حوريات البحر، والتى تقرر أن تنقذ إحداهن عبر رحلة تدل على واقع المرأة السعودية وتشارك به المخرجة السعودية “شهد أمين” فى مهرجان أتلانتا السينمائى، وقد تم عرض هذا الفيلم فى واحد من أعظم وأعرق السينمات الأمريكية “سينما بلازا ” فى أتلانتا –جورجيا ضمن عروض مهرجان أتلانتا السينمائي.
ويروي الفيلم قصة خيالية تخلط بين الدراما والفنتازيا، وتدور في مخيلة طفلة تدعى حنان في العاشرة من عمرها تعيش في قرية خليجية تقع على ضفاف الخليج العربي، ويعمل والدها في صيد الأسماك واللؤلؤ، تراقب أبيها ذات مرة خلسة، فتجده برفقة البحارة يحملون سمكة ضخمة، أتضح فيما بعد أنها حورية، اخذ البحارة في قطع ذيلها بعدما فصلوه عن نصفها العلوي الشبيه بالإنسان، يترك والدها والبحارة الحورية بعدما انتزع لؤلؤ أسود ملتصقة في وجنة الحورية ليهديها إلى طفلته، وهنا تتسلل الكراهية داخل حنان تجاه والدها، وتقدم على مساعدة الحورية لإعادتها إلى البحر إلى حياتها الطبيعية في البحر، وتمر الأيام وتكبر حنان لتصبح شابة في الخامسة والعشرين من عمرها، ولكنها تصاب بحالة غريبة لازمتها منذ اكتشافها لأمر الحوريات.
الفيلم يقدم رمزية بليغة عن أزمة الذكورية فى هذا المجتمع، فــ”حنان” لا تحزن على أبيها عند موته، في إشارة قوية لرفضها قتله لحوريات البحر والتكسب من بيع ذيولهن، وهي إدانة للذكور الذين ينتهكون الصبايا ويسرقون أنوثتهن من أجل المكسب الشخصي، وإدانة للمتاجرة بالمرأة الحرة وتسليعها والكسب من جمالها، هذه تؤدي إلى شرخ نفسي كبير في وجدان المرأة، متمثلة فى شخصية “حنان”
“حورية وعين” كان المشاركة السعودية الوحيدة ضمن مجموعة أصوات خليجية في مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013.
«حرمة» .. يرفع اللثام عن معاناة الأرامل فى السعودية
المخرجة السعودية “عهد كامل” تقدم للسينما السعودية فيلمًا جريئًا يتطرق لمشكلة شديدة الحساسية فى مجتمع شديد الانغلاق، وهي نظرة وتعامل المجتمع السعودي مع المرأة “الأرملة”.
“حرمة” تم تصويره بالكامل فى السعودية مثل “وجدة”، وتدور أحداث الفيلم عن حياة امرأة حامل يتوفى زوجها على نحو مفاجئ تجد نفسها غير قادرة حتى للخروج بحثًا عن عمل، تحت ضغط المجتمع، وقد فاز الفيلم بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم شرق أوسطي قصير في الدورة الثالثة عشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما عام 2013.
حصد أيضًا جائزة التطوير ضمن فئة الأفلام الروائية القصيرة من مهرجان الدوحة “ترايبيكا” السينمائى.
سكراب ومقعد خلفي ورياح الشرق .. “أزمة قيادة السيارة” تحت المجهر
ليست كل السينما المنتمية للتيار النسوي، يتعين أن يكون صانعه يحمل الصفة المؤنثة، وكانت مصر سباقة فى ذلك، وفى السينما السعودية هناك نماذج مثل فيلم “سكراب” للمخرج السعودى “بدر الحمود ” والذى تناول قضية منع قيادة المرأة للسيارة.
الفيلم يجسد معاناة امرأةٍ سعوديةٍ لا عائل لها، تكسب عيشها من جمع مخلفات الحديد وتضطرها الظروف لقيادة سيارتها بنفسها، وعندما تمسك بها الشرطة لا تجد ما تبرر به موقفها لأن السلطات عمياء لا ترى ولا تعرف قسوة الواقع.
معاناة المرأة مع مقعدها فى السيارة، تنجلى بفلسفة أعمق فى فيلم “مقعد خلفي” للمخرجة “هند الفهاد”، والذى يقدم “رؤية” المرأة السعودية لحياتها انطلاقًا من المقعد الخلفي للسيارة الذي تجلس فيه دائمًا دون أن يرد بخاطرها القفز إلى الأمام حيث مقعد القيادة، لنجد “المقعد الخلفي” يلخص معاناتها فى الحياة كاملة بهذا المجتمع.
أما المخرجة “جواهر سديري” فربطت بين قيادة المرأة للسيارة والربيع العربي، معتبرة أن الجدل الدائر بشأن القضية مؤخرًا من ثمار الربيع العربي، فى فيلمها “رياح الشرق”.
«المفتاح» الأمر بيده وحده .. هو من بدأ المشكلة ويتلذذ بإشعالها
بواقعية شديدة وانحياز واضح للمرأة، قدم المخرج “عبد المحسن الضبعان” فيلم “المفتاح”، والذى ابتكر فيه قالبًا مختلفًا وبعيد عن التقليدية فى التناول، حيث لا يظهر في الفيلم سوى صورة المفتاح مصحوبة بصوت حامله “الرجل” الذي يمثل السطوة والبطش، في مقابل المرأة الضعيفة.