فتيات انتزعن النجاة من «تزويج القاصرات».. ويناضلن من أجل حماية أخريات من شروره
في الـ11 من أكتوبر من كل عام، تحتفل كثير من دول العالم بــ«اليوم الدولي للطفلة\الفتاة»، الذي بدأ الاحتفال به في العام 2012، بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الفتيات والتعرف إلى آليات مواجهتها بغية حماية حقوقهن كالحق في التعليم والتغذية، والحقوق القانونية، والرعاية الطبية، والحماية من التمييز والعنف، والقضاء على تزويج القاصرات.
ويعد تزويج القاصرات واحدًا من المشكلات الرئيسة والأكثر خطورة على الفتيات، خاصة أن تسرّب الطفلات من المدارس وحرمانهن من التعليم عادةً ما يرتبط بتزويجهن، فضلًا عن أن الزواج في سن صغيرة تزيد معه احتمالية الحمل المبكر الذي يتسبب في متاعب صحية وخيمة، إذ أن الحمل والولادة يأتيان في مقدمة مُسببات الموت بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 عامًا في البلدان النامية.
18 دولة من الدول الـ20 الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة تقع في أفريقيا
تقرير «تعليم البنات والقضاء على زيجات الأطفال» – البنك الدولي 2018
الطفلات لسن دائمًا ضحايا، فهناك كثيرات منهن يرفضن بإباء الخضوع للتزويج القسري ويخضن حروبًا عنيفة على المستويين الأسري والمجتمعي، حتى يحمين أنفسهن من هذا الشر. من هؤلاء نتذكّر ثلاث لم يرضخن للتزويج القسري المبكر، وصرن مصدر إلهام لملايين الفتيات حول العالم.
نجود علي.. أصغر مطلقة في العالم
لم يكن عمر الطفلة اليمنية نجود يتعدى العشرة أعوام، عندما توّجهت بمفردها إلى المحكمة في العاصمة صنعاء لتطلب تطليقها، بعد شهرين من تزويجها قسريًا برجل في الثلاثينيات من عمره، لتصبح قضيتها الأولى من نوعها في اليمن.
حظيت القضية باهتمام محلي ودولي، وأصدرت المحكمة بعد فترة وجيزة قرارها بتطليق نجود التي تعود قصة تزويجها إلى العام 2008 عندما قرر والدها، علي محمد الأهدل، بيع ابنته الصغيرة في صفقة زواج لحل ضائقته المالية، بعد أن ازداد وضعه المادي سوءًا، ولم يعد قادرًا على توفير احتياجات أسرته المكوّنة من زوجتين و16 ابنةً وابنًا، فضلًا عن تصوّره بأن التعجيل بزواجها سيحميها مما لحق بأختها الكبرى التي زوّجها قسرًا بمغتصبها بذريعة درء العار بعد اغتصابها.
وبحسب تقرير أصدره المركز الدولي لدراسات النوع الاجتماعي في العام 2011، فقد حلّت اليمن في المرتبة الـ 13 من بين 20 دولة صُنّفت باعتبارها الأسوأ في انتشار تزويج القاصرات، حيث تصل نسبة الفتيات اللواتي يتزوجن دون سن الـ18 إلى 48,4 بالمائة، وهو ما أكدته أيضًا دراسة لمنظمة أوكسفام الدولية (OXFAM)، كشفت أن ما يقترب من نصف النساء اليمنيات يتزوجن قبل سن 18 عامًا.
زوّج الأب ابنته قبل السن القانونية ليزج بها إلى حياة مظلمة؛ الاغتصاب فيها طقس شبه يومي، وتعنيفها جسديًا أمر عادي، وانتهاك حقوقها مُبارك من الجميع، حيث حرمها الزوج من استكمال دراستها بالمدرسة، واغتصبها رغم وعده للأب بالامتناع عن ممارسة الجنس معها حتى تأتيها الدورة الشهرية، كما عكف على إيذائها جسديًا، معتديًا عليها بالضرب مرة بعد الأخرى بتحفيز من والدته.
لم تستسلم نجود لهذه الحياة البائسة، واستغلت زيارتها الأولى إلى أسرتها بعد زواجها بشهرين، حتى تهرب متوجهةً إلى المحكمة في صنعاء. وعند وصولها إلى مقر المحكمة، طلبت من إحدى السيدات أن ترشدها إلى قاضٍ، وبعد ساعات من الانتظار قابلها أحدهم، فقالت له إنها تريد الطلاق.
يحدد قانون الأحوال الشخصية في الـيـمـن سن (15 عامًا) سنًا أدنى للزواج، إلا أن العادات القبلية دائمًا ما تتفوق على القانون، ولذلك تم سجن الأب والزوج، بتهمة التواطؤ والكذب بشأن عمر الفتاة، بعد أن حاولوا مخادعة القاضي زاعمين أن نجود تزوّجت بعد إتمام السن القانونية. وقد دفعت قصة نجود منظمات حقوقية في الداخل والخارج، إلى المطالبة والضغط من أجل تعديل التشريع القائم ورفع السن القانونية لزواج الفتاة إلى 18 عامًا، إلا أن البرلمان اليمني فشل في مناقشة وتمرير تشريعٍ يستجيب لذلك، بسبب تعنت شخصيات دينية وقبلية نافذة.
تحوّلت نجود إلى نموذج ملهم للفتيات في اليمن خصوصًا والعالم عمومًا، بالأخص بعد أن سجلت قصتها بالاشتراك مع الكاتبة الفرنسية من أصل إيراني دلفين مينوي، في كتاب بعنوان «أنا نجود ابنة العاشرة ومطلقة» صدر في العام 2009، وتمت ترجمته إلى أكثر 18 لغة، وبيعت نسخه في 35 دولة، من بينها فرنسا التي تصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا فيها.
وفي تصريحات لشبكة CNN الإخبارية، في يوليو من العام 2008، عقب حصولها على حكم بالطلاق قالت نجود: لقد فعلت ذلك حتى يسمعني الناس، وليفكروا في التوقف عن تزويج بناتهم الصغيرات.
اختيرت نجود من قبل مجلة Glamour الأمريكية لتكون «امرأة العام 2008»، وقد شاركت في حفل تكريمها بمدينة نيويورك، والتقت هناك بهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، التي وصفت نجود بـأنها «أشجع امرأة في العالم».
لكن نجاح نجود في الحصول على الطلاق، لم يحمها من عنف أبيها الذي يستمد مشروعية ومقبولية في المجتمع اليمني من تغلغل الثقافة الذكورية في أوصاله، إذ أنه وبرغم كل ما حدث لم تتغير قناعاته بل بدا عصيًا على استيعاب الدرس، وبحسب ما جاء على لسان نجود، في تصريحات أدلت بها لصحيفة الجارديان البريطانية، في مارس من العام 2013، فقد بدد والدها أرباح كتابها بعد أن تزوج مرتين أخريين، بينما كان من المفترض أن تؤمن لها هذه الأموال مصروفات المدرسة ثم الجامعة حتى تحقق حلمها بأن تصبح محامية. أفادت نجود في الحوار نفسه، بأن والدها يحاول بيع أختها الصغرى في صفقة كالتي عقدها من قبل للتخلص منها، إلا أنها تسعى إلى منع تلك الزيجة، بالتحدث إلى وسائل الإعلام وفضح جريمته.
تحوّلت قصة نجود إلى فيلم صدر في العام 2015، بعنوان «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة»، وأخرجته اليمنية خديجة السلامي التي سعت من خلاله إلى تجسيد المعاناة والأمل ممتزجين في حياة نجود أو نجوم.
سونيتا علي زاده –مناهضة تزويج القاصرات بالغناء
أصبحت الفتاة الأفغانية سونيتا علي زاده منذ العام 2014، واحدة من أبرز الناشطات اللاتي يستخدمن أغاني الراب للمقاومة والنضال ضد تزويج القاصرات الذي تمردت عليه ورفضته، بعد أن حاولت أسرتها مرتين أن تزوجها قسريًا بسبب الحاجة إلى المال.
حاولت أسرة سونيتا أن تزوّجها قسريًا لأول مرة وهي في الـ10 من عمرها إلا أن الجريمة لم تكتمل حينها، ثم عادت وحاولت بيعها في صفقة زواج أخرى عندما أكملت عامها الـ16، بهدف جمع مال من هذه الزيجة ليتمكن شقيقها من شراء عروس.
وبموجب القانون المدني الأفغاني والصادر في العام1977، فإن سن الزواج للفتاة هو 16 عامًا، مع إباحة تزويجها إذا كانت أصغر بموافقة من الأب أو القاضي.
لم ترضخ الفتاة وجاءت مقاومتها برفع صوتها عاليًا ليسمعه العالم، حيث سجّلت أغنية اختارت لها عنوان «بنات للبيع – Daughters for Sale»، عبّرت فيها عن ألمها ومخاوفها التي تتشابه وآلام فتيات كثيرات حول العالم، ثم نشرتها عبر موقع المقاطع المصوّرة YouTube، ليذيع صيتها وتضطر أسرتها إلى التراجع عن قرارها.
تمرد سونيتا على تزويجها يرتبط بتمرد أكبر على شبكة العادات والتقاليد والقوانين التي تنتهك حقوق النساء، وتعمد إلى إسكاتهن وحرمانهن حق الاختيار، فلم تكترث إلى القوانين الإيرانية التي تمنع النساء من الغناء، وخاضت تحديًا كان بالإمكان أن يُعرّضها للاستهداف والعقاب. لكنها اختارت أن تجعل من الغناء وسيلة للاحتجاج على واقع مجتمع اللاجئين المزري، وعلى الحرب في بلدها أفغانستان، وعلى العنف ضد الفتيات.
بمساعدة مجموعة Strong Heart الأمريكية (برنامج غير ربحي لدعم اللاجئين)، تمكنت سونيتا من الانتقال إلى الولايات المتحدة في العام 2015، لتصبح واحدة من أبرز المدافعات عن حقوق الفتيات، والمحاربات ضد تزويج القاصرات في العالم.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، هناك ما يقدر بـ 12 مليون فتاة تحت سن 18 عامًا يتزوجن سنويًا، وفي الدول النامية، تتزوج 1 من كل 3 فتيات قبل هذه السن، بينما تبلغ نسبة الفتيات اللاتي تزوجن قبل الـ18 في أفغانستان 35 في المئة، وتصل نسبة المتزوّجات قبل الـ15 في هذا البلد إلى 9 في المئة.
وثقت المخرجة الإيرانية رخساره قائم مقامي، في فيلم قصير رحلة كفاح سونيتا في مواجهة العنف الأسري والمجتمعي والمصاعب التي تخللتها، خاصة فيما يتعلق بتسجيل أغانيها ونشرها في ضوء قوانين محلية تمنع النساء من الغناء في العلن.
أنجلين ماكور – نشاط ممنهج لتمكين الفتيات من مقاومة الخطر بأنفسهن
استطاعت الزيمبابوية أنجلين ماكور أن تحمي نفسها من مخطط لتزويجها عندما كانت في الـ14 من عمرها، وذلك حينما أدركت أن زوج شقيقتها يتودد ويتقرب إليها حتى يجعلها زوجته الثانية، في إطار خطته للجمع بين 4 إلى 7 زوجات، فاضطرت وقتها إلى الانقطاع عن زيارة شقيقتها تمامًا.
وبحسب أرقام أممية صدرت في العام 2017، فقد بلغت نسبة المتزوّجات قبل إتمام سن 18 عامًا في زميبابوي 32 في المئة. ووفقًا للقانون الزيمبابوي، فإن السن القانونية لزواج الفتاة هي 16 عامًا، إلا أن الدستور الجديد الذي أُقر في العام 2013 ينص على أن الفتيات أقل من 18 عامًا لا يمكنهن تكوين أسرة، مما يزيد من ضبابية الموقف تجاه تزويج القاصرات في البلاد.
لم تكن النجاة الشخصية من الوقوع في فخ تزويج القاصرات كافيةً بالنسبة لأنجلين التي انضمت كمتطوعة في عدد من المنظمات النسوية في زيمبابوي، فاشتعلت حماستها من أجل إحداث التغيير وقررت أن تدشن مبادرة باسم «Spark Read» ، لتعمل من خلالها بشكل ممنهج على حماية الفتيات من هذا الخطر. وتقوم أنجلين بذلك من خلال برنامج توعوي يتكون من مرحلتين، الأولى تستهدف تعريف الفتيات الصغيرات بماهية تزويج القاصرات ومضاره ومخاطره، بينما تركز المرحلة الثانية على تعليم الفتيات وتدريبهن على المهارات الأساسية التي تساعدهن على التصدي لتزويج القاصرات وإطلاق حملات ضده في مجتمعاتهن.
لا تستهدف أنجلين الوصول إلى الفتيات الصغيرات فحسب، بل تعمل على توعية الآباء والأمهات أيضًا بمخاطر تزويج القاصرات، باعتبارهم المسؤولين عن هذا القرار.
جهود أنجلين في مجال مناهضة تزويج القاصرات، وثقتها منصة «فتيات ولسن عرائس-Girls Not Brides» التابعة لشراكة دولية بالاسم نفسه، تهدف إلى القضاء على الظاهرة على المستوى الدولي.