كان إعلان شركة Shark and Shrimp  المتخصصة في مجال التسويق الإلكتروني، بداية هذا الشهر، عن منح موظفاتها إجازة مدتها يوم واحد تحت اسم «إجازة الحيض»، بمثابة الحجر الذي حرك الماء الراكد، إذ فتح القرار الباب أمام مناقشة واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية والصحف، حول أمر لم يكن يُطرح في السابق إلا في نطاق محدود بين المجموعات النسوية التي تختلف فيما بينها بشأن ما تعززه هذه الإجازة فيما يتعلق بطبيعة أجساد النساء، وما إن كانت تتعارض مع مطالب الحركة النسوية ونضالها من أجل المساواة بين الجنسين.

وجاء في البيان الصادر عن الشركة «يحق لكل شريكة نجاح المُطالبة بيوم إجازة مدفوع عن أول أو ثاني يوم الفترة المُرهقة (فترة الحيض) وإن استدعت ضرورة العمل في تلك الفترة، يتم التنسيق لمباشرة العمل من المنزل.»

حسب الدراسات العلمية، فإن تقلصات الدورة الشهرية التي تسبب ما يعرف باَلام الدورة الشهرية تؤثر على 84 في المئة من النساء، ومن بين هؤلاء ما يصل إلى 25 في المئة  يصفن  اَلامهن بـــ«الشديدة»، وتُظهّر دراسات استقصائية استهدفت المراهقات أن أكثر من 90 في المئة منهن يعانين من اَلام الحيض.

من جانبها، تقول فاطمة طارق البالغة من العمر 24 عامًا، والتي تعمل في مجال العقارات إنها تؤيد قرار منح السيدات إجازة لمدة يوم واحد أثناء الدورة الشهرية، إذ أنهن يعانين خلال هذه الفترة من اَلام جسدية شديدة، وتضيف «في هذه الفترة تتأثر طاقة النساء على العمل بسبب الاَلم.»

ترى فاطمة أن القرار يصعب تطبيقه في المؤسسات الحكومية، بسبب العادات والتقاليد التي ترى الأمر مخجلًا ومعيبًا وربما فضيحة، لكنها بشكل شخصي لا تجد حساسية تجاه الحيض أو تجاه طلب إجازة بسببه.

أما ريهام إبراهيم البالغة من العمر 27 عامًا، والعاملة بأحد المؤسسات الحكومية، تعارض إجازة الدورة الشهرية لما قد يسببه الأمر من حرج لها بين زملائها في محيط العمل، مشددةً على أنها لا تخدم المرأة بل ترسخ للتمييز ضدها.

وتتابع قائلة إن قانون العمل فيه ما يسمح بالحصول على إجازات للراحة مثل الإجازة العارضة أو رصيد الإجازات السنوي، بالإضافة إلى تنسيق ساعات الحضور والانصراف.

وتؤيدها في الرأي، جيهان السيد البالغة من العمر 29 عامًا، إذ تعتبر الطبيبة الشابة أن تطبيق القرار في مصر سيفتح الباب للحكم على إدراك النساء وعقولهن وقدرتهن على اتخاذ القرار، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى حرمانهن من تقلّد المناصب القيادية وقد يؤثر على إلحاقهن بوظائف بعينها، وسيزيد من تفضيل الرجال في مجالات العمل المختلفة.

تقر عدد من الدول إجازات الحيض أو الدورة الشهرية، وقد بدأت اليابان العمل بهذه السياسة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أن المطالبة بـ«إجازة الحيض» في هذا البلد تعود إلى عشرينيات القرن الماضي، ووفق قانون معايير العمل الصادر في العام 1947، يحق للمرأة الحصول على إجازة إذا ما كانت تعاني من اَلام شديدة خلال فترة الحيض أو إذا كان عملها يزيد من حدة هذه الاَلام.

لحقت أندونيسيا باليابان وأقرت «إجازة الحيض» التزامًا بقانون العمل الصادر في العام 1948، ليصبح من حق كل امرأة عاملة إجازة لمدة يومين شهريًا. وفي تايوان، أجري تعديل على قانون يمنح النساء إجازة الحيض في العام 2013، ليصبح من حق المرأة إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أيام بصفة شهرية.

الوضع في كوريا الجنوبية، لا يضمن للنساء فقط إجازة مدفوعة الأجر، لأن المادة 71 من قانون العمل تجعل من حقهن الحصول على بدل مالي عوضًا عن إجازة الحيض إذا لم يحصلن عليها.

وفي العام 2017، شرع عدد من الشركات الخاصة في الهند في تطبيق هذه السياسة، التي بموجبها تحصل النساء العاملات الاَن على إجازات مدفوعة خلال فترة الحيض. وفي العام نفسه طرحت إيطاليا  مقترحًا لتشريع قانون يمنح النساء إجازة الحيض، لكنها لم تتمكن من تمرير  القانون الذي يجعلها أول دولة أوروبية تعترف قانونيًا بإجازات الدورة الشهرية.

على مستوى الشركات العالمية، كانت Nike  الأمريكية هي أول شركة تُطبّق سياسة «إجازة الحيض» في العام 2007، عندما أدرجتها في مدونة السلوك الخاصة بالشركة.

المحامية الحقوقية انتصار انتصار السعيد والتي تتولى إدارة مركز القاهرة للتنمية والقانون، ترى أن إجازة الدورة الشهرية غير قابلة للتطبيق في مصر سواء في مؤسسات القطاع العام أو الخاص.

وتقول السعيد إن ثمة تخوّفات تحيط بالقرار الذي اتخذته الشركة، والذي تصفه بــ «الدعائي»  منتقدةً افتقاده إلى معايير واضحة ومحددة.

وحسب تصريحاتها لـ «ولها وجوه أخرى»، فإن القرار قد يُستَغل كذريعة للتمييز ضد النساء حال تطبيقه، وقد يؤثر على قرارات تعيينهن في أماكن العمل.