رحلة المرأة المصرية مع الدساتير والقوانين من أجل “إعطاء أبنائها الجنسية”
التعريف الصحيح للجنسية هو : العلاقة القانونية بين الفرد والدولة ، التى ترتب بعض الإلتزمات على الدولة في مواجهة الفرد المتجنس بجنسية الدولة تكون في صورة حقوق سياسية ومدنية كما ترتب عليه التزامات تتمثل بواجبات قانونية مثل دفع الضرائب والتجنيد العسكري.
و الجنسية حق لكل مواطن ولد من أب و أم مصريين او لكل مواطن و مواطنة ولدوا أبناء لأب مصرى فقط و لكن تظل حلم لكل مواطن ولد من ام مصرية و أب غير مصرى و على مدى اعوام عدة عانت المرأة المصرية المتزوجة من أجنبى الأمرين من اجل الحصول على منفذ لمنح أولادها جنسيتها على الرغم من اعطاء ذلك الحق للرجل.
وهذا الأمر لا ينفصل عن كثير من الحقوق فى مجتمعنا تذهب للرجل هبة و تكافح المرأة أعواماً من أجلها ..
و الدساتير المصرية بشأن ” حق المرأة المصرية فى منح الجنسية لإبنها” توضح لنا عن قرب أين كانت المرأة و أين هى الاَن فى هذا الصدد
دستور 1923 نص على ” الجنسية المصرية يحددها القانون”.
إذن فلننظر للقانون وكان القانون قد صدر فى عام 1929 (أى بعد الدستور ب 6 أعوام) و اتخذ المشرع من تاريخ 5 من نوفمبر سنة 1914 بداية لحساب المدة واجبة الاكتمال للإقامة فى مصر لثبوت الجنسية المصرية , حيث تثبت للرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون فى الأراضي المصرية من 5 من نوفمبر سنة 1914 , وحافظوا على إقامتهم بها حتى 10 من مارس سنة 1929.
دستور 1956 نص على “الجنسية المصرية يحددها القانون . ولايجوز اسقاطها عن مصرى ولا الأذن فى تغييرها أو سحبها ممن اكتسبها إلا فى حدود القانون”
و فى تلك الفترة من الخمسينات كان يهتم المشرع المصرى بتوسيع الجنسية المصرية لتشمل السودان فى فترة و سوريا فى فترة أخرى .
دستور 1971 ذكر فيه أن ” الجنسية المصرية ينظمها القانون”
و جاء القانون رﻗﻢ 26 ﻟﺴﻨﺔ 1975 ﺑﺸﺄن اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ نص على ” يكون ﻣﺼﺮﻳﺎً ﻣﻦ وﻟﺪ ﻷب ﻣﺼﺮى أو ﻣﻦوﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ أم ﻣﺼﺮﻳﺔ وﻣﻦ أب ﻣﺠﻬﻮل اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ أو ﻻ ﺟﻨﺴﻴﺔ ﻟﻪ أو ﻣﻦ وﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ أم ﻣﺼﺮﻳﺔ وﻟﻢ ﺗﺜﺒﺖ ﻧﺴﺒﺘﻪ إﻟﻰ أﺑﻴﻪ ﻗﺎﻧﻮﻧﺎً او من وﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ أﺑﻮﻳﻦ ﻣﺠﻬﻮﻟﻴﻦ أو اﻟﻠﻘﻴﻂ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻮﻟﻮدا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ اﻟﻌﻜﺲ.
أما من ولد لأم مصرية وأب غير مصري معلوم الجنسية وثبت نسبه إلى أبيه قانوناً، فلم يكن له حق التمتع بالجنسية المصرية، وإنما كان له أن يتمتع فقط بجنسية أبيه الأجنبي. ويعني هذا أن قانون الجنسية لم يكن يعترف بالمساواة بين الأب المصري والأم المصرية في الحق في نقل جنسيتهما المصرية لأبنائهما، فكان الحق ثابتاً فقط للأب المصري الذي يكون ابنه مصرياً سواء كانت أمه مصرية أو أجنبية. أما الأم المصرية التي تتزوج من أجنبي، فلا يكتسب أطفالها المولودين من هذا الزواج ولو ولدوا في مصر، بل يكتسبون جنسية الأب إذا كانت له جنسية معلومة وثبتت نسبتهم إلى أبيهم قانوناً.
يعتبر قانون الجنسية المصرى الصادر فى عام 1975 أحد أشكال التمييز الصارخ ضد المرأة ، ففى الوقت الذى يمنح فيه هذا القانون للرجل المصرى المتزوج من أجنبية الحق فى نقل جنسيته لها ولأبنائه ، يمنع نفس الحق عن المرأة فى نفس الحال ، كما أنه قانون مخالف لأحكام الدستور المصرى الذى ساوى بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات بنص المادة 11 منه و التى تنص “تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية.”
ويتعارض أيضا هذا القانون مع المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر مثل اتفاقية إلغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة
في سنة 1981 صدقت مصر على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم “السيداو” ، و بهذا التوقيع أصبح لها قوة القانون في مصر. لكن مصر تحفظت على نص المادة 9/2 الذي يلزم الدول الأطراف بمنح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما. فمؤدى هذا النص أن تقوم الدولة بالاعتراف بحق المواطنة التي تحمل جنسيتها بنقل هذه الجنسية إلى أبنائها بصرف النظر عن جنسية أبيهم.
وقد بررت مصر تحفظها على نص المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بجنسية أطفالهما بأنه “لتفادي اكتساب الطفل لجنسيتين في حالة اختلاف جنسية الأبوين اتقاءً للإضرار بمستقبله، إذ أن اكتساب الطفل لجنسية أبيه هو أنسب الأوضاع له، ولا مساس في ذلك بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، فمن المألوف موافقة المرأة في حالة زواجها من أجنبي على انتساب أطفالها لجنسية الأب”.
في سنة 2004 صدر القانون رقم 154، متضمناً تعديل قانون الجنسية المصرية 26 لسنة 1975، للقضاء على التمييز بين المصري والمصرية في حق منح الجنسية المصرية لأبنائهما، وليقرر المساواة القانونية بين من ولد لأب مصري أو لأم مصرية في اكتساب الجنسية المصرية. فنصت المادة الثانية من قانون الجنسية بعد تعديلها على أن “يكون مصرياً: من ولد لأب مصري، أو لأم مصرية …” . وطبقاً لهذا النص يكون مصرياً من ولد لأم مصرية، سواء ولد في مصر أو في الخارج وبصرف النظر عن حالة الأب، هل هو مجهول أو معلوم، يحمل جنسية دولة معينة أو لا جنسية له على الإطلاق.
وهكذا يكون القانون رقم 154 لسنة 2004 قد واكب الاتجاهات الحديثة في شأن المساواة في حق منح الجنسية المصرية بين الأب والأم. وهذا تطور محمود سبقتنا إليه دول عربية وغير عربية. هذه المساواة تتوافق مع التزامات مصر الدولية، و أعتبرت مكسباً جديداً لحقوق المرأة.
أما عن مشروع دستور 2013 الذى سيتم الاستفتاء عليه فى 14 و 15 يناير فانه نص فى مادته ال6 على ” الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية ، و الاعتراق القانونى به و منحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية ، حق يكفله القانون و ينظمه ،و يحدد القانون شروط اكتساب الجنسية.
و فى هذا الصدد أكد دستور 2013 على ان قضية المرأة هى قضية المجتمع ولا تنفصل عنه ، والمرأة ليست فئة من فئات المجتمع ولكن هي نصف المجتمع و أساس الأسرة وقد تضمنت مسودة الدستور على ما يزيد عن 20 مادة او أكثر تخص المرأة.
ولكن كما هو متعارف عليه أن القوانين من الدساتير، فلابد من أن تواكب القوانين التطورات المجتمعية و عليه فإن القوانين يستلزم ألا تظل ثابتة بلا تجديد لإن ذلك سيعمل على إحداث فجوة بين المواطنين و الدولة.
لكن ما رصدناه و عرضناه يؤكد على التمييز المتعمد ضد المرأة الذى إستمر لعقود لكن فى الوقت ذاته يؤكد هذا التاريخ على أن المرأة المصرية لا تكل و لا تمل، وحتى بعد أن حصلت على حقها فى إعطاء الجنسية لأبنائها فى الدستور لن يكفيها ذلك وستظل تتابع كيف سيتحقق ذلك على الأرض.