باستقبال فاتر، انطلق موسم دراما رمضان التلفزيونية للعام 2019، وسط حالة إحباط كبيرة دفع إليها انخفاض عدد المسلسلات بشكل لافت بعد إزدهار شهدته الدراما الرمضانية في مصر خلال السنوات الأخيرة بالتزامن مع إقبال نجوم السينما على الدراما التلفزيونية على خلفية تراجع الإنتاج السينمائي في أعقاب ثورة الـ25 من يناير وما تلاها من اضطرابات سياسية. كما يعزز خيبة الأمل احتكار إحدى شركات الإنتاج للعدد الأكبر من المسلسلات المعروضة خلال الموسم الحالي، فضلًا عن غياب أسماء نجوم كبار ارتبطوا في أذهان الجمهور المصري والعربي بالدراما الرمضانية لسنوات.

يحتضن هذا الموسم 25 مسلسلًا، بالإضافة إلى مسلسل سبق أن عُرِض في موسم رمضان الماضي وهو «السهام المارقة» الذي عرضته قناة أبو ظبي ويعاد عرضه خلال هذا الموسم عبر شبكة قنوات النهار. ويعد هذا العدد هو الأقل منذ موسم رمضان للعام 2014، فقد بلغ عدد المسلسلات في موسم العام 2018، 30 مسلسلًا، وفي موسم العام 2017 وصل العدد إلى  34 مسلسلًا، بينما استقبل موسم العام 2016، 32 مسلسلًا، وفي موسم العام 2015 ضمت القائمة 34 مسلسلًا، أما موسم العام 2014 فقد شهد منافسة 27 مسلسلًا.

من بين الـ25 مسلسلًا المُنتَجة للعرض خلال هذا الموسم، احتكرت شركة «سينرجي» المملوكة للمنتج تامر مرسي 15 مسلسلًا، بما يمثل 60 في المئة من إجمالي المسلسلات. وخلال المواسم الست الأخيرة، فإن الموسم الحالي هو أقلها تنافسية في ظل احتكار بازغ لــ«سينرجي» التابعة لشركة «إعلام المصريين» التي تمتلك وتدير في الوقت الراهن أغلب القنوات الفضائية المصرية.

البطولة النسائية: قلة العدد ترفع نسبة مسلسلات البطلة الأولى إلى الثلث

من ناحية أخرى، يبلغ عدد مسلسلات البطولة النسائية (الدور المحوري الأول فيها امرأة) في هذا الموسم ثماني مسلسلات، بزيادة مسلسل واحد عن الموسم الماضي، إلا أن قلة العدد الكلي للمسلسلات ترفع نسبة البطولات النسائية المطلقة إلى 32 في المئة (8 مسلسلات من أصل 25 مسلسلًا)، بينما بلغت النسبة العام الماضي 23.3 في المئة (7 مسلسلات من أصل 30 مسلسلًا).

ويتصدر مسلسلات البطولة النسائية لهذا الموسم، كل من: ياسمين صبري في أول مسلسل يحمل اسمها كبطلة أولى وهو «حكايتي»، ودينا الشربيني في ثاني بطولة مطلقة ومسلسل يحمل اسمها كبطلته الأولى وهو «زي الشمس»، الذي يأتي بعد تجربة «مليكة» التي شاركت بها في الموسم الرمضاني الماضي، وغادة عبد الرازق التي أضحت واحدةً من أبرز نجمات موسم رمضان الدرامي منذ العام 2010، عندما عُرِض لها مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» الذي حقق نجاحًا كبيرًا اَنئذٍ، وتشارك هذا العام بمسلسل «حدوتة مرُة». أما ياسمين عبد العزيز المعروفة بكونها النجمة الوحيدة في جيلها، التي تنافس على إيرادات شباك التذاكر السينمائي الذي يسطو عليه النجوم الذكور، تشارك في هذا الموسم بمسلسل «لاَخر نفس» بعد نجاح تجربتها كبطلة أولى في الدراما التلفزيونية، في موسم رمضان الماضي من خلال مسلسل «هربانة منها». لكن مشاركتها هذا العام بمسلسل ينتمي إلى فئة دراما الإثارة والتشويق، تختلف عن العام الماضي الذي قدمت خلاله مسلسلًا كوميديًا يحفظ وجودها في مساحتها الاَمنة، إلا أنها تعيد نفسها هذا العام إلى المنافسة في عالم الدراما بشكل لم يعتده جمهورها منذ سنوات.

أما الشقيقتان دنيا وإيمي سمير غانم، فكل منهما تقدم مسلسلًا كوميديًا هي بطلته الأولى، ويأتي مسلسل «بدل الحدوتة ثلاثة» الرابع في سلسلة المسلسلات التي تصدّرت بطولتها دنيا سمير غانم خلال المواسم الرمضانية بعد «لهفة»، و«في اللا لا لاند»، و«نيللي وشريهان» الذي تقاسمت بطولته مع شقيقتها إيمي سمير غانم. ويعد مسلسل «سوبر ميرو» الذي يعرض خلال الموسم الحالي، هو أول بطولة مطلقة فعلية لإيمي سمير غانم في مسيرتها بعد تقاسمها البطولة مع زوجها الممثل حسن الرداد، عدة مرات في السينما والتلفزيون، واَخرها مسلسل «عزمي وأشجان» الذي عُرِض خلال موسم رمضان للعام 2018.

كما تتقاسم حورية فرغلي البطولة مع فيفي عبده، في مسلسل «مملكة الغجر» الذي يتناول حياة الغجر وطقوسهم، بشكل يزعم صنّاعه أنه سيكون الأكثر واقعية بين ما قدمته الدراما المصرية عن هذه الشعوب.

وأخيرًا تعود مي عز الدين إلى الكوميديا بمسلسل «البرنسيسة بيسة» لأول مرة بعد مسلسل «دلع البنات» الذي شاركت به في موسم رمضان للعام 2014، حيث اتجهت إلى تقديم الدراما الاجتماعية الرومانسية خلال مواسم 2018، 2016 ،2015.

اللافت في هذا الموسم هو غياب عدد من الأسماء التي ارتبطت في ذاكرة المصريين بدراما رمضان، ومنها اسم الممثلة يسرا التي ظلت نجمة للدراما الرمضانية لنحو عشرين عامًا، والنجمة نيللي كريم التي حققت نجاحًا مبهرًا خلال السنوات الست الأخيرة.

التأليف: مريم نعوم.. سبع سنوات من الحضور «المتميز»

يمكننا القول أن مريم نعوم أضحت ماركة مسجلة في عالم الدراما التلفزيونية لا سيما الرمضانية، بعد حضور مميز يدخل عامه السابع، منذ أن اقتحمت الساحة في موسم رمضان للعام 2013، عندما قدمت المعالجة الدرامية لمسلسل «موجة حارة» الذي أخرجه محمد ياسين، ثم بدأت رحلة الصعود مع المخرجة كاملة أبو ذكري في  مسلسل«ذات» ومن بعده ملحمة «سجن النسا»، ثم قدمت مسلسل «تحت السيطرة» مع المخرج تامر محسن، وكلها مسلسلات حققت نجاحًا جماهيريًا ولاقت إشادات نقدية واسعة. بعد ذلك، شاركت في كتابة مسلسل «سقوط حر»، وتبعه مسلسل «واحة الغروب»، لتخرج بعدهما من مساحتها الاَمنة حيث تدور الأحداث في فلك الشخصيات النسائية وعنها، وتقدم في موسم رمضان الماضي (2018) السيناريو لمسلسل «أبو عمر المصري» من بطولة الممثل أحمد عز، والمأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للأديب «عز الدين شكري فشير».

لكن سرعان ما عادت نعوم إلى مساحتها الاَمنة، إذ تشارك في هذا الموسم كمديرة لفريق الكتابة (سيناريو وحوار) في مسلسل «زي الشمس»، المأخوذ عن نسخة إيطالية باسم «Sorelle» صدرت في العام 2017. وكان من المفترض أن ينضم هذا المسلسل إلى سلسلة التعاون الخلاق بينها وبين المخرجة كاملة أبو ذكري، الذي أفرز ثلاثة مسلسلات يعتبرها نقاد كثيرون من أهم وأقيم ما أنتجت الدراما المصرية والعربية خلال العقد الأخير وهي «ذات» و«سجن النسا» و«واحة الغروب»، إلا أن خلافًا في الكواليس أدى إلى انسحاب كاملة أبو ذكري من فريق عمل مسلسل «زي الشمس» وحل محلها المخرج سامح عبد العزيز.

تحت إدارة مريم نعوم، صاغت نجلاء الحديني المعالجة الدرامية وشاركت في كتابة السيناريو، كما شارك في كتابة الحوار دينا نجم وسمر عبد الناصر إلى جانب مجدي أمين ومحمد هشام عبية. وقد حفظ هذا الحضور النسائي ماء الوجه فيما يخص المشاركة النسائية في عملية التأليف خلال الموسم الحالي، إذ غابت أسماء الكاتبات عن بقية المسلسلات المشاركة في هذا الموسم.

الإخراج: انسحاب كاملة أبو ذكري يضاعف خيبة الأمل.. وشيرين عادل مخرجة لمسلسلين بطعم «سينما المقاولات»

أجهض انسحاب كاملة أبو ذكري تجربة منتظرة تجمع أسماءً نسائية وتحديدًا خلف الكاميرا، أثبت اجتماعها نجاحه في ثلاث مسلسلات سابقة، ومن هؤلاء كما أشرنا آنفًا السيناريست مريم نعوم، بالإضافة إلى مديرة التصوير نانسي عبد الفتاح ومصممة الملابس ريم العدل. ومما لا شك فيه، فإن انسحاب أبو ذكري أطفئ شعلة الأمل الوحيدة في موسم تغيب عنه صانعات الدراما بصورة باعثة على الإحباط.

في الموسم نفسه، يبرز اسم شيرين عادل مخرجةً لمسلسلين وهما «شقة فيصل» و«هوجان»، وما يسترعي الانتباه في هذه الحالة، هو المطابقة في عدد من العناصر في كلا العملين، ومنها المؤلف محمد صلاح العزب الذي كتبهما، بالإضافة إلى العنصر المكاني وهو المنطقة الشعبية، والأجواء الشعبية التي تخيم على التفاصيل بما فيها التترات، إذ يصدح المطربان الشعبيان رضا البحراوي ومحمود الليثي بكلمات تعبر عن الغدر وقسوة الحياة، فضلًا عن مشاركة الممثلين كريم محمود عبد العزيز وصلاح عبد الله في بطولة المسلسلين.

علاوة على ذلك، فإن المؤشرات الأولى تفصح عن دراما تدور حول بطل رئيس، أقرب لصورة البطل الشعبي الطموح، الذي يتحدى الصعاب من أجل تحقيق ذاته، بينما تحضر الشخصيات النسائية كمكملات للوجبة الدراما التقليدية، يتحركن لخدمة البطل، أو لتعطيله وإفشاله، أو يحلمن بمرافقته فينبذهن، أو مجرد حبيبات ينتظرن انتصار البطل في النهاية لإتمام قصة الحب بالزواج.

التترات: ثلاثة أصوات نسائية في مواجهة طوفان الأغاني الشعبية

استحوذ المطربون الشعبيون على أغلب تترات مسلسلات هذا الموسم، وتتمحور كلمات أغنياتها حول علاقات القوة في المجتمع، حيث يتغنى المطرب بكلمات تعبر عن بطل المسلسل، وهو إنسان مغلوب على أمره وسط مجموعة باطشة تحاربه في إطار الصراع التقليدي بين الخير والشر، مستمدةً قوتها إما من بنية جسدية وإما من مال وإما من سلطة، فيلوم البطل على الدنيا ظلمها ويشكو استبداد البشر.

ومن بين المطربين الشعبيين الذين وضعوا بصمتهم على تترات هذا الموسم: محمود الليثي، وأحمد شبية وأحمد سعد، ورضا البحراوي، وعبد الباسط حمودة، وبهاء سلطان.

ثلاث تترات من تلك المغناة لمسلسلات هذا الموسم تغنت بكلماتها أصوات نسائية، وجميعها لمسلسلات من الثمانية التي تتصدر بطولتها نساء. ويأتي في مقدمتها تتر مسلسل «حدوتة مُرة» لبطلته غادة عبد الرازق الذي تغنيه المطربة أنغام، بينما تؤدي كارمن سليمان أغنية تتر مسلسل «حكايتي» من بطولة الممثلة ياسمين صبري، وتغني دنيا سمير غانم تتر المسلسل الذي تقوم ببطولته وهو «بدل الحدوتة تلاتة».

الإنتاج: الاحتكار يهبط بالتمثيل الضئيل إلى الغياب التام

مع احتكار شركة «سينرجي» لمالكها المنتج تامر مرسي لأكثر من نصف مسلسلات هذا الموسم، لا سيما مسلسلات الأبطال الأكثر شعبية في الشارع المصري، تراجعت المنافسة وغاب عن المشهد عدد من الشركات الكبرى التي عززت حضورها في المواسم الرمضانية لسنوات، ومن أبرزها شركة العدل جروب. وفي ضوء هذا الوضع الذي دفع بكثيرين إلى الخروج من المنافسة، اختفت أسماء المنتجات في هذا الموسم، وهو غياب بعد تمثيل شديدة الضآلة في الموسم الماضي، الذي شاركت فيه منتجتان فقط وهما مها سليم من خلال مسلسل «الرحلة» والمنتجة منى قطب من خلال مسلسل «بالحجم العائلي».

ويبدو هذا متوقعًا إذا ما نظرنا إلى حال المنتجات عمومًا في عالم صناعة الدراما سواء التلفزيونية أو السينمائية، لأنهن لا يملكن الفرص ذاتها التي يحظى بها المنتجون الرجال في عالم الدراما الذي لا يرحب بالنساء في أدوار الصناعة بالتحديد، ولا يعبأ كثيرًا بتمكينهن أو دعم مشاركتهن، بما يمد في عمر السيطرة الذكورية على صناعة الدراما.