تسلسل زمني: بين «الاستقلال» و«حركة الحقوق المدنية».. الأمريكيات ناضلن بلا كلل في سبيل «حق التصويت»
«لا يجوز للولايات المتحدة ولا لأية ولاية فيها حرمان مواطني الولايات المتحدة حق الانتخاب، أو الانتقاص لهم من هذا الحق لعلة الجنس.»
التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي
تحتفل الولايات المتحدة هذا العام بالذكرى المئوية للتعديل الدستوري الذي أقر حق النسـاء في الانتخاب، وهي أيضـًا ذكرى بداية فصل آخر في النضال قادته النساء الملوّنات بعد أن خذلهن كثير من المدافعات النسويات من ذوات البشرة البيضاء، وحاربهن كل من بيده سلطة التطبيق العملي للتعديل الدستوري.
فيما يلي نتعرض إلى بعض المحطات والمواقف البارزة التي عرفها نضال الأمريكيات في سبيل انتزاع حقهن في الانتخاب، قبل التعديل الدستوري التاسع عشر وبعده:
عام 1776
أصبحت مستعمرة نيو جيرسي (ولاية نيو جيرسي حاليًا) الرابعة بين المستعمرات الأمريكية الثلاث عشرة، التي تتبنى دستورًا يعلن الاستقلال عن بريطانيا العظمى، وقد أعطى هذا الدستور حق التصويت في الانتخابات التي تُجرى داخل نيو جيرسي، لجميع سكان المستعمرة من دون قصره على جنس معين أو عرق دون الآخر، باشتراط الإقامة فيها، وبلوغ سن الرشد، وامتلاك ثروة محددة القدر بخمسين جنيهًا (الجنيه: عملة المستعمرات الأمريكية قبل الاستقلال عن بريطانيا، وكان أقل قيمة من الجنيه الإسترليني، العملة المستخدمة في المملكة المتحدة)، وملكية خاصة تقدر بالقيمة نفسها.
عام 1790
ترجمةً لما جاء في الدستور، أصدر المجلس التشريعي لنيو جيرسي قانون الانتخاب الذي استخدم صراحة ضميري «هو وهي»، للتأكيد على حق الجنسين على حد سواء في التصويت. لكن شرط «الثروة» لم يحرم فقط نساء الطبقة العاملة من هذا الحق، بل حظره أيضًا على نساء الطبقة العليا المتزوجات، فبموجب القوانين لم يكن يحق للمرأة المتزوجة تسجيل ممتلكات باسمها.
في المقابل، شاركت بقوة نساء الطبقتين الوسطى والعليا العازبات، في الانتخابات التي انعقدت فيما بين العامين 1790 و1806.
عام 1807
تجاوز المجلس التشريعي لنيو جيرسي دستورها المحلي، وعدّل التشريع الخاص بحق الانتخاب، ليقصره على دافعي الضرائب من الذكور ذوي البشرة البيضاء فقط.
عام 1866
أسست الناشطتان الأمريكيتان إليزابيث كادي ستانتون وسوزان برونيل أنتوني الجمعية الأمريكية للمساواة في الحقوق، للمطالبة بحق الاقتراع لجميع المواطنات والمواطنين بغض النظر عن الجنس أو العرق.
عام 1867
أطلق أعضاء الجمعية الأمريكية للمساواة في الحقوق، حملتين في ولايتي نيويورك وكانساس، للمطالبة بإقرار حق الانتخاب للنسـاء وإلغاء شرط «الملكيــة الخاصة» الذي يحرم المواطنين ذوي البشرة السوداء من ممارسة هذا الحق.
عام 1869
انهارت الجمعية الأمريكية للمساواة في الحقوق بسبب خلافات بين أعضائها حول التعديل الرابع عشر للدستور الذي صدر في العام 1868، وأقر حق «المواطنة» للأمريكيين من أصول أفريقية، والتعديل الخامس عشر الذي بدأت تتواتر أخبار بشأن اقتراب الكونغرس من تمريره، وبموجبه سيحصل المواطنون الذكور من ذوي البشرة السوداء فقط على حق الاقتراع.
انقسم أعضاء الجمعية إلى فريقين، الأول كان من بين أبرز أعضائه سوزان برونيل أنتوني وإليزابيث كادي ستانتون، وهو الفريق الذي رفض التعديلين الدستوريين، واتجه إلى تأسيس الجمعية الوطنية للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع (NWSA)، بهدف انتزاع حق النساء في التصويت من خلال تعديل الدستور الأمريكي. أما الفريق الثاني الذي أيد التعديلين الدستوريين الرابع عشر والخامس عشر، وضم الناشطة لوسي ستون والناشط هنري بلاكويل والكاتبة جوليا وارد هاو وآخرون، دشنوا الجمعية الأمريكية للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع (AWSA)، بغية الوصول إلى حق النساء في التصويت، عن طريق النشاط الرامي إلى تعديل دستور كل ولاية على حدة.
في هذا العام أيضًا، أصبحت مقاطعة وايومنغ التي تنازلت عنها المكسيك لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بعد هزيمتها في الحرب الأمريكية المكسيكية، أول مقاطعة أمريكية تعترف بحق النساء في التصويت، بعد أن أقر المشرعون قانون الانتخاب في المقاطعة، والذي اعترف بأحقية المرأة في الانتخاب.
عام 1870
صادق الكونغرس الأمريكي على التعديل الخامس عشر للدستور، الذي نص على «لا يجوز للولايات المتحدة ولا لأية ولاية منها حرمان مواطني الولايات المتحدة من حقهم في الانتخاب، أو الانتقاص لهم من هذا الحق بسبب العرق أو اللون أو حالة رق سابقة»، ليصبح بذلك من حق المواطنين الذكور الملوّنين، التصويت في جميع انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية، بينما النســاء ما زلن خارج الحسبان.
في هذا العام أيضــًا، أضحت فيكتوريا كلافلين وودهول أول امرأة تترشح إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، بعد أن استغلت غياب أي تشريع يمنع النساء من الترشح إلى المناصب الرسمية، وقد منحها حزب الحقوق المتساوية المؤسس حديثًا وقتها، ترشيحه للانتخابات الرئاسية، إلا أن هذه الخطوة لم يتفق بشأنها جميع المدافعات والمدافعين عن حق النساء في الانتخاب، وكانت سوزان برونيل أنتوني واحدة من أبرز المعارضات لترشح فيكتوريا وودهول.
عام 1872
احتجاجًا على إقرار التعديل الخامس عشر، صوتت سوزان برونيل أنتوني في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي فاز بها يوليسيس جرانت، بعد أن سجلت اسمها في قوائم المصوتين بمدينة روتشستر في ولاية نيويورك بالمخالفة للقانون الأمريكي آنذاك، مما أدى إلى اعتقالها بتهمة التصويت غير القانوني، وإدانتها أمام المحكمة التي أصدرت قرارًا بتغريمها مئة دولار، رفضت سوزان تسديدها بعد أن وصفت العقوبة بــ«الجائرة»، إلا أن القضية انتهت عند هذا الحد، ولم تتخذ السلطات أي إجراءات لاحقة.
عام 1878
تقدم النائب الجمهوري آرون سارجنت بمقترح تعديل دستوري، يضمن حق المرأة في التصويت وينص على «لا يجوز للولايات المتحدة أو أي ولاية إنكار حق مواطني الولايات المتحدة في التصويت أو الانتقاص منه بسبب الجنس»، وقد أحال مجلس الشيوخ هذا التعديل الذي عُرِف باسم «تعديل سوزان أنتوني» إلى اللجنة المعنية داخل المجلس، التي استقبلت فيما بعد عدد من المدافعات والمدافعين عن حق المرأة في الاقتراع لمناقشة المقترح. لكن ذلك لم ينتهِ إلى شيء ملموس.
عام 1882
في شهر يناير، وافق أعضاء مجلس الشيوخ على مقترح قدمه النائب الجمهوري جورج هوار لإنشاء لجنة مختصة بمناقشة حق المرأة في الانتخاب.
وفي شهر يونيو، قدمت اللجنة تقريرًا إلى مجلس الشيوخ يوصي بإدخال تعديل على الدستور يقر حق المرأة في التصويت.
عام 1890
في شهر فبراير، أعلنت الجمعية الوطنية للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع (NWSA) والجمعية الأمريكية للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع (AWSA)، اندماجهما في كيان واحد تحت اسم الجمعية الوطنية الأمريكية للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع (NAWSA)، بعد التوصل إلى اتفاق بشأن اختلافاتهما، واعتماد مبادئ مشتركة للعمل في سبيل حصول النساء على حقهن في الانتخاب.
وفي هذا العام أيضــًا، صادقت مقاطعة وايومنغ على الدستور الأمريكي واكتسبت صفة «ولاية»، لتغدو بذلك أول ولاية بين الولايات الأمريكية قاطبة تقر حق النساء في التصويت.
عام 1893
في شهر نوفمبر، أجرت ولاية كولورادو استفتاء بشأن حق المرأة في الانتخاب، وصارت أول ولاية أمريكية تقر حق النساء في الاقتراع عن طريق استفتاء شعبي.
عام 1896
في شهر يوليو، تشكلت الرابطة الوطنية لأندية النساء ذوات البشرة الملوّنة، على يد الناشطة ضد العبودية والصحفية جوزفين سانت بيير روفين، بالتعاون مع عدد من النشاطات ذوات البشرة السوداء مثل ماري تشيرش تيريل وإيدا بي ويلز وفرانسيس هاربر، وقد توّلت ماري تشيرش تيريل رئاسة الرابطة التي مثلت أحد الأذرعة الرئيسة لحركة الدفاع عن حق الأمريكيات من أصول أفريقية في الانتخاب، وهي الحركة التي انطلقت في مواجهة التهميش والإقصاء والعزل الذي عانت منه النساء الملوّنات، وكانت تمارسه عمدًا الكيانات والمجموعات التي تصدرت معارك الدفاع عن حق الأمريكيات في الاقتراع.
عام 1913
في شهر مارس، نظمت الجمعية الوطنية الأمريكية للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع (NAWSA) مسيرة نسائية كبرى في العاصمة الأمريكية واشنطن، للمطالبة بتعديل الدستور بما يضمن حقهن في الانتخاب، وذلك قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس وودرو ويلسون. وقد أصيب حينها عدد كبير من المشاركات في المسيرة، بعد تعرضهن للاعتداء على أيدي بعض المارة والمتجمعين الرافضين لمطلبهن، وسط تراخٍ من الشرطة.
عام 1914
فشلت محاولة ثانية لتمرير تعديل دستوري لصالح حق النساء في الاقتراع، داخل مجلس الشيوخ الأمريكي بسبب عدم كفاية الأصوات المؤيدة له.
عام 1916
أضحت جانيت بيكرينغ رانكن عضوة الحزب الجمهوري، أول امرأة تفوز بعضوية في الكونغرس الأمريكي، بعد أن حصدت مقعدًا في مجلس النواب. وخلال حملتها الانتخابية أكدت جانيت على أنها مرشحة تقدمية تدعم حق النساء في الانتخاب، وأنها ستعمل جاهدةً في سبيل تمرير تعديل دستوري يحقق الهدف المنشود.
في هذا العام أيضــًا، انفصلت الناشطة أليس بول عن الجمعية الوطنية الأمريكية للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع (NAWSA)، ثم أسست حزب المرأة القومي (NWP) الذي وضع على رأس أولوياته، الضغط لإدخال تعديل على الدستور من شأنه تمكين النساء من الاقتراع.
عام 1917
في شهر يونيو، ألقي القبض على الناشطة أليس بول، زعيمة حزب المرأة القومي (NWP) والمدافعة عن حق النساء في التصويت، بتهمة «عرقلة حركة المرور» نتيجة اعتصامها وعدد من النساء أمام البيت الأبيض، في إطار حملة ضغط تبناها حزبها للدفع نحو إقرار حق المرأة في الانتخاب.
في أعقاب ذلك، صدر حكم بالسجن لمدة ستة أشهر، بحق أليس وبقية المعتصمات اللاتي ألقي القبض عليهن. وفي السجن واجهن ظروفًا قاسية، فدخلت أليس في إضراب عن الطعام احتجاجًا على تردي الأوضاع، مما أثار حفيظة سلطات السجن التي نقلتها بشكل تعسفي وهمجي إلى جناح مرضى الاضطرابات النفسية لتشكيك الرأي العام في مصداقيتها.
قبل أن ينتهي العام، رضخت السلطات إلى الاحتجاج المستمر داخل السجن وخارجه من عضوات حزب المرأة القومي، وأطلقت سراح العضوات المسجونات من دون أي شروط.
عام 1918
في شهر يناير، قدمت لجنة حق المرأة في التصويت بمجلس النواب مقترحًا بتعديل دستوري لصالح حق المرأة في الانتخاب، وهو المقترح الذي لعبت النائبة جانيت بيكرينغ رانكن دورًا محوريًا في إعادته للنقاش، وقد تم بالفعل تمريره في مجلس النواب، ولكن انتهى أمره في مجلس الشيوخ، بعد أن فشل في الحصول على تأييد أغلبية الثلثين المطلوبة.
عام 1919
في شهر فبراير، أعيد التصويت على مقترح تعديل الدستور لإقرار حق النساء في الانتخاب، وفشل تمريره من جديد، ثم عاد الكونغرس وصادق عليه بشكل مبدئي في شهر يونيو.
عام 1920
بعد ضغط واسع النطاق من الجمعية الوطنية الأمريكية للمطالبة بحق النساء في الاقتراع (NAWSA) وحزب المرأة القومي (NWP)، صادق ثلاثة أرباع المجالس التشريعية للولايات على التعديل التاسع عشر، لينال التصديق النهائي عليه داخل الكونغرس في الـ18 من أغسطس في العام 1920.
لكن هذا التعديل جاء ليعطي النساء ذوات البشرة البيضاء وحدهن هذا الحق، إذ استمر حرمان النساء الملوّنات من حقهن في الانتخاب في الولايات الجنوبية، كما وضع المعارضون لحصولهن على حق التصويت في الولايات الشمالية، عراقيل تحول دون ممارستهن لحقهن الدستوري، كفرض ضرائب عليهن، وإلزامهن باجتياز عدد من الاختبارات، منها اختبار «القراءة والكتابة»، يقينًا بأن كثيرات سيفشلن فيه، بسبب ارتفاع نسبة الأمية بين المواطنين ذوي الأصول الأفريقية في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، لم تستفد النســاء الأصليات من هذا التعديل، لأن الأمريكيين الأصليين لم يحصلوا على «المواطنة» حتى العام 1924، عندما مرر الكونغرس تعديلًا في هذا الشأن.
عام 1965
بعد نضال قادته النساء الملوّنات امتد لـ45 عامًا بعد التعديل التاسع عشر للدستور، نجحن في الوصول إلى مبتغاهن أو بالأحرى حقهن، بعد أن وقع الرئيس الأمريكي ليندون بينز جونسون في شهر أغسطس على قانون حق التصويت للعام 1965، الذي أزال الحواجز القانونية التي وضعتها الولايات عبر تشريعاتها المحلية، لمنع المواطنين ذوي البشرة الملوّنة من ممارسة حقهم في الانتخاب.