«حدوتة مُرة»: غادة عبد الرازق تتشبث بنموذج المرأة التي أخضعت الرجال بالجمال والدهاء.. وشخصيات نمطية بالجملة
كتبت: شهد مصطفى
في حوار أجراه معها موقع «الفن» اللبناني، ونشره بتاريخ 20 مايو الجاري، قالت الممثلة غادة عبد الرازق عن دورها في مسلسل «حدوتة مُرة» الذي تُشارك به في موسم دراما رمضان للعام 2019، إنه «دور جديد عليها وتظهر به للمرة الأولى».
جاءت هذه الجملة ضمن إجابتها عن سؤال بخصوص شخصية الفلاحة التي تقدمها من خلال المسلسل، ثم أجابت بجملة مشابهة عند سؤالها عن تقديمها لشخصية امرأة شريرة.
لكن في حقيقة الأمر، فإن شواهد عديدة تؤكد أن القالب الذي دخلته غادة عبد الرازق منذ سنوات لم تخرج منه حتى الآن، وكثيرة هي الصور النمطية التي تعززها الشخصيات التي تجسدها، رغم أنها استطاعت خلال تسعة مواسم متتالية أن تكون واحدة من قليلات يقدمن للدراما العربية مسلسلات تتصدرها شخصية نسائية، وتحقق نجاحًا جماهيريًا لافتًا، خاصة في موسم رمضان للعام 2012 عندما قدمت مسلسل «مع سبق الإصرار» وموسم رمضان للعام 2013 مع مسلسل «حكاية حياة».
خلف الكاميرا: باستثناء الإخراج.. النساء غائبات عن الأدوار الرئيسة
منذ أن قدمت بطولتها المطلقة الأولى في موسم رمضان للعام 2010 من خلال مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة»، لم تغب عبد الرازق عن الدراما التلفزيونية الرمضانية حتى الموسم الحالي الذي تشارك فيه بمسلسل «حدوتة مُرة» من إخراج ياسمين أحمد، وهي مخرجة من اثنتين تشاركان في هذا الموسم، إذ تقدم شيرين عادل مسلسلي «هوجان» و«شقة فيصل»، دون إغفال لمشاركة غير مكتملة للمخرجة كاملة أبو ذكري التي انسحبت من مسلسل «زي الشمس» قبل الانتهاء من تصويره، ليستكمل العمل المخرج سامح عبد العزيز.
وهذه هي التجربة الإخراجية الأولى لياسمين أحمد التي شاركت كمساعدة مخرج في عدد من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي عُرِضت خلال مواسم رمضانية سابقة، ومنها «طريقي» من بطولة شيرين عبد الوهاب و«الحرباية» من بطولة هيفاء وهبي.
في «حدوتة مُرة»، لم تحضر المرأة في أدوار رئيسة سوى الإخراج، أما التأليف والمونتاج والإنتاج وإدارة التصوير فكلها لرجال، بينما شاركت النساء مشاركة محدودة في أدوار مثل: تصميم الأزياء الذي قامت به مي الزرقاني، وسكريبت الملابس لمنار محمد النجار، والتجميل أو المكياج لزينب حسن. كما تشارك يمنى الدالي في العمل مساعدةً في عملية المونتاج، وسوزيت أحمد مساعدةً في التصوير، بالإضافة إلى اسم ياسمين الأيمن الـCo-Producer واسم سلمى صيام مديرة التسويق.
الشخصيات الرئيسة أسيرة النمطية
مُرة هو اسم الشخصية الرئيسة التي تجسدها غادة عبد الرازق، واختيار الاسم له دلالته، فدخول صاحبته في حياة أي فرد يفسدها ويشيع المرارة فيها. إنها امرأة تتسم بالشر المفرط، وتكره كل من حولها دون استثناء. نموذج مُرة هو تجسيد لأكلشيه الشخصية الشريرة، حتى إن لم تكن الشخصية التقليدية التي اعتاد صنّاع الدراما على خلقها لتختصم البطل، بهدف تصعيد الصراع بين الخير والشر.
رغم أنها البطلة الرئيسة، فإنها خصم لعدد كبير من الشخصيات الخيّرة النمطية أيضًا، التي إما تردد شعارات طنانة وإما تتصف بالسذاجة وإما تعيش في ظروف الفقر فتضطر إلى الإذعان إليها.
قد يكون تقديم الشخصية الشريرة هو الجديد ظاهريًا، إذ أن الشخصية تُعلن عن حقدها وكراهيتها وسخطها بوضوح، إلا أن الثابت في العدد الأكبر من الشخصيات التي قدمتها عبد الرازق في المسلسلات التي تصدّرت بطولتها، هو الانطلاق من تعرضها للظلم والإساءة والملاحقة من قبل الرجال الطامعين فيها لجمالها، ثم تتصاعد الأحداث وتُمكّنها من الانتقام من الرجال، مستغلةً حالة الهيام التي تصيب أغلب الذين يلتقون بها.
مُرة تبدأ قصتها طفلة ولدت لامرأة تدعى سنية في الريف، هجرها زوجها تاركًا إياها في فقر مدقع، ثم يتبين أن هذه الأم الفظة الغليظة تعمل بالدجل والشعوذة، ويلقبها أهل القرية بــ«العايبة»، لأنها تعمل بالجنس من أجل الإنفاق على نفسها وابنتها.
جعل المؤلف عمر عبد الرحيم المبرر الدرامي لفيض الشر الذي ستكبر به مُرة ويكبر معها، هو إظهار الأم بصورة شديدة القبح دون إبراز لأي دوافع لما صارت عليه من عدوانية، فبدت شخصية أحادية، تصرخ طول الوقت وتتعامل بقسوة وعنف في كل المواقف حتى مع ابنتها.
ومن نمطية في معالجة شخصية الأم إلى نمطية بُنيت عليها شخصية الابنة التي ورثت منها السخط والحنق والحقد، فلا تُظهر أي تعاطف صادق مع أي شخص، سواء كانت سيدة عجوز تجالس أبناءها الصغار، أو زوجين قدّما لها يد العون في محنة، أو زوج يمر بضائقة مالية، أو أبنائها أنفسهم عندما كانوا صغارًا وباعتهم بتجبر وصلف، وحينما أصبحوا في مرحلة الشباب إذ تبذل قصارى جهدها حتى تُضيّق عليهم وتعرقل خطواتهم.
هناك خط درامي شبه ثابت في الأعمال التي قدمتها غادة عبد الرازق، منذ أن أضحت بطلة أولى في عالم الدراما التلفزيونية، وإن كان قد غاب في عملين وهما مسلسل «الكابوس» ومسلسل «ضد مجهول»؛ إذ يوجد في ماضي الشخصية اَلم غائر وعقدة تسبب فيها رجل، عادةً ما يكون حبيبًا أو زوجًا، واستغلال ما من جانب أحد أفراد الأسرة والعائلة، فضلًا عن تنمر المحيطين، وملاحقة الرجال الذين يجتمعون على حلم واحد وهو امتلاكها، لما تتمتع به من جمال ودهاء يوقع كل هؤلاء في شباكها.
ملاحقة الرجال التي تتصدى لها الشخصية بصلابة وصرامة في البداية، سرعان ما تستخدمها البطلة لاحقًا، للإيقاع بهم والانتقام منهم. وفي رحلة مُرة الممتدة على مراحل، تبدأ بالطفولة حيث تعاني مع أم حرمتها من التعليم وأرغمتها على العمل مبكرًا، واعتادت تعنيفها نفسيًا وجسديًا، حتى ظهر من ظنته منقذًا ليصبح تباعًا هو سبب عقدتها، وهو شاب من أغنياء القرية يدعى محمد الحلوجي -يؤدي دوره محمد سليمان – يستغل حبها له وثقتها فيه ليقنعها بممارسة الجنس معه، ثم يتخلى عن أي التزام تجاهها بمجرد أن تخبره بحملها منه، فتزداد مُرة سخطًا على الحياة، وتضطر إلى الموافقة على عرض الزواج الذي قدمه شحاتة السكير – يقوم بدوره محمد شاهين – في مقابل قبوله بنسب الطفل إليه، وعندما تبدأ مرحلة جديدة في حياتها بعد بيع أبنائها وقتل زوجها، يظهر شاب يدعى سلطان- يؤدي دوره أحمد صفوت – يحبها ويعرض عليها الزواج رغم تعاملها المتعجرف معه، فتقرر استغلاله من أجل تحقيق أحلامها في بناء حياة جديدة هي فيها صاحبة مطعم على أرضه المتنازع على ملكيتها، وفي الطريق يظهر سامح ابن عم سلطان – يؤدي دوره فادي خفاجى- الذي يطلب الزواج منها هو الآخر، بعد وفاة سلطان إثر تهدم المطعم في زلزال أكتوبر 1992.
وفي المرحلة الثالثة للشخصية التي تدور أحداثها في العام 2009، هناك رجلان مولعان بحب مُرة التي غيرت اسمها إلى مروة بالتزوير؛ الأول هو زوجها رجل الأعمال طارق التميمي، ويؤدي دوره مجدي كامل، الذي يبدو تحت سيطرتها بشكل شبه تام، والثاني هو الطبيب النفسي الدكتور رياض عز ويؤدي دوره مفيد عاشور، بينما لا تُبادل هي أي منهما المشاعر ذاتها، بل تخادعهما وتتلاعب بهما.
شخصيات نسائية لا تغيب عن الدراما المصرية
هناك عدد من الشخصيات النسائية المكررة في شتى المسلسلات المصرية، ومن النادر أن يفتقدها مسلسل، ومنها شخصية الزوجة التي تتعايش مع خيانة زوجها، تكون على دراية بأفعاله وتواجهه بها ومع ذلك لا تسعى إلى الطلاق حفاظًا على مكاسب مادية من وراء هذا الزواج أو تنازلًا من أجل الأبناء أو خوفًا من المجتمع، مثل زوجة محمد الحلوجي، وزوجة نبيل المحامي الخاص لطارق التميمي، فضلًا عن شخصية الفتاة المتحررة التي تنجذب إلى الشاب المحافظ، ويتجسد هذا النموذج في الأختين رنا ودينا ابنتا طارق التميمي، والزوجة الصالحة «الأصيلة» التي تكرس حياتها لزوجها وابنها أو ابنتها وتتحمل كل الظروف الصعبة وتقلبات الزمن من أجلهم، وهي امرأة مضحية لا تمتلك تطلعات أو طموحات لنفسها، وهذا هو حال شخصية حنان. أما نموذج السيدة الأرستقراطية، المتكبرة، المتصابية، التي تقيم الحفلات الساهرة في بيتها مستضيفةً المسؤولين ورجال الأعمال لعقد الصفقات والاتفاقات، ثم ينكشف أنها كانت من أبناء الطبقة الكادحة وارتقت إلى الطبقة العليا بطريقة مريبة، يقدمه المسلسل من خلال شخصية درية الهانم التي تؤدي دورها الممثلة والراقصة عايدة رياض.
لا يمكن لأحد أن ينكر وجود هذه الشخصيات في الواقع، لكن الإشكالية تتمثل في تمسك صنّاع الدراما بتقديمها استنادًا إلى نمط مكرر لا ينظر للشخصية إلا من زاوية واحدة، بما يزيد من رسوخ صور نمطية تؤكد اعتمادية النساء أو تُرجِع صعودهن إلى الانتهازية وسوء الخلق، على عكس الرجل الذي تعتمد النساء عليه بغض النظر عن سلوكه وخلقه، وكثيرًا ما يكون صعوده بسبب التزامه بالمبادئ ورفضه المساومة عليها.