لماذا لا مناص من تعديل قانون الأحوال الشخصية؟
لاتزال القوانين التمييزية موجودة جنبًا إلى جنب مع الممارسات المتحيزة والتقاليد المجحفة بحق المرأة المصرية، وذلك على الرغم من تعالى أصوات النساء المطالبة برفع الظلم عنهن فى الحقل التشريعي، خاصة أن الوضع على هذا النحو لا يتماشى مع التزامات مصر تجاه اتفاقية إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW.
وتنص الاتفاقية فى مادتها الثانية، أبواب (ب) ، (ج) ، (و):
(ب) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة،
(ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي.
(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة.
على رأس القوانين التى تقف ضد المرأة المصرية ما يعرف بقانون “الأحوال الشخصية”، الذى تطالب كافة المنظمات الحقوقية والنسوية، بتعديله بشكل جذري.
عن قانون الأحوال الشخصية:
فى البداية تعرف الأحوال الشخصية، كونها المساءل المتعلّقة بالخطبة، والزواج، وحقوق الزوجين وواجباتهما، ونظام الأموال بين الزوجين، والطلاق، والتفريق، والبنوة، والإقرار بالأبوة وإنكارها، والتبني، وتصحيح النسب، والنفقة، والمواريث، والوصايا، والولاية على المال، والأهلية.
قبل عام 1956، كان القضاء فى الأحوال الشخصية، موزعًا بين المحاكم الشرعية للمسلمين والمجالس الملية لغير المسلمين، حتى تمت عملية التوحيد القضائي.
منذ عام 2004 وحتى الاَن، تُنظَر دعاوى “الأحوال الشخصية” أمام محاكم الأسرة وحدها.
قبل تطبيق الأحوال الشخصية، عرفت مصر عام 1917، ما عرف باسم “قانون حقوق العائلة”، ودائمًا ما كان يراعى الرجوع إلى المذهب الحنفى، حتى صدر أول قانون للأحوال الشخصية عام 1920.
خضع القانون للتعديل عدة مرات بعد ذلك ومن المنتظر تعديله بعد انعقاد مجلس النواب المنتخب حديثًا.
أبرز المشكلات التى توجهها المرأة بسبب هذا القانون:
طول مدة التقاضى
1) الطلاق
هناك ما يقرب من 2.5 مليون مطلقة فى مصربحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وتحتل دعاوى النفقات المرتبة الأولى من دعاوى الأحوال الشخصية من واقع إحصاءات وزارة العدل، حيث بلغ إجمالى المقدم لمكاتب تسوية المنازعات الأسرية بمحاكم الأسرة عام 2011 ( 368296) طلبًا، حيث احتلت طلبات النفقات منها نسبة (80%) من مجموع الطلبات.
وقد أشار المجلس القومي للمرأة، إلى أن مشكلة مسكن الزوجية سواء أثناء فترة الحضانة أو بعد انتهائها تأتى فى المتربة الثاني، تحتل ثانية بين شكاوى المطلقات ودعاويهن.
معاناة النساء ترتكز بالدرجة الأولى، فى بطء إجراءات التقاضي، بداية فى دعاوى “الطلاق”، مما يحتم على النساء تحمل المشقة التى تلحق بهن من الاتجاه إلى دعاوى “التطليق”، والذى يلجأن إليه بديلًا عن الخلع للاحتفاظ بحقوقهن المالية وتحكم ذلك الحاجة وعدم القدرة على التنازل عما يحق لهن.
وعلى عكس الرجل، لايسمح للمرأة بالطلاق إلا بحكم من المحكمة، يشارك عدد من المسؤولين الحكوميين في هذه العملية، بما في ذلك القضاة والمحامين لكلا الطرفين، وحكمان في الوساطة الإجبارية بين الزوجين، النيابة العامة أيضًا غالبًا ما تكون موجودة في حالات الطلاق، أما الرجل فغير ملزم بالطلاق عن طريق المحكمة، فله حق التطليق الغيابي أو الشفهي.
فى المقابل، هناك حالات كثيرة من النساء تتضرر من الطلاق الشفهى وتعانى من اجل إثباته رسميًا بعد أن تلفظ به الزوج دون توثيقه، هذا إلى جانب أنه يوجد قطاع من السيدات ليس لديهن ثقافة قانونية تجعلهن يسعين لإثبات الطلاق.
2) النفقة
بطء إجراءات التقاضي، تعانى منه النساء أيضًا فى مسألة “النفقة”، حيث يتم مد أمد القضية بدون مبرر -يرجع أحيانًا لتكدس الدعاوى- مع العلم أن كثيرات من النساء يكن بلا مصدر رزق يضمن لهن ولأبنائهن عيش كريم أو مقبول على الأقل.
فى مسألة النفقة أيضًا، تظهر مشكلة أخرى في القيمة التي يدفعها بنك ناصر الاجتماعي للزوجة، ففي حال حكمت المحكمة بنفقة 1000 جنيهًا للزوجة، فلا يصرف لها سوى 500 جنيهًا، وفى حال كانت المطلقة، بين مطلقات أخريات لنفس الرجل، يتم تقسيم المبلغ عليهن، فيصبح رقمًا هزيلًا.
إثبات النسب
على الرغم من توقيع مصر على عدد من الاتفاقيات الدولية التى تعطي الطفل الحق فى اسم ونسب وجنسية، وأن يعرف والديه، إلا أنه حتى الآن مازال آلاف الأطفال بلا هوية، وقضايا إثبات النسب تأخذ عمرًا في المحاكم.
ولإثبات نسب أطفال ناتجين عن علاقة خارج إطار منظومة الزواج، فلا يوجد أمام الأم سوى إثبات الزواج الشفوي من خلال الشهود، أو أن يتم إجراء تحليل الـ DNA .
وفي حالة امتناع الزوج عن إجراء التحليل، فهو بحسب القانون الحالى غير مُلزم بذلك، فالأب له الحق فى رفض القيام بالاختبار دون خوف من القانون لأنه لا عقوبة لرفضه إجرائه.
وغالبًا يتم رفض دعوى النسب لأن القضاء يستند إلى الراجح في الفقه بأن (الابن للفراش)، ويكون إثبات علاقة الزواج من خلال الشهود أو عقد عرفي أو عقد رسمي ضرورية لإثبات النسب.
وفى النهاية، لا يجوز إلزام أي شخص بإجراء تحليل الحامض النووي إلا إذا قررت المحكمة ذلك.
وبحسب دراسة صادرة عن مركز حقوق الطفل المصري في 2005، طالبت بعدد من العناصر، رأت أنها تمثل ظلمًا للنساء وانتقاص من حقهن فى العدالة، وهي مازالت قائمة، أبرزها؛ سرعة الفصل فى قضايا النسب بحيث لا تستغرق أكثر من ستة أشهر، ووضع تحليل الحامض النووى ضمن الإجراءات الملزمة فى قضايا إثبات النسب، وأن تتحمل الدولة تكلفة التحليل ويكون قرينة تستند إليها المحكمة.
حضانة الأطفال
كثير من الأطفال يدخلون فى صراع لا شأن لهم به، بعد طلاق أبويهما، وعنوانه العريض “الحضانة”.
القانون في مصر يحدد حضانة الأم لطفلها بـ15 عامًا، ففى المادة 20 ( فقرة أولى ) منه، ينص على “ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشر ويخير القاضى الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذا السن فى البقاء فى يد الحاضنة وذلك حتى يبلغ سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة.”، وهذا على الرغم من أن الشرع لم يحدد سنًا للحضانة، حيث لا يوجد نص ثابت سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية يحدد السن التي تنتهي عندها حضانة الأم لأبنائها، إنما جعل سن الحضانة مرتبطة بمصلحة الصغير سواء كان ذكراً أو أنثى
ويجبر القانون المصري المرأة الامتناع عن الزواج حتى بلوغ أبنائها سن الــ15 وإلا تفقد حضانتها لهم، إذ تنتقل الحضانة إلى أمها ثم أمه لأبيه، ثم الأخوات الشقيقات، على النقيض الأب له الحرية الكاملة فى الزواج مجددًا، وأن تستمر حياته دون إعاقة.
تعدد الزوجات
تمنع “تونس” تعدد الزوجات بالقانون، فى حين تقيده “المغرب”، أما فى مصر فتسود حالة من الانفلات فى استخدام مشروعية “تعدد الزوجات”.
ولا يضع القانون أى حائل دون هذه الحالة، لكن بين المطروح فى التعديلات المنتظر عرضها على مجلس النواب – وقد أعدها عدد من المنظمات النسوية- ما يطالب بتقنين تعدد الزوجات.
الخلاف القائم فى مصر وعدم قبول تطبيق قانون يمنع التعدد، على الرغم من مناقشته على نطاق واسع طيلة أكثر من 30 عامًا، يعود إلى تديين الحق، وبعض الرافضين ينفون إمكانيته قبول النص على ذلك منعًا أو تقييدًا، التزامًا بأنه حق مطلق للرجل بحسب الشرع – وفق تعريفهم- وطالما أن المادة الثانية من الدستور تنص على أن الدين الإسلامى دين الدولة، فالقانون لا يمكن أن يخالف قواعده.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الشيخ محمد عبده عندما كان مفتيًا للديار المصرية، كتب مقالًا نشرته “الوقائع المصرية” بتاريخ 8 مارس 1881، طالب الحاكم والقائم على الشرع أن يمنع تعدد الزوجات، وعرض فى مقاله تفسيرًا واضحًا ومنطقيًا لبعض الآيات التى تمنع التعدد.