مخرجة فيلم «سابع سما»: أن تكوني امرأة صعيدية ومسيحية تريد العمل في السينما.. إذًا فأنتِ أمام تحدٍ كبير
«اللي نعرفه تجارة، كلية اَداب، إحنا صعايدة يا بنتي معندناش حد درس سينما.. إيه سينما دي؟!»
جاءت هذه الجملة على لسان إحدى شخصيات الفيلم التسجيلي «سابع سما» للمخرجة الشابة كريستين حنا، الذي يوثق معاناة فتاتين من الصعيد مع أسرتهما، بسبب حبهما للسينما ورغبتهما في العمل بمجال صناعة الأفلام.
«سابع سما» هو الفيلم التسجيلى الأول لكريستين حنا، ومن إنتاج مدرسة «الجيزويت للسينما» في أسيوط، وقد حصل على جائزة مسابقة الطلبة من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، في دورتة الـحادية والعشرين التي انعقدت فيما بين 10 إلى 16 إبريل.
علاقة حنا بالسينما بدأت عندما نظمت الكنيسة في مدينتها، مهرجانًا لطلاب المرحلة الثانوية بهدف إنتاج أفلام عن قيم المحبة والسلام، وعرفت حينئذٍ الفتاة الصغيرة – لأول مرة- أن أي شخص محب للسينما وشغوف بعالمها بإمكانه صناعة فيلم وأكثر، فراودها حلم الالتحاق بالمعهد العالي للسينما، إلا أن الظروف وقواعد المجتمع الصعيدي حالت دون تحقيق الحلم، واضطرت إلى دراسة التجارة. لكن ذلك لم يُبعدها عن السينما تمامًا، ولم يُفقدها الأمل كليةً، إذ حاولت أن تدرس السينما عبر سبل أخرى، مثل المشاركة في الورش، والمعسكرات، والتدريبات المتخصصة في صناعة الأفلام في القاهرة.
الفرصة الحقيقية حصلت عليها حنا مع مركز الجيزويت الثقافي، الذي قرر أن ينظم مدرسة للسينما التسجيلية في محافظات الصعيد، المنيا وسوهاج وأسيوط، خلال العام 2017، وهي التجربة التي تقول عنها حنا «كانت أول مرة أخوض فيها تجربة مكثفة في عالم صناعة السينما، خاصة الأفلام التسجيلية، وقد توّفرت للدراسين خلال فترة الدراسة الممتدة لعام كامل، مختلف المعدات لتنفيذ مشروعات التخرج، التي كان من بينها فيلمي التسجيلي «سابع سما» الذي صدر في نهاية العام 2018.»
«ولها وجوه أخرى» التقت المخرجة كريستين حنا، بعد أيام من فوزها بجائزة مسابقة الطلبة في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام القصيرة والتسجيلية، وكان لنا هذا الحوار حول حلم السينما والضغوط التي تعاني منها الفتيات في الصعيد، إذا قررن الخروج عن المسارات التقليدية.
كيف تبلوّرت فكرة فيلم «سابع سما»؟
إبان مرحلة الإعداد لمشروع التخرج من مدرسة السينما التابعة لمركز الجيزويت الثقافي، كانت أختي ماريان تخوض معارك متواصلة مع أبي وأمي في سبيل إقناعهما بالموافقة على التحاقها بالمعهد العالي للسينما في القاهرة، فهي مُغرَمة بفن السينما وأرادت ألا تكرر تجربتي وأن تبدأ الدراسة مباشرة في المعهد. كنت أشجعها مثلما كانت تحفزني على تجاوز الصعوبات والمعوّقات التي تواجهنا كفتاتين في الصعيد، تريدان تجاوز مرحلة الجلوس بين صفوف مشاهدي الأفلام إلى مرحلة اقتحام صفوف صنّاعها.
فكرت في صناعة فيلم يوثق هذه الفترة بكل ما شهدته من سجالات، وينقل ما يدور في المنزل من نقاشات عميقة، ويرصد تلك الأوقات التي امتزج فيها الغضب بالود والحزن بالسعادة. وعلى الرغم من أنني لم أكن متأكدة في بداية الأمر من صلاحية المادة المصورة لأن تكون فيلمًا، فقد ساهم تطور الأحداث والمشاعر التي رصدتها في بناء الفيلم.
وماذا عن حربك من أجل تحقيق حلمك والتي وثقتيها أيضًا في الفيلم؟
بالفعل، في هذه الأثناء كنت أخوض حربًا موازية مع أسرتي، من أجل إكمال مشروعي الشخصي الذي يحمل اسم «سكة فن»، متطلعةً أن يكون منفذًا للشباب والشابات في الصعيد حتى يلتقوا في مؤسسة ثقافية تهتم بصناعة الأفلام التسجيلية والمستقلة. كان الأمر مرهقًا، لأن أبواي لم يستسغا الفكرة ولم يتفهما طبيعة عمل المؤسسة، وكان سفري بهدف متابعة المشروع يُقابل باعتراض ورفض منهما.
ولكننا شاهدنا في الفيلم والدك يوفر مقرًا لمؤسسة «سكة فن»؟
دعيني أوضح شيئًا، أبي وأمي ليسوا قمعيين، وأنا أتفهم مخاوفهما إزاء رغبتنا في العمل بصناعة السينما، لأن هذا الاختيار مختلف تمامًا عن ما عهداه في الصعيد. وكما تقول أمي في الفيلم «معندناش بنات تشتغل في السينما.»
الواقع في الصعيد يرسم للمرأة طريق واحد، يوجهها إلى الدراسة في كليات بعينها مثل الطب، والتجارة، والتربية، حتى تتخرج وتعمل إما مدرسة أو طبيبة أو صيدلانية ثم تتزوج وتنجب الأطفال، وهذا هو المسار الذي تكيفّت معه العائلات في الصعيد، حتى أضحى هو «المسار الطبيعي» للإناث، ولذلك كان منطقيًا أن تتبدى حالة ارتباك لدى أسرتي، حيث امتزج الخوف والقلق مع الحب الذي ترجمه والدي عمليًا، عندما أعطاني شقة يمتلكها لتصبح مقرًا لــ «سكة فن».
ما ملامح مشروع «سكة فن» وما الهدف منه؟
أريد من خلال هذا المشروع أن يجتمع كل المهتمين والمهتمات بصناعة السينما في الصعيد، وأن يحافظوا على بقائهم سويًا، حتى لا يفقد أحدهم الأمل ويسافر إلى القاهرة حيث تتوفر الفرص بشكل أكبر. أتذكر أنني عندما تخرجت في الجامعة، شغلتني تساؤلات بشأن خياري البقاء في أسيوط أو الانتقال إلى القاهرة، حتى توّصلت إلى أن الأفضل هو البقاء في مدينتي مع مجموعة من الشباب الذين يشاركونني الحلم نفسه، وهو «سكة فن». نحن نريد من خلال هذا المشروع أن نعبر عن أنفسنا مثلما نراها وأن نوثق التحديات التي نواجهها في الصعيد، كما نعيشها وليس كما تعرضها الدراما سواء في السينما التجارية أو في المسلسلات التلفزيونية.
بالعودة إلى الفيلم، هل يمكننا أن نعرف سبب اختيار اسم «سابع سما»؟
الاسم يمثل أحلامنا أنا وأختي؛ يعكس أحلامنا البعيدة، وطموحاتنا السينمائية، ومشروعنا في الحياة.
من وجهة نظرك، لماذا يتمسك المجتمع بنظرته السلبية تجاه المرأة العاملة في صناعة السينما؟
أرى أن هذه النظرة تنبثق عن صورة نمطية ترسخت لدى كثيرين عن العاملين في مجال السينما عمومًا. وعلى سبيل المثال، فقد كانت أمي تتصور أن التحاق شقيقتي ماريان بالمعهد سيؤدي بها إلى تدخين السجائر، ومصادقة شباب يدفعونها إلى أفعال تتنافى وقيم المجتمع الصعيدي المحافظ. في الحقيقة، ما زالت الأسر في الصعيد تعتقد أن مجال السينما يعمل به بنات «بحري» فقط، لنشأتهن في مناخ منفتح ومتحرر في المدينة، ورغم ذيوع هذه النظرة السلبية، يتملكني شعور قوي بأنها ستتغير على المدى البعيد.
في أحد مشاهد الفيلم يسأل شقيقك ماريان شقيقتك، عما إذا كانت هي البنت الوحيدة المسيحية في قسم الإخراج. ما الذي قصدتيه من تسجيل هذا الموقف؟
إنه نوع آخر من الخوف، لأن القلق والتوجس لا يتوقفان عند حدود الجنس وإنما يمتدان إلى الديانة. عندما سأل أخي ماريان أختي هذا السؤال، عبّر عن تخوفه من أن تكون الفتاة المسيحية الوحيدة بين زملائها في القسم، مما يفتح الباب أمام اضطهادها ومضايقتها. أن تكوني امرأة في المجتمع المصري فهذا هو التحدي الأول، أما أن تكوني امرأة صعيدية ومسيحية تريد أن تعمل في صناعة السينما، إذًا فأنتِ أمام تحدٍ أكبر وأصعب.
هل ستركز أفلامك المقبلة على العنف الذي تتعرض له النساء في مجتمعنا؟
سأعمل على توثيق الحكايات القريبة إلى قلبي والتي أعيشها بشكل صادق وفني، وبطبيعة الحال ستكون قريبة من كوني امرأة ومسيحية تعيش في الصعيد، دون أن أصنّف أفلامي كمنتجات نسوية. وإن كان التصنيف سيتم دون رفض أو قبول مني، لأنني امرأة في النهاية.
ما أبرز مشكلات نساء الصعيد التي تطمحين إلى توثيقها سينمائيًا؟
أعتقد أن هناك مشكلات نتشارك فيها كنساء سواء كنا في الصعيد أو في العاصمة، مثل التحرش الجنسي، والطلاق وما يتبعه، وفي ظني فإن الاختلاف يقتصر على البوح والاعتراض الذين عادةً ما تفتقدهما الفتاة الصعيدية. فما زال صعبًا أن تعلن الفتاة في الصعيد عن رغبتها في الاستقلال، أو رفضها للزواج أو السفر للعمل في مدينة أخرى، أو حتى أن تسرد تفاصيل واقعة تحرش جنسي تعرضت لها، وهذا ما رصدته في الفيلم، عندما نهرتني أمي لأنني كتبت عبر حسابي على موقع فيسبوك عن واقعة تحرش تعرضت لها، وطالبتني وقتها بالسكوت وعدم التحدث عمّا جرى.
وما الانطباع الذي تركه الفيلم لدى أسرتك بعد مشاهدته؟
شاهد أبي وأمي الفيلم في حفلة التخرج في مدرسة الجيزويت للسينما، وشعرا وقتئذٍ بالمفاجأة والحرج من إظهار تفاصيل حياتهما اليومية على الشاشة أمام عدد كبير من الحضور. لكن الاحتفاء بالفيلم ترك لديهما انطباعًا جيدًا وإيجابيًا. وأعتقد أن والديا في هذا اليوم أدركا حقيقة أنني وأختي نسعى إلى تحقيق شيء جاد وأن شغفنا بالسينما ليس مؤقتًا.
كيف تفاعلتِ مع حصول عملك الأول على جائزة من مهرجان الإسماعيلية للأفلام القصيرة والتسجيلية، وكيف كان رد فعل أسرتك؟
للاَسف رغم سعادتي بالفوز، فقد اَلمني كثيرًا عدم تسلمي للجائزة بنفسي، بعد أن رفض والدي سفري وحيدة للمشاركة في المهرجان بعد قبول فيلمي للمنافسة في مسابقة أفلام الطلبة، فما زال أبي يتحفظ على سفري بمفردي لمسافات طويلة. وبعد فوز الفيلم بالجائزة، لم يكن أمامي إلا أن أنيب شقيقتي عني حتى تتسلمها، لأن المسافة بين القاهرة والإسماعيلية أقصر، وحينها شعر والدي بالندم لأنه لم يوافق من البداية على مرافقتي للفيلم في المهرجان، وانتابته في الوقت ذاته مشاعر الفخر والسعادة إزاء فوز ابنته بجائزة قيمة كهذه عن فيلمها الأول.