«زي الشمس»: حكاية نساء مكَّن الذكور من إخضاعهن وتدمير حيواتهن
حقق مسلسل «زي الشمس» نجاحًا جماهيريًا كبيرًا خلال موسم رمضان للعام 2019، بما جعل أحداث حلقاته محل ترقب وانتظار بين قطاع واسع من الجمهور المصري على مدار 30 يومًا، وبات السؤال الأكثر طرحًا على مواقع التواصل اجتماعي خلال هذا الشهر «مين قتل فريدة؟»، في إشارة إلى الشخصية التي تؤديها ريهام عبد الغفور وهي إحدى الشخصيات النسائية الرئيسة، ويدور المسلسل حول جريمة قتلها ورحلة البحث عن قاتلها. هذه الحالة أحاطت بالمسلسل رغم أن أحداثه عُرِفت وانتشرت على نطاق واسع لكونه نسخة ممصرّة من مسلسل إيطالي يحمل اسم «الشقيقتان» من إنتاج العام 2017.
انسحابات خفضَّت التمثيل النسائي
كاد مسلسل «زي الشمس» أن يكون الأكثر احتضانًا للعنصر النسائي خلف الكاميرا في هذا الموسم، لولا انسحاب المخرجة كاملة أبو ذكري وكل من نانسي عبد الفتاح مديرة التصوير وريم العدل مصممة الملابس، إذ يضم العمل بين صنّاعه الأساسيين السيناريست مريم نعوم مشرفةً على كتابة العمل، ونجلاء الحديني كاتبةً للمعالجة الدرامية والسيناريو، بالإضافة إلى دينا نجم وسمر عبد الناصر كمشاركتين في كتابة الحوار إلى جانب مجدي أمين وهشام عبية، ويعد «زي الشمس» المسلسل الوحيد في هذا الموسم الذي ضم عناصر نسائية في عملية التأليف.
كما شغلت عناصر نسائية أخرى مجموعة من الأدوار خلف الكاميرا مثل: خليدة حساني الـCreative Director وياسمين العيسوي الــ Post Producer، وسالي الشامي مساعدة مهندس أولى، ولينا حلمي مهندسة مساعدة، وسمر أبو زيد سكريبت ملابس، وهدى السراج مديرة المشروع، وسارة إبراهيم مديرة الموقع، بالإضافة إلى نهال بدراوي وياسمين هشام في مهمة مساعدة المونتير.
انتهاك حق كاملة أبو ذكري الأدبي
فوجئت المخرجة كاملة أبو ذكري التي نفذت بالفعل العشر حلقات الأولى من مسلسل «زي الشمس» بحذف اسمها على التترات ووضع اسم المخرج سامح عبد العزيز وحده على جميع الحلقات.
الاعتراف بجهد وحق أبو ذكري ضرورة، لأنها من أعد للعمل ووضع لبنته الأولى مع السيناريست مريم نعوم، فضلًا عن اختيارها لفريق العمل وتحديد أماكن التصوير، إلا أن المشاركين في صناعة العمل لم ينظروا إلى كل هذا وفي ظل غياب ضوابط لحماية الحقوق الأدبية، لم يجري الإشارة إلى أبو ذكري كمخرجة لثلث حلقات المسلسل، وحينما عبّرت عن غضبها إزاء ذلك في منشور من خلال صفحتها على موقع فيسبوك، رد المخرج سامح عبد العزيز الذي استكمل العمل من بعدها، بمنشور آخر استهدفها بشكل شخصي مشيرًا إلى ممارسات حياتية تخصها وحدها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الهجوم على النساء من خلال نشر تفاصيل الحياة الشخصية، خاصة للعاملات في المجالات المُسلّط عليها الأضواء، هو أمر معتاد ويستغله كثيرون كأداة لإرهابهن وتقويض تفاعلهن في الساحات المفتوحة ودفاعهن عن حقوقهن.
ليست مجرد حكاية بحث عن قاتل
يتصدر المسلسل ثلاث شخصيات نسائية رئيسة، وهي: نور وتؤدي دورها دينا الشربيني، وشقيقتها فريدة وتؤدي دورها ريهام عبد الغفور، ووالدتهما نيرة وتؤدي دورها سوسن بدر. أما المحرك الرئيس للأحداث هو جريمة قتل فريدة ومساعي شقيقتها لمعرفة القاتل.
تعود نور التي تعمل بالمحاماة في العاصمة البريطانية لندن إلى القاهرة، استجابةً لطلب أمها بعد أن اختفت شقيقتها فريدة وتعذر الوصول إليها، ليتضح لاحقًا أن الأخيرة قد قُتِلت، فتوكل نور إلى نفسها مهمة الوصول إلى القاتل، وخلال رحلة البحث عن القاتل تنكشف كثير من التفاصيل عن حياة الشخصيات الرئيسة، لا سيما نور وفريدة وأزمة تصدع العلاقة بينهما.
تستعيد شتى الشخصيات في هذا المسلسل ذكريات من الماضي مرتبطة بشخصية فريدة، ليتبين يومًا بعد الآخر جانبًا جديدًا في حياتها، حتى تكتمل الخيوط وتؤدي إلى تحديد القاتل. تتبين طبيعة حياة فريدة وأمها، وعلاقاتها بمن حولها وتحديدًا الرجال، وينجلي الاختلاف بينهما وبين نور، فيتضح أن تناول شخصيات النساء الثلاث جاء ذكوريًا، على الرغم من أن المسلسل بدا خلال حلقاته الأولى منتقدًا لنظرة المجتمع ورؤيته لنساء خرجن عن أطره التقليدية.
حكاية بمنظور ذكوري: رجل أوقع شقيقتين في شباكه.. وأم أضاعت ابنتيها بالأنانية
يبدأ المسلسل مصوّرًا للمشاهدين أن الضحية بين الشخصيات الرئيسة هي نور، الفتاة التي خانتها شقيقتها مع خطيبها وتزوجته ثم أنجبت منه، كما تظهر الأم كامرأة اختارت أن تعيش حياتها كما يروق لها ودون أن تكترث للمجتمع، إلا أن ذلك أدى إلى إهمالها لابنتيها خاصة نور. تتزوج نيرة مرة بعد الأخرى، وتشجعها فريدة انطلاقًا من مبدأ «فلنعش سعداء»، بينما ترفض نور الأمر بسبب ألم نفسي باقٍ داخلها، نتيجة تعرضها للتحرش الجنسي أثناء طفولتها على يد أحد أزواج الأم. المسلسل يضع نور في قالب الضحية التي اشتركت الشخصيات الرئيسة في إيذائها نفسيًا، الأم ثم الشقيقة والحبيب، ومع ذلك فإنها مُخلّص كل هؤلاء، إذ تتكئ عليها الأم بعد مقتل فريدة بشكل كلي، وتساند عمر لرفع تهمة القتل عنه، وتبحث عن قاتل فريدة حتى تنجح في استعادة حقها.
تظهر شخصية نور كامرأة هشة نفسيًا، إذ تبدو في الماضي فتاة فاقدة للثقة بالنفس، وبعد ابتعادها عن أمها وشقيقتها عقب زواج فريدة من عمر خطيبها، بهدف شرعنة علاقتهما التي نتجت عن طفل في أحشائها، تظل أسيرة حياة خاوية ترتد بها إلى الماضي من حين لآخر، وتتمنى لو كان الخائن يفكر فيها مثلما تفكر فيه طويلًا. ومع ذلك فإن هذه الشخصية هي الرابح في نهاية هذا المسلسل إذ تنجح في التخلص من عمر قبل أن يكرر خديعته، وتنجح في التعرف إلى قاتل فريدة، وتبدأ حياة جديدة بين أسرتها وأحبائها، بينما الخاسر هو المرأة المتمردة على الحياة النمطية والرافضة للخضوع لتحكم المجتمع في سلوكها وحياتها، وهو النموذج الذي تمثله فريدة. وكما هو حال أغلب منتجات الدراما فإن الصناع عادةً ما يربطون بين تحرر المرأة والنهايات التعيسة، ولذلك فقد لازمت الخسارة فريدة حتى النهاية؛ خسارة الأخت، ثم خسارة الحياة الأسرية، وخسارة الاستقرار العاطفي، وخسارة الحب، وخسارة السمعة وخسارة العمل، والاقتراب من خسارة الأبناء، وصولًا إلى خسارة الحياة.
رغم إظهاره في صورة الشخص الأناني، فإن عمر هو محور حياة نور ثم فريدة ومع بعدهما سلمى التي خطبها بعد طلاقه من فريدة، وهو الرجل الذي يدخل حياة نور الانطوائية فيغيرها ويسيطر عليها. وفي الوقت نفسه، يجذب إليه فريدة، ومثلما أقنع نور بالزواج سريعًا، يتمكن من الإيقاع بفريدة عاطفيًا وجنسيًا، وتظهر الشقيقتان ضعيفتين أمامه، سواء نور العاطفية الحالمة أو فريدة المتحررة المنطلقة، ورغم انقطاع علاقة الأختين ببعضهما البعض بسببه، يستمر وجوده في حياة الأخيرة حتى مقتلها ويعود للظهور في حياة الأولى بنفس القوة والتأثير وكأن شيئًا لم يكن.
حالة الخضوع والرضوخ للرجل لم تبرز فقط في علاقتي عمر مع نور وفريدة، ولكن أيضًا في علاقة رباب (تؤدي دورها بثينة الحجار) وسيف (يؤدي دوره أحمد مالك)، فهي تعلم بحبه لفريدة وتلاحقه رغم إهاناته المستمرة لها وإصراره على إنهاء العلاقة، ثم تذعن لمحاولاته لجعلها نسخة من فريدة حتى يقبل بوجودها في حياته، ويبرز الخضوع أيضًا في علاقة شهيرة (تؤدي دورها سامية أسعد) وجمال (يؤدي دوره جمال سليمان)، وهي العلاقة التي أنهت حياة فريدة، حيث ارتكبت شهيرة جريمة القتل بدافع الغيرة بعد أن تيقنت من وجود علاقة بينها وبين زوجها، وأن طفلها يوسف هو ابنها من جمال. ذهبت شهيرة إلى فريدة تطالبها بالابتعاد عن زوجها ثم قتلتها، بهدف الحفاظ على رجل ألف خيانتها واعتاد تعنيفها حتى أفقدها في إحدى المرات الرحم والجنين معًا. غالبية الرجال في «زي الشمس» قادوا النساء إلى الصدمة وضياع العمر أو الموت أو الجريمة.
خلاف على الحضانة.. تمييز في التربية
ركز المسلسل على أزمة الخلافات على حضانة الأطفال بعد الطلاق، ومساعي الطليق لانتزاع حق الحضانة باستغلال حياة طليقته الشخصية كذريعة لتحقيق مراده. وفي «زي الشمس»، يترصد عمر فريدة في خطواتها ليستغل أي علاقة لها مع رجل آخر لتكون سبيله لحرمانها من حضانة أبنائهما، بينما يعيش هو بحرية، ويرتبط عاطفيًا بسلمى ويخطبها دون أن يمثل ذلك أي عائق أمامه.
إزدواجية شخصية عمر تكشفها علاقته بفريدة ومن بعدها ابنته كارما، فقد بدأت علاقته بفريدة بانجذاب شديد وانبهار بانطلاقها وتحررها، ثم تبدلت بعد الزواج إلى محاولات لإطفاء هذا التوقد، وتحولت فيما بعد إلى انتقادات مستمرة لنفس الأسباب التي جذبته إليها قبل ذلك، وأخيرًا إهانتها واتهامها بالعهر.
عمر المقتنع بأن الرجل يعلو درجات عن المرأة ويجب عليها الرضوخ له، والمؤمن بأن للذكر وحده حق المواعدة والدخول في علاقات مع النساء دون أن يحاسبه أحد، يريد إعادة إنتاج أفكاره من خلال أبنائه، فيميز بين ابنه وابنته كريم وكارما، ويحرض الصبي على التجسس على أخته ومراقبتها لأنها «بنت»، فضلًا عن إهانته شخصيًا لابنته بسبب صديقها المقرب.