نيويورك – اجتماعات لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة

تحت عنوان «الصحافة وتمكين المرأة: التحديات الجديدة في عصر التكنولوجيا» انعقدت يوم الخميس  14 مارس، جلسة مشتركة بين الدول الأعضاء في مجموعة الأصدقاء لحماية الصحافيين، ومنظمة مراسلون بلا حدود، ولجنة حماية الصحافيين ومؤسسة إعلام المرأة الدولية.

استضاف المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة (ECOSOC) فعاليات الجلسة التي انعقدت في إطار اجتماعات لجنة وضع المرأة في دورتها الـ63، والتي تستمر حتى يوم 22 مارس الجاري بمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.

وقد ركز النقاش على العنف الجنسي الذي تواجهه الصحافيات سواء بشكل مباشر داخل مؤسسات العمل أو عبر الفضاء الإلكتروني، وبدأت الجلسة بكلمة لنائب وزير العمل والشؤون الاجتماعية في دولة ليتوانيا، إحدى الدول الأعضاء في مجموعة الأصدقاء لحماية الصحافيين إلى جانب كل من فرنسا واليونان، شدد فيها على أهمية التعاون من أجل تطوير حلول عملية لمواجهة التحديات التي يواجهها الصحافيين لا سيما الإناث منهم.

وقال نائب الوزير إن الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة للنساء اللاتي يتعرضن للعنف والتمييز الجنسي، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الاهتمام العالمي الواسع والعميق بقضية العنف ضد المرأة، فإن العنف السيبراني يتعقب النساء والصحافيات في مقدمتهن.

وكانت مؤسسة إعلام المرأة الدولية قد كشفت في تقرير نشرته قبل عدة أشهر، عن أن ثلثي الصحافيات يتعرضن للعنف عبر الوسائط الإلكترونية، و7 من كل 10 واجهن هذه التهديدات مرة على الأقل خلال العام الماضي، و90 في المئة أعربن عن قلقهن إزاء التحرش والعنف الجنسي عبر الإنترنت أكثر من نظيره البدني، فضلًا عن أن ثلثي الصحافيات الشابات يعتبرن أن الدافع إلى التخلي عن هذه المهنة هو التعرض اليومي للهجمات عبر الإنترنت.

من جانبها، قالت مارينا بيسفلاني نائبة وزير الشؤون الداخلية لدولة اليونان، إن قدرة الإعلام على تشكيل الرأي العام وتغيير الأفكار، تؤكد دوره المحوري في تحقيق المساواة بين الجنسين، لكن في الوقت نفسه تتنامى المخاوف بشأن ارتفاع معدلات استهداف العاملين بمجال الإعلام بالاعتقال والتعذيب وأحيانًا القتل.

وتابعت «تواجه الصحافيات تحديات مضاعفة، لأنهن يواجهن تهديدات الاعتقال والتعذيب والقتل، إلى جانب العنف على أساس الجنس، الذي يأتي في صور الإساءة والتمييز والتحرش داخل مؤسسات العمل.»

ركزت الجلسة على التعريف بتجارب الصحافيات المتحدثات مع العنف السيبراني، وكيف تفاعلن معه وواجهن إياه. وتحدثت في البداية الصحافية ساندرا مولر مؤسسة الحملة الفرنسية الموازية لحملة #Metoo ، والتي تحمل اسم #balancetonporc.

وقالت «أغلبنا كصحافيات يتعرض للتحرش الجنسي في مجال عمله، ولذلك قررت أن أتحدث عن الشخص الذي تحرش بي، وأعلنت عن اسمه عبر موقع تويتر، وفي غضون ثلاثة أيام استقبلت اَلاف الرسائل المتفاعلة مع شهادتي، حتى اضطر المتحرش للاعتذار عما فعل في صحيفة  Le Monde  الفرنسية.»

أطلقت ساندرا مولر حملتها، بعد أيام قليلة من انطلاق حملة #METOO  في أكتوبر من العام 2017، على خلفية الاتهامات التي واجهها المنتج الأمريكي هارفي واينستين بالاعتداء الجنسي على عدد من النساء العاملات بمجال صناعة الأفلام، وذلك من خلال تغريدة نشرتها عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، تفصح فيها عن اسم رئيسها في العمل الذي تحرش بها جنسيًا، وتدعو النساء للإدلاء بشهاداتهن بشأن وقائع التحرش الجنسي التي تعرضن لها داخل مؤسسات العمل، مذيلةً إياها بوسم   #balancetonporcأي اكشفي خنزيرك، وقد لاقت التغريدة تجاوبًا واسعًا واستقبلت اَلاف الشهادات.

ترى مولر أن النساء ينبغي عليهن كشف ما يتعرضن له من عنف جنسي في أماكن العمل تحديدًا وألا يخشين من فضح مرتكبيه، “لقد حان الوقت للقيام بذلك.”

في كلمتها لفتت مولر إلى أنها ما زالت معنية بمعالجة الإشكاليات التي تعاني منها الصحافيات الفرنسيات، حتى بعد انتقالها إلى الولايات المتحدة، ولذلك أطلقت مطبوعة خاصة من نيوريورك عن النساء في الإعلام بعنوان «La Lettre»، حتى تناقش القضايا التي تخصّهن ولتكون مساحة للتعبير عن أنفسهن.

من جهتها، روّت اَنا كاسبرين، المنتج المنفذ لبرنامج TYT، أحد أهم برامج الأخبار والتحليل السياسي المذاعة عبر موقع YOUTUBE، تفاصيل تعرضها قبل عدة سنوات لنشر صور مفبركة لها، بعد تعديلها وتركيبها على مواد إباحية، مشيرةً إلى أن الصور والمقاطع بدت كما لو كانت حقيقية، وقد أدى ذلك إلى رفض عدد من رؤساء هيئات إعلامية كبرى تعيينها في مؤسساتهن بسبب هذا الأمر.

كما أوضحت أن العنف لم يقف فقط عند حدود الإنترنت، حيث ترجمه بعض الأشخاص إلى أفعال مباشرة، ومنها التهديد بالاغتصاب، وإرسال عاملات بالجنس التجاري إلى منزل والديها لطلب العمل لديهم.

وأردفت قائلة كاسبرين «تخوفي الفعلي هو أن ندع هذه الهجمات وهذا الإرهاب يستمر، لأنه سيدفع بكثير من الصحافيات إلى التخلي عن المهنة وهذا غير صحي للديمقراطية والتنوع. لا يمكننا أن نتركها تمر بل علينا أن نبحث عن حلول.»

فبركة الصور ونشرها على نطاق واسع على الإنترنت، هو الأمر نفسه الذي عانت منه الصحافية الأمريكية تريسي باول التي أسست موقعًا إلكترونيًا يركز على رصد تأثير الإعلام على الفئات الأكثر عرضة للعنف، مثل الأقليات الدينية وأصحاب البشرة الملونة، والمنتمين إلى مجتمع الميم.

وفي بداية حديثها قالت باول «عندما تكونين صحافية تتعاملين مع الشؤون السياسية فأنت معرضة للاستهداف، ولكن أن تكونين صحافية منشغلة بقضايا العنصرية والعرق والجنسانية فلا بد لك أن تحملي الاستهداف على ظهرك طوال الوقت.”

حسب باول فإن موقعها الإلكتروني تعرض للإيقاف بعد أن تناولت من خلاله قضية الإسلاموفوبيا، كما صدمها حجم الهجوم الذي تتعرض له الصحافيات من ذوات البشرة الملونة، ومنهن واحدة تعرضت للهجمات العنصرية عبر الإنترنت التي تحوّلت تباعًا إلى هجمات مباشرة، ولم يكتف مرتكبوها باستهدافها وحدها، وإنما استهدفوا أسرتها بالذهاب إلى منزلهم، وكتابة عبارات مسيئة وعنصرية.

وعن مواجهة العنف الموجه ضد الصحافيات عبر الإنترنت، فقد شددت الصحافية ساندرا مولر مؤسسة حملة   #balancetonpor، على أن الحل يتمثل في تمسك الصحافيات بالقوة في مواجهة هذه الهجمات حتى لا يختلط العالم الافتراضي بالواقعي ويجدن أنفسهن مرغمات على الانشغال بها، لافتةً إلى أهمية ألا يتفاعلن مع هذه النوعية من الرسائل، ويستخدمن خاصية الحظر «BLOCK» تجاه كل من يستهدفهن برسائل مسيئة أو تهديدية.

أما اَنا كاسبرين المنتج المنفذ لبرنامج TYT، فقد أكدت على أن الصحافيات عليهن أن يحمين ذويهن مثلما يحمين أنفسهن، وبالتالي يجب عليهن التوقف عن نشر بيانات أو صور تخص أطفالهن أو أقاربهن، “علينا أن نحافظ على حياتنا الخاصة بعيدًا عن الفضاء الإلكتروني.”

وفي إجابة عن سؤال بشأن  الاَليات التي من شأنها دفع حملات مثل #METOO إلى تحقيق تغيير ملموس، قالت كاسبرين إن هذه الحملة ساهمت في تغيير الثقافة المجتمعية تجاه العنف الجنسي، وجعلت كثير من الرجال يعيدون النظر في سلوكهم مع زميلاتهم في العمل، مؤكدةً على أن الطريق إلى الحل لا يأتي بانتظاره من الحكومة لأنه عادةً ما يأتي متأخرًا وبطيئًا.