عن كاتبة المقال:

منى عزت هي مديرة برنامج المرأة والعمل في مؤسسة المرأة الجديدة

اختارت لجنة وضع المرأة التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعى للأمم المتحدة في دورتها الـ63 التي انعقدت هذا العام – في الفترة من 11 إلى 22 مارس – موضوع «أنظمة الحماية الاجتماعية والوصول إلى الخدمات العامة والبنية التحتية المستدامة للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات»، وتجرى داخل فعاليات وأعمال اللجنة لقاءات واجتماعات رسمية لممثلين عن الحكومات، كما تنعقد على التوازي ندوات وفعاليات للمجتمع المدني، وفي هذا العام شارك على مدى 12 يومًا أكثر من 5200 امرأة ورجل يمثلون المجتمع المدني، وما لا يقل عن 1850 مندوبًا عن الحكومات.

ركز الموقف الرسمي على نقد تزايد حالات انعدام المساواة والفقر، واستمرار النزاعات السياسية وما يترتب عليه من نزوح وهجرات، والتغيرات المناخية والبيئة وأثر ذلك على الحياة وسبل العيش ورفاهية النساء والفتيات، والتأكيد على ضرورة القضاء على الأشكال المتعددة والمتقاطعة للتمييز على أساس العمر والدخل والموقع الجغرافي، أو العرق أو الحالة الصحية أو الهجرة أو الإعاقة، وتمكين النساء من الوصول إلى أنظمة الحماية الاجتماعية والخدمات العامة والبنية التحتية المستدامة، والاعتراف بالرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلي، وتوفير الحماية الاجتماعية للنساء في المنزل، والحقوق الانجابية والجنسية.

وقد أشارت اللجنة في بيانها الختامي إلى أهمية إشراك الرجال إشراكًا كاملًا كمستفيدين من التغيير، وكشركاء وحلفاء استراتيجيين في تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات.

وخرجت اللجنة بعدد من التوصيات التي تقدمت بها إلى الحكومات والهيئات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين ذوي الصلة، حتى يتم تنفيذها على المستوى الدولي والوطني والإقليمي والمحلي، وجاءت هذه التوصيات على النحو التالي:

 تعزيز البيئة القانونية والمؤسسية

معالجة الفجوات بين الجنسين والتحيزات في الحماية الاجتماعية

تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من الوصول إلى الخدمات العامة

جعل الاستثمار في البنية التحتية يعمل لصالح النساء والفتيات (وهنا تم الإشارة إلى القطاع الخاص ودوره غير الهادف إلى الربح)

تعبئة الموارد وتعزيز المساءلة والمراقبة والتقييم من أجل ضمان جودة وصول الخدمات الاجتماعية والمالية

واشتملت هذه التوصيات على إجراءات محددة، من أهمها:

ضمان حصول المرأة على العمل اللائق والخدمات العامة والبنية التحتية على قدم المساواة، واتخاذ تدابير للحد من فجوات الأجور بين الجنسين، وتعزيز المفاوضة الجماعية وتمكين المرأة من التقدم الوظيفي.

زيادة خدمات الرعاية العامة والخدمات للنساء والفتيات الناجيات من العنف

إزالة الحواجز المالية وغير المالية التي تقيد وصول النساء والفتيات إلى الخدمات العامة، وأن تكون الخدمات العامة جيدة النوعية وتستجيب إلى الاعتبارات الجنسانية.

 ضمان توفر المياه النظيفة والمرافق الصحية المأمونة للنساء والفتيات، بما في ذلك الرعاية الخاصة بالدورة الشهرية في: المنازل والمدارس والعيادات الصحية ومراكز ومخيمات اللاجئين والمكاتب الحكومية ومواقع العمل والأماكن العامة الأخرى.

رغم أهمية هذه التوصيات وضرورة  العمل على تنفيذها، فقد غاب عنها الوقوف على الأسباب الأساسية وراء زيادة معدلات الفقر، وهشاشة نظم الحماية الاجتماعية، وتدهور الخدمات، كما لم يتم الإشارة إلى القيود التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني (منظمات غير حكومية ونقابات) وإعاقتها عن القيام بدورها في تنظيم النساء وتشكيل مجموعات الضغط والحوار والتفاوض مع الحكومات، فضلًا عن التهديدات والملاحقات التي تتعرض إليها المدافعات عن قضايا النساء، واَخرها التهديدات التي تلقتها كوكي مولي من كينيا، إذ استهدفتها جماعات متطرفة وأفراد طالبوا مؤيديهم بإغراقها، وذلك عقب مشاركتها هذا العام في أعمال لجنة أوضاع المرأة بهيئة الأمم المتحدة.

يجب الوضع في الاعتبار أهمية التنظيم بالنسبة للنساء، فوجود كيانات منظمة من جمعيات ونقابات يفتح مجال اَمن لتواجد النساء، ويعزز طرح قضاياهن في المجال العام. لقد كان يتعين على اللجنة إذا أرادت أن تضع توصيات قابلة للتنفيذ وتستجيب إلى الواقع أن تستمع إلى المجتمع المدني، بغية تحديد الاحتياجات والأولويات وبناء شراكة حقيقية تعزز من دور المجتمع المدني.

نظم المجتمع المدني أثناء اجتماعات لجنة وضع المرأة مئات الندوات التي ضمت خبرات متنوعة من النساء في جميع أنحاء العالم، ووفرت فرصة جيدة من أجل تبادل الخبرات والتشبيك، وتنسيق حملات الضغط والمناصرة، وكانت من القضايا البارزة المطروحة في هذا السياق ضرورة العمل على الحشد والضغط في حملات دولية، من أجل العمل على إقرار اتفاقية مناهضة العنف في أماكن العمل التي تعتزم منظمة العمل طرحها في مؤتمرها السنوي في يونيو المقبل في جنيف، كما طُرِحَ بقوة الحق في التنظيم للنساء في القطاع غير المنظم من أجل تعزيز قدرتهن على التفاوض بشأن حصولهن على حقوقهن في العمل والحماية الاجتماعية، وعلى سبيل المثال؛ فقد قدم المجتمع المدني في دول الكاريبي وأمريكا اللاتنينية مبادرة مهمة من أجل إصدار إعلان للحماية الاجتماعية لعاملات المنازل، ويعتزم المجتمع المدني العمل عليه مع الحكومات والنقابات وجميع الجهات ذات الصلة.

كما استمعنا إلى خبرات دول إفريقية ومنها كينيا وأوغندا ودول أسيوية مثل الهند، بشأن مسألة الشركات والسعى لإصدار استرتيجيات وبرتوكولات تلزم الشركات بتطبيق سياسات تكافؤ الفرص وتوفير بيئة عمل محفّزة للنساء، وتقوم أيضًا هذه الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه النساء من خلال إشراكهن في سوق العمل، عبر دعم المشروعات الصغيرة وسلاسل القيمة.

علاوة على ذلك، تم التحدث عن احتياج الدول الفقيرة إلى نظم حماية اجتماعية قوية، كونها الدول التي تعاني من تدهور الخدمات، وضعف نظم الحماية الاجتماعية، وهى الدول التي ترتبط سياستها الاقتصادية والمالية بالعامل الخارجي من خلال اتفاقيات تجارية مع دول أوروبية، ومنها على سبيل المثال، اتفاقيات «التجارة الحرة العميقة» الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية هي: المغرب، الجزائر، تونس، مصر، فلسطين، لبنان، سوريا، الأردن. وكان الاتحاد الأوروبي قد أجرى مراجعة لهذه الاتفاقيات في العام 2015، في إطار مراجعته لسياسات الجوار، وتم تحديد أولويات التعاون بين الاتحاد والدول العربية في  ثلاث محاور وهي: التنمية الاقتصادية لدعم الاستقرار، الأمن، الهجرة وحركة السكان، ويركز جوهر هذه الاتفاقيات على تحرير التجارة وفتح أسواق جديدة لدول الاتحاد الأوروبي، ومكان خارج أوروبا  لإعادة  بعض الصناعات لا سيما الملوثة منها وكثيفة اليد العاملة، ويتم ذلك على حساب تعزيز القدرات الإنتاجية للدول العربية الشريكة، وخلق نموذج تنموي يراعي العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين.

في السياق ذاته، أطلقت مجموعة العشرين مع إفريقيا (CWA – Compact with Africa) في العام 2017، مبادرة من أجل تعزيز الاستثمار في إفريقيا وزيادة الاستثمار الخاص، وانضمت إلى هذه المبادرة – حتى الاَن –  11 دولة أفريقية وهي: بنين وكوت ديفوار ومصر وإثيوبيا وغانا وغينيا والمغرب ورواندا والسنغال وتوغو وتونس، وتفتح المبادرة القارة السمراء أمام استثمارات الدول الكبري. ولم توضح اتفاقية التجارة الحرة المعمّقة ومبادرة العشرين كيف سينعكس ذلك على انخفاض معدلات البطالة، وما هي فرص العمل المستدامة واللائقة للنساء والرجال، فضلًا عن أن محور تمكين النساء في هذه الاتفاقيات ركز على إدماج النساء في القطاع غير المنظم، وهذا القطاع في دول الجنوب قطاع هش بلا حقوق أيضًا، ونظم الحماية الاجتماعية فيه ضعيفة.

ناهيك عن إغراق أغلب هذه الدول العربية والإفريقية في الديون بسبب سياسات الإقراض والتقشف، التي تفرضها المؤسسات المالية ومنها صندوق النقد والبنك الدوليين. كما تعاني شعوب هذه الدول من خطر البطالة والإفقار، وهي مكبلة بالقيود ومحرومة من الحق في التنظيم والتفاوض.

وبمراجعة موازنات هذه الدول نرى محدودية الموارد المخصصة للحماية الاجتماعية والخدمات العامة وضعف البعد النوعي، بالإضافة إلى معاناة عدد من هذه الدول من النزاعات المسلحة، مما يضاعف من معاناة النساء ويزيد من تعرضهن إلى أشكال العنف المختلفة (نفسي- بدني – جنسي – اقتصادي)، ومنهن من أصبحن من ذوات الإعاقة أو النازحات أو اللاجئات، وفي إطار هذه الأوضاع الاقتصادية تنسحب أثارها أيضًا على الأوضاع الاجتماعية.

ودون فتح نقاش جاد بشأن تأثير هذه السياسات التي تفرضها الدول الكبرى على دول الجنوب من أجل خدمة مصالحها الاقتصادية، وتناقض مواقف الاَليات الدولية والمؤسسات المالية من خلال فصل تعسفي تفرضه هذه الدول الكبرى، يجعل مسار الاستثمارات ينفصل عن مسار حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة، مما يؤدى إلى مزيد من التناقض بين توصيات وإجراءات طموحة تصدرها هيئات دولية من ناحية، وممارسات واتفاقيات تحول دون تحقيق هذه التوصيات من ناحية أخرى. استمرار هذه السياسات لن يمكنا من تحقيق الأهداف المرجوة، ونحن أمام تحدٍ واضح مرتبط بأهداف التنمية المستدامة 2030 التي مر على صدورها أربعة سنوات دون أي نتائج ملموسة، وتستمر معها معاناة النساء بسبب غياب المساواة والإفقار.

هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن «ولها وجوه أخرى» وإنما يعبر عن رأي كاتبته/كاتبه