يستغل بعض نجوم الدراما المشاركين في موسم رمضان الحالي، غياب مراكز بحوث المشاهدة في مصر القائم منذ عدة سنوات، للترويج إلى أن أعمالهم هي الأكثر مشاهدة، ورغم صعوبة إثبات صحة ما يزعمه صنّاع الأعمال، فإن ثمة علامات يُمكنها أن ترشدنا إلى المسلسلات التي حصدت أعلى المتابعات وأحدثت تأثيرًا في الشارع المصري، مثل التي بزغت مع مسلسل «نسر الصعيد» في موسم رمضان للعام 2018، ومسلسل «الأسطورة» في موسم رمضان للعام 2016، الذين تصدّر بطولتهما الممثل محمد رمضان.

في الموسمين المشار إليهما، استحوذ مسلسلا محمد رمضان على النصيب الأكبر من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي سواء كان سلبيًا أم إيجابيًا، فضلًا عن الحضور الكثيف للمشاهدين أمام شاشات المقاهي بالتزامن مع مواعيد العرض الأول للحلقات، وكتابة بعض العبارات المقالة في المسلسل على لسان بطله على الجدران والتكاتك وسيارات الميكروباص. كل هذا أثبت بدرجة كبيرة أن المسلسلين حققا نسب مشاهدات مرتفعة وتأثيرًا واسعًا لا يمكن إنكاره. غياب كل ذلك أيضًا عن مسلسل «زلزال» الذي يقوم ببطولته محمد رمضان ويشارك في منافسات الموسم الحالي، يكشف حالة التراجع التي تصاحب البطل قبل مسلسله، وهو ما يُرجِعه كثيرون من نقاد ومشاهدين إلى أزمة التكرار والالتزام بالنسق نفسه. وفي ضوء هذه النمطية، بدت أغلب الشخصيات لا سيما النسائية في مسلسل «زلزال» استنساخًا لأخرى ظهرت في مسلسلي «الأسطورة» و«نسر الصعيد».

«الخضوع والانقياد».. تأشيرة الشخصيات النسائية للدخول إلى عالم محمد رمضان

كل الأشياء تتشابه، بما فيها تسمية المسلسل بلقب البطل الرئيس، فننتقل من «الأسطورة» إلى «نسر الصعيد» ثم إلى «زلزال». وكأنما هو استحضار للماضي، تُعاد في «زلزال» أحداث وشخصيات وقعت وظهرت في المسلسلين السابقين، ومنها فقد العزيز الذي تتغير مسارات البطل بموته، والفقر الذي يُعرّضه للظلم والقهر ويحرمه من الحبيبة، والشر الذي ينحصر في شخص بعينه ممثلًا قوى الشر السوداء التي لا تتسق والنفس البشرية التي تجمع بين الشر والخير معًا، بالإضافة إلى رحلة صعود تظهر فيها النساء معلقات بحب البطل. علاوة على ذلك، فإن جل الشخصيات النسائية في مسلسل «زلزال» وسابقيه عالقات في علاقات اعتمادية، فيها الرجل هو القائد والمحرك والمسيطر.

البداية مع شخصية والدة البطل التي تدعى فهيمة، وتؤدي دورها نسيرين أمين، ولأن كل صانع عمل ينظر إلى الشخصية من زاويته، فقد اختار صنّاع «زلزال» أن تكون صورة المرأة التي تتحمل مسؤولية أبنائها وحيدة في ظل غياب الأب المسافر للعمل في إحدى الدول الخليجية، مجرد مربية ينقصها الحكمة التي يتمتع بها زوجها القادر على معالجة مشاكل ابنه بلا شطط، وكالغارقة في التيه تهتدي بعد عودته إلى المنزل. بناء شخصية الأم على هذا النحو يعضد قيم الهرمية الأبوية داخل الأسرة التي تسعى جميع مسلسلات محمد رمضان إلى تكريسها وترسيخها في أذهان مشاهديها.

مرحلة أكثر سوءًا فيما يتعلق بتبعية المرأة إلى الرجل، تتجسد في شخصية لمياء التي تؤدي دورها منى عبد الغني، وهي امرأة لا تتكئ فقط على زوجها الذي تربطها به علاقة باردة، وإنما تُبشّر بالاتكالية والاعتمادية بين بناتها، فتطالب أمل ابنتها، وتؤدي دورها هنادي مهنى، بالتسامح مع زوجها بعد أن اعتدى عليها بالضرب وتبرر فعله بــ«ياما بيحصل في البيوت»، ولا تكتفي بذلك بل تذهب إلى زوجها بنفسها لترجوه أن يصالح ابنتها تجنبًا لـــ«خراب البيت».

تُقدَّم شخصية لمياء بوصفها امرأة حمولة وصبورة، وإحدى ضحايا زوجها خليل الذي يظلم كل من حوله، وهي أيضًا زاوية تعزز الصورة النمطية عن المرأة المستكينة التي لا تسعى بأي شكل إلى تغيير واقعها والأنكى أنها تدفع ببناتها إلى المصير نفسه، موقنةً أن الخنوع والوهن هما السبيل لاستقرار الأسرة وحمايتها من التشتت.

أما أمل التي يحبها البطل الملقب بـ«زلزال» – استنادًا إلى نجاته من زلزال 1992 الذي قضي بسببه جميع أفراد أسرته- هي ابنة الرجل الغني الذي يعادي البطل والتي لا تمتلك قرارًا في حياتها. تفتقر شخصية أمل إلى الدينامية، إذ تظل رغم مرور السنوات مفعولًا بها وتفاعلاتها مع المحيط ردود أفعال؛ تقع في حب البطل دون مقدمات منطقية لأن ذلك «واجب الحدوث»، وتتعرض للاعتداء والضرب المبرح على يد والدها خليل بيه، الذي يتعامل مع بناته باعتبارهن ممتلكات خاصة يستغلها في صفقاته، وحتى عندما يغضب من أجلهن يكون السبب هو المساس بمكانته أو كرامته ليس إلا، وتتلقى صفعة من زوجها بدافع الشك في سلوكها، فلا تجد دعمًا من أم ولا سندًا من شقيقة، وتمضي حلقات المسلسل والشخصية تظهر بملامحها الخارجية فحسب، وجه يكتسيه الحزن طوال الوقت وعيون منكسرة بسبب قلة الحيلة، ومكوث في المكان نفسه. ويمكن اختصار الشخصية في جملة «إنها الحبيبة الأولى للبطل الذي يقوده حبه لها إلى الضياع، وهو الخط الدرامي الذي سبق أن ظهر في مسلسل «الأسطورة»، ونشأ نتيجة حب البطل لفتاة تدعى تمارا، أدت دورها ياسمين صبري.»

الشخصية النسائية الرئيسة في العمل هي صافيا، التي تؤدي دورها حلا شيحة، وهي شخصية خاوية، مُخلّصة من كل الصراعات الداخلية وأزمتها الوحيدة هي إقناع البطل بحبها. «نصيبي» هي أكثر كلمة ترددها قاصدةً «زلزال» أو محمدحربي، الذي رأته في أحد أحلامها التي أراد صنّاع العمل تصويرها بالرؤية في المنام، في إطار معالجة شديدة البدائية للشخصية، تبرزها كفتاة بسيطة، عفوية، على سجيتها لا تحمل ضغائن تجاه أحد، وبالتالي فإن كل أحلامها محققة.

منطق «الولايا» حاضر بقوة في التعامل مع شخصيتي صافيا وأمها، وقد تكررت الكلمة على لسان عدد من الشخصيات الذكورية في المسلسل، ويعزز ذلك الاتكالية على الأب ثم على البطل، الذي يتولى مسؤوليتهما ويحميهما من شرور الرجال الطامعين إما في صافيا وإما في عربة الفول التي يتكسبان منها قوت يومهما.

أقوال وأفعال كثيرة تثبت خضوع صافيا للاستلاب العقائدي، فهي تؤمن بأن النساء أدنى من الرجال، وأنهن عاطفيات. أما الحكمة والرزانة يحتكرها الذكور، وتردد كلمات تثبت قناعتها في التفوق الذكوري مثل وصفها للرجل الذي رفضت الزواج منه بــ«اتقمص كيف النسوان».

مسلسل من صناعة الرجال

احتكر الرجال الغالبية العظمى من الأدوار خلف الكاميرا، وغابت النساء عن الأدوار الرئيسة كالتأليف الذي قام به عبد الرحيم كمال، والإخراج الذي تولى مهمته المخرج إبراهيم فخر الذي سبق أن تعاون مع الممثل محمد رمضان في مسلسل «ابن حلال» في العام 2014، والإنتاج لشركة «سينرجي» المملوكة للمنتج تامر مرسي، والمونتاج لمحمد عبد المنعم، وإدارة التصوير لأحمد عبد القادر.

أما الأسماء النسائية فقد انحصرت في عدد محدود من الأدوار، مثل: علا أشرف مساعدة أولى لمصمم الأزياء، ورحاب عبد الغني مساعدة مهندس الديكور، وسلمى المصري مساعدة مخرج أولى، وهبة السادات للعلاقات العامة.

تعزيز مقبولية تعدد الزوجات و«المُعدد»

هذه ليست المرة الأولى التي يحتفي فيها مسلسل من بطولة محمد رمضان بتعدد الزوجات، فقد ظهر ذلك في «الأسطورة»، وتكرر في «نسر الصعيد»، وها هو في «زلزال». لكن الاختلاف هو أن المُعدد هذه المرة ليس البطل الرئيس وإنما إحدى شخصيات العمل، وهو زهدي مدرس اللغة العربية، ويؤدي دوره أحمد صيام، المتزوج من امرأتين ويعيش معهما في البيت ذاته.

يقدم المسلسل زهدي في صورة الرجل الخيّر، الخلوق، المربي الفاضل، الحصيف، بما يرفع الوصم عن فعل التعدد ويحسن صورة فاعله. ورغم أن التعدد يسيء للرجل فقد تعمّد المسلسل مثل معظم المسلسلات التي تعرّضت للأمر نفسه، أن يهين النساء وحدهن ويضعهن في قالب النسوة المسطحات، إذ يغلب على المشاهد التي ظهرت فيها الزوجتان التلاسن، والمشادات الكلامية التي تسعى خلالها كل منهما أن تثبت أنها الأفضل في نظر الزوج، أو تنصتان إليه كما لو كانتا طالبتين بين صفوف طلابه.

الحوارات النسائية تدور حول «الذكــر»

بتتبع الحلقات، ورصد عينة من المشاهد التي اجتمعت فيها الشخصيات النسائية، يتضح أن غالبية الحوارات النسائية تدور حول الرجال؛ تتحدث أمل مع أمها عن «زلزال»، وبعد زواجها تشكو إليها من زوجها، وتتحدث صافية عن «زلزال» مع أمها، وإن لم يكن هو موضوع الحديث يكون الأب محوره وقد يحل محله الرجل الذي يلاحقها. كما تتحدث ريهام شقيقة أمل مع أمها عن زوجها أو عن أبيها، وإن تحدثت عن أمل، فإنها تركز على علاقتها إما بـ«زلزال» وإما بزوجها، وتدور الحوارات بين شقيقتي خليل عنه وعن ظلمه لهما.

الجلّي أن النساء في المسلسلات التي تصدر بطولتها محمد رمضان واَخرها «زلزال»، لا يخرجن عن نمط المرأة التابعة التي تكتسب ميزة أخلاقية بتبعيتها للرجل، أو تفقدها بسبب تمردها عليه، أو نتيجة العجرفة وسوء الخلق، أو اللهث وراء المال.