مسلسل «حكايتي» هو أحد المسلسلات الثمانية التي تتصدرها بطولتها ممثلات، في موسم رمضان للعام 2019، وهو أول بطولة مطلقة للممثلة ياسمين صبري.

الشخصية الرئيسة في المسلسل هي داليدا التي تؤدي دورها ياسمين صبري، وهي  فتاة تعاني من القمع والجور الذين تمارسهما عائلتها باسم التقاليد، وتتعرض لسلسلة من حوادث العنف الأسري، تبلغ حد محاولة القتل. ومع تصاعد الأحداث يتبين أن مساعي القتل حرّكها في البداية «الثأر»، ثم أصبح «الشرف» دافعًا موازيًا للخلاص من داليدا، التي فرّت من قريتها الريفية  إلى الإسكندرية، هروبًا من زواج قسري قررته عائلتها.

هل خرج مؤلف «الأسطورة» و«نسر الصعيد» عن الخط الدرامي الذي اعتاده؟

«حكايتي» من تأليف محمد عبد المعطي الذي ارتبط اسمه بالممثل محمد رمضان، بعد تأليفه للمسلسلين الذين قام ببطولتهما الأخير وحققا نجاحًا شعبيًا واسعًا وهما «الأسطورة» في موسم رمضان 2016 و«نسر الصعيد» في موسم رمضان 2018. لكن في هذا المسلسل، يقدم عبد المعطي قصة تدور حول امرأة على عكس تجربتيه مع رمضان، فضلًا عن أنه يقدم معالجة درامية تبدو -على السطح- منتقدةً للمجتمعات الأبوية الذكورية، التي تحرم النساء من أحلامهن، وتنتهك حريتهن، وتستبيح حيواتهن، وهي معالجة لم تظهر في مسلسليه مع رمضان، إذ بدا النص في كل منهما محتفيًا بالمجتمعات الأبوية، ومناصرًا لخضوع النساء للقيم الذكورية.

سبق أن قدم عبد المعطي مسلسلًا بطله الرئيس شخصية نسائية، وهو مسلسل «أرض جو» الذي قامت ببطولته الممثلة غادة عبد الرازق، وعُرِضَ في موسم رمضان للعام 2017. لكن شخصية داليدا في «حكايتي» تختلف عن سلمى في «أرض جو»، لا سيما أن الأخيرة امرأة مستقلة القرار، مسؤولة عن أسرتها ماديًا بدرجة كبيرة، وتعيش مع أب متحرر ومتفهم، بينما تعيش داليدا مع أب هوائي وأناني وأخ يعنفها لفظيًا وجسديًا مستندًا إلى امتيازاته الذكورية، في ضوء عائلة وبيئة ترغم النساء على الالتزام بالدور التقليدي، حيث البقاء في منزل الأب حتى يحين موعد الانتقال إلى منزل الزوج، الذي تظل فيه إلى الموت.

أما المشترك بين شخصيات عبد المعطي سواء في مسلسلي محمد رمضان أو الذين تصدّرتهما امرأة، هو أن جميعها يعاني الاضطهاد ويواجه ظلمًا مفرطًا في عالم يسوده الاستبداد ويشيع فيه الخذلان، لتبدأ رحلة صعود هذه الشخصيات، فيزداد تحلُّق العشّاق حول هؤلاء الأبطال. وفي الوقت نفسه، يتضاعف الخطر واحتمالات السقوط.

بيئة خصبة لقمعهن.. وصراعات الرجال يشعلها الرغبة في امتلاكهن

في المشهد الافتتاحي، تتعرض البطلة لحادثة سير على كوبري ستانلي في مدينة الإسكندرية، ثم تظهر في المشهد التالي تتهم عائلتها بمحاولة قتلها، لتبدأ في استعادة الماضي عن طريق السرد، منطلقةً من مجيء أمها صوفيا (المصرية- الفرنسية) إلى قرية الخان، لتعمل بتصميم الأزياء في مصنع ملابس يمتلكه والد داليدا وشقيقاه.

يتضح أن صوفيا (تؤدي دورها سارة التونسي) صاحبها العنف منذ أن جاءت إلى الخان، مُحمّلة بأحلام وطموحات عريضة في مجال تصميم الأزياء، حتى اصطدمت بواقع هذه القرية التي تقاد بقواعد ذكورية، حيث يتبارى الرجال في الفوز بالنساء من خلال الزواج، ومن ثم التضييق عليهن وإخضاعهن لسلطتهن وتحكمهن في مصائرهن.

وافقت صوفيا على الزواج من سليم (يؤدي دوره جمال عبد الناصر)، بعد أن عرض عليها الأشقاء الثلاثة الزواج، ومن هنا بدأت رحلة الانتقام منها باستخدام التقاليد الذكورية، لينتهي بها الأمر حبيسة في منزل سليم، بعد أن رفض الأخوان خروج زوجة أخيهما للعمل في المصنع.

وكأنما هي امتداد لصوفيا المغلوبة على أمرها، تولد داليدا وقد ورثت عن أمها البراءة والشغف بتصميم الأزياء وعالم الموضة، فتعيش معها خلف أسوار العزل وتحت سقف الإزدراء. ترتفع وتيرة العنف ضد داليدا، عندما تتوفى أمها نتيجة الإصابة بمرض السرطان وتجد نفسها وحيدة في مواجهة عنف الأب والأخ والأعمام، خاصة مع تصاعد الصراع بين الأشقاء الثلاثة إثر الخلاف الممتد على ملكية المصنع والرغبة في الاستحواذ عليه، وهو الصراع الذي تدفع ثمنه نساء العائلة، إذ تُقتَل ابنة كبير العائلة  وتدعى نور (تؤدي دورها دنيا المصري) على يد الأخ غير الشقيق لداليدا، ويقرر سليم تزويج ابنته داليدا من ابن عمها نادر، رغمًا عنها في إطار مقايضة بينه وبين شقيقه سعد، فضلًا عن وقوعها في دائرة الثأر التي خلقها والدها وأخاها.

ورغم تدافع اللطمات وتتابع الصفعات، فإن داليدا التي تريد تغيير واقعها تسعى إلى ذلك متكئة على رجل، إذ تلجأ إلى أدهم (يؤدي دوره أحمد حاتم) ابن عمها الذي تجمعها به علاقة حب، وعندما يخذلها ويقرر الانصياع لقرارات الأب والمنظومة برمتها والثأر لأخته بقتل حبيبته، تقرر الهروب من قريتها وتوديع هذه الحياة. وبمجرد وصولها إلى الإسكندرية، ثاني أكبر المدن المصرية، تتعرض إلى محاولة اختطاف ينقذها منها رجل يدعى علي (يؤدي دوره أحمد صلاح حسني) تظهر فيه مواصفات البطل الشعبي الذي يطارد المختطفين غير عابئ بما قد يلاقيه في سبيل إنقاذها، ثم يتتبعها ليحميها من سارق في الشارع، لنصبح أمام مقدمات تقود إلى صراع بين رجل دخل إلى حياتها وهو علي واَخر لا يريد أن يخرج منها وهو أدهم، ومحور الصراع هو داليدا.

خلف الكاميرا: حضور نسائي هزيل

لا يمكن القول أن هناك حضور نسائي لافت ومؤثر أمام الشاشة، فعلى الرغم من أن الشخصية الرئيسة امرأة، فإن جل الشخصيات المحورية من الرجال. كما يكشف تتر المسلسل عن مشاركة هزيلة للنساء في صناعته، وغياب تام عن الأدوار الرئيسة المتمثلة في الإخراج والتأليف والإنتاج، وكما أشرنا سلفًا فإن المسلسل من تأليف محمد عبد المعطي، ومخرجه هو أحمد سمير فرج، والإنتاج لشركة سينرجي” المملوكة للمنتج تامر مرسي، الذي يشارك في هذا الموسم بإنتاج 15 مسلسلًا.

وفي ضوء المشاركة المحدودة، يظهر اسم نسرين فهيم مونتيرةً للعمل، ونهال المصري مصممة للأزياء، بالإضافة إلى يسرا ياسر لاسكريبت الحوار وياسمين محرم لاسكريبت الملابس.

على الشاشة: ميلودراما تعزز الصور النمطية عن النساء

الإشكالية الكبرى في تقديم القصص من خلال الميلودراما هو تعزيز الصور النمطية، لأن الشخصيات في هذا النوع من الدراما عادةً ما تكون أحادية لا تتطور بتطور الأحداث وتعقيداتها، فهي إما شخصيات بريئة وخيّرة أو شخصيات قبيحة وشريرة على طول الخط، وهو ما لا يتفق مع طبيعة الشخصيات في الحياة الواقعية التي لا تخضع لهذا التقسيم النمطي.

وغالبًا ما يلجأ المؤلف إلى محاصرة شخصية البطل أو البطلة بالمشكلات من كل اتجاه والكوارث في كل خطوة، لاستجلاب التعاطف معها وإظهارها كضحية، ويظهر هذا مع شخصية داليدا مع إضفاء مزيد من التنميط استنادًا إلى صورة المرأة الجميلة شكلًا، فهي الجميلة التي اشتعل الصراع بين أبناء أعمامها من أجل الظفر بها، والجميلة التي تعلق بها قلب الشاب الغني في الإسكندرية دون أن يعرف حتى اسمها، والجميلة التي طاردها أحد البلطجية وعندما أغضبته مقاومتها له، أخرجها عنوةً من بيت المغتربات الذي سكنت إياه بعد وصولها إلى الإسكندرية، وساندته في ذلك رفيقته التي تسكن في البيت بسبب غيرتها منها وكراهية «غير المبررة» لها، وهي أيضًا الجميلة التي أثارت حفيظة زوجة الخيّاط الذي عملت في محله الصغير لكسب القوت، فأهانتها وطردتها من العمل بمؤازرة البلطجي. وكل هذه الحوادث ترّسخ للصورة النمطية عن المرأة الجميلة المستكينة التي تتكاتف الظروف ضدها لا لشيء سوى جمالها.

وفي ضوء بناء الشخصيات بزاوية أحادية، فإننا نرى زوجة ثانية للأب، لا تزيد عن كونها امرأة طامعة في المال، تحيك المؤامرات ضد زوجها وداليدا من أجل التخلص منهما والحصول على حصة جيدة في الميراث، وهي صورة مكررة في الدراما المصرية. كما يبدو أن شخصية والدة علي (تؤدي دورها نهال عنبر)، لن تخرج عن الحيز النمطي لشخصية الأم الأرستقراطية التي ترفض ارتباط ابنها بكل عجرفة وصلف من فتاة تشك في «أصلها» وماضيها، بما سيجعلها ضلعًا اَخر في دائرة العنف الذي يستهدف الشخصية الرئيسة.

المقدمات تقود إلى النتائج، وإن كانت هذه هي ملامح الحلقات الثماني الأولى، فمن غير المتوقع أن تحمل الحلقات المقبلة تغييرًا جذريًا في الخط المرسوم أو أن تشهد الشخصيات تطوّرًا يغير فيما بدت عليه من نمطية.