مينا مانجال.. قصة كتب نهايتها التطبيع مع العنف الأسري في أفغانستان
الساعة الـ7:30 صباح السبت الموافق 11 مايو الجاري، تسير الناشطة مينا مانجال البالغة من العمر 26 عامًا، في طريقها بالعاصمة الأفغانية كابول، متجهة إلى مقر عملها، فتُفاجئها دراجة بخارية يستقلها مجهولان تقترب منها، ويطلق أحدهما النار عليها فيرديها قتيلة.
مانجال كانت تشغل قبل مقتلها منصب مستشارة لجنة الشؤون الدينية والثقافية في البرلمان الأفغاني، وسبق أن عملت بالمجال الصحافي قبل انتقالها إلى العمل السياسي قبل ثلاث سنوات، وقد انضمت إلى عدد من المؤسسات الإعلامية الكبرى في أفغانستان، ومنها قناة Tolo Tv وهي أكبر محطة خاصة في البلاد، وقناة Shamshad TV ومحطة Ariana News، بالإضافة إلى Lemar TV. علاوة على ذلك، فإن مانجال تعد واحدة من أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في أفغانستان، وطالما دافعت عن حق الأفغانيات في التعليم والعمل، خاصة أن 87 في المئة منهن أميات، وفق إحصاءات رسمية أعلِنَ عنها في العام 2014.
تأتي جريمة القتل بعد أن نشرت مانجال عبر حسابها على موقع فيسبوك، منشورًا في الثالث من مايو الجاري، تكشف فيه عن تلقيها رسائل تهديد بالقتل دون أن تشير إلى مصدرها، مشددةً على أنها لا تخاف الموت.
وتتهم أسرة مانجال زوجها السابق وأسرته بالوقوف وراء عملية القتل، استنادًا إلى سنوات من العنف النفسي والجسدي قضتها الفتاة معه، بدأت مع خطوبتهما واستمرت لنحو 12 عامًا، حتى قضت المحكمة لها بالطلاق قبل تسعة أشهر.
تعيد هذه الحادثة إلى الواجهة، الجدل بشأن هشاشة الدولة في التصدي إلى العنف الأسري الذي ينتشر على نطاق واسع في أفغانستان. وحسب إحصاءات أممية فإن 51 في المئة من النساء الأفغانيات تعرضن للعنف البدني أو الجنسي على يد الشركاء الحميمين.
وفي تصريحات إلى صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية، قال والد مانجال إن زوجها وأسرته تعدوا عليها بالضرب أكثر من مرة، والأنكى أنهم قاموا بتخديرها في إحدى المرات واختطفوها إلى إقليم باكتيا حيث تقيم أسرة الزوج، وأخضعوها للتعذيب ولم تتمكن أسرتها من تخليصها من بين أيديهم إلا بمساعدة بعض شيوخ القبائل وتدخل بعض المسؤولين الحكوميين.
الفرار من العنف الأسري أو من الزواج القسري جريمة في أفغانستان، وقد يؤدي بمن تُقدِم عليه إلى السجن بدعوى ارتكاب «جريمة أخلاقية»، وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد أصدرت في العام 2012 تقريرًا بعنوان «اضطررت إلى الهروب: نساء وفتيات مسجونات في جرائم أخلاقية في أفغانستان»، وفيه وثقت المنظمة الدولية إيداع عدد كبير من النساء والفتيات في السجن على خلفية هروبهن من العنف الأسري، فضلًا عن احتجاز فتيات في مراكز الأحداث بتهمة ارتكاب جرائم غير أخلاقية، والتي عادةً ما تشير إلى هروبهن من المنازل نتيجة تعرضهن للعنف الأسري.
عندما قررت مانجال الخروج من دائرة العنف، متحديةً تقاليد المجتمع الأفغاني التي تجعل من مطالبة المرأة بالطلاق أمرًا مشينًا لها، اتخذت في الوقت ذاته قرار الخروج عن الصمت، وبدأت تشارك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معاناتها على الصعيدين القانوني والاجتماعي، من أجل الحصول على الطلاق. كما أفصحت عن ما عايشته من اَلام نفسية بسبب تزويجها قسريًا ثم بسبب العنف الزوجي الذي عانت منه لسنوات.
استمرار مانجال في عملها الصحافي، كان حربًا في حد ذاته، إذ لم تكن أسرة الزوج متقبلّة لذلك، وحسب تصريحات أدلت بها شقيقتها إلى شبكة دويتشه فيله الألمانية، فقد حاولت شقيقة زوجها مرارًا أن تمنعها من العمل، رغم تعهد الزوج قبل الزواج باحترام رغبتها في العمل دون تدخل.
انتهى حكم حركة طالبان المسلحة المتطرفة نظريًا في أفغانستان في العام 2001، وعادت النساء نسبيًا إلى الخروج إلى الشوارع، والذهاب إلى المدارس والجامعات. لكن سيطرة طالبان على جزء كبير من الأراضي الأفغانية لم تنته، وأفكارها المتطرفة ما زالت تضرب بجذورها في أعماق المجتمع، وفي ظل سيادة التطرف، تدفع النساء الثمن باهظًا من حقوقهن، وحريتهن، وحياتهن برمتها.
النائبة في البرلمان الأفغاني شجوفة نورزاي اعتبرت أن مقتل مانجال يأتي في إطار استهداف النساء في شوارع كابول، وفي تغريدة عبر حسابها على تويتر كتبت «#فرخندا حُرِقَت حتى الموت، و#الطفلة_مهسا اختُطِفت واغتُصِبت ثم قُتِلَت، و#بيبي_عائشة قُطِعَت أنفها، والنساء تُرجَم، واليوم #مينا_مانجال أطلِقَ عليها الرصاص تسع مرات. كل هذه الجرائم حدثت غالبًا في النهار، وفي المنطقة الخضراء في العاصمة كابول. #أوقفوا_قتل_النساء»
أفاد تقرير للجنة حقوق الإنسان المستقلة في أفغانستان، بزيادة حوادث العنف الأسري خلال العام 2018 بطريقة غير مسبوقة، ووثقت اللجنة ما يزيد عن أربعة آلاف قضية عنف أسري، وقع معظمها في العاصمة كابول.
في ظل الوضع القائم في أفغانستان لا تتوفر أي ضمانات لمنع تكرار هذه الجرائم، خاصة أن مرتكبي العنف الأسري في هذا البلد يستمدون قوتهم من تفوق التقاليد على القوانين، حيث يقود العنف إلى الموت في كل الأحوال سواء عبر القتل أو الانتحار إذ تكشف الأرقام الرسمية للعام 2014 أن 80 في المئة ممن يُقدِمون على الانتحار هم من النساء، وتُرجع بعض التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية السبب إلى كابوس العنف المنزلي الذي يصعب على النسوة إنهاؤه، وحتى من تستمر حياتهن تحت وطأته، فهن أقرب إلى الموت من الحياة، لأن العنف ضد المرأة في أفغانستان يترك اَثاره على الجسد وفي داخل النفس دون أي أمل في النجاة أو التعافي.