“مخدرات – بلطجة – دعارة – عنف – تطرف” هذه هي الصورة النمطية التي يمكن أن يتخذ منها أي مخرج لقطات لفيلم عن العشوائيات، ولا يهتم بالغوص في أعماق هذا المجتمع العشوائي، ليدرك أن هناك شخصيات من لحم ودم، لم تمارس العنف أو البلطجة فى يوم وليلة، لم يهتم الكثيرون بالتعرف على الوجه الاَخر للعشوائيات الذي يملئه الأمل والرغبة في التغيير وتحسين أحواله، نتحدث عن عشوائيات المرج المحرومة من جميع الخدمات والمرافق، ولكن عندما امتدت اليها يد للتغيير، تغلبت على هذه العراقيل والمعوقات.

قصص نجاح ترصدها “ولها وجوه أخرى” من نساء تمكنت من التغلب على الصعاب وسوء أوضاعهن المعيشية والاقتصادية من خلال مشروع تحسين المشاركة الاقتصادية والاجتماعية لنساء المرج، والذى نفذته الجمعية المصرية للتنمية الشاملة .

“ندمانة أنى مكملتش تعليمى”
تحكي سيدة معاطي – 29 عاماً – متزوجة من سنتين – ولديها طفل 10 شهور – “بحب الخياطة والقص واخترت هذه الحرفة بالمشروع وتدربت على أيدي مدربين محترفين، لأن محدش ضامن الحياة ممكن تتغير إزاي، لازم يبقى ليا مشروع خاص بيا، ويكون مستقل”
وتابعت” خايفة من بكرة، وعلى مستقبل ابني، ندمانة أني مكملتش تعليمي خاصة بعد أن أخرجني أهلي بعد الإعدادية، لكني قررت التحق بفصول محو الأمية بجوار المشروع، وتعلمت أيضًا من المشورة النفسية حقوقي وواجباتي مع زوجي، وكيف أتعامل مع زوجي، وأنه لا يمكن الضرب والإهانة يكون حل للمشاكل الأسرية “.
أكدت”سيدة” أن العمل لا يعوق عملها في المنزل وتربية ابنها، بل تساعدها حماتها، خاصة أن الماكينة في نفس الشقة.
“سيدة” تحلم ببناء مصنع كبير وتسوق منتجاتها من الملايات والستائر لكل المحلات داخل وخارج مصر ”
“لأول مرة أجد جمعية أهلية تنزل للعشوائيات وتبحث عن احتياجات النساء”
أسماء عطا – 25 سنة – دبلوم تجارة – لم أجد فرصة عمل بعد التعليم، ولأول مرة أجد جمعية أهلية تنزل للعشوائيات وتبحث عن احتياجات النساء، فالمرج تنقصها كافة الخدمات من تعليم وصحة ومصرف صحي ومياة شرب ملوثة.
أضافت “تعلمت من المشروع كيف اعتمد علي نفسي وأشعر بكياني، أتمنى أن أقوم بفتح محل صغير لبيع المنتجات المنزلية من الستائر، والانتاج والمقابل المادي يكفيني جدًا الشغل شجعني ماديًا ومعنويًا”
وتابعت” العنف من الضرب أو الاهانة منتشر بشدة في المرج، فعندنا ستات أزواجها عندهم لامبالاة أو مسافرين وتتحول الزوجة إلى أب وأم مسؤول عن أكل أفراد الأسرة”.
“استفدت من فصول محو الأمية في مساعدة ابنى محمد في مذاكرة دروسه”
بينما تكشف أم محمد  – 35 عاماً – جانباً اَخراً من مميزات المشروع إذ تمكنت من استخراج بطاقة شخصية برقم قومي، بعد أن ضاعت بطاقتها منذ سنوات ولم تتمكن من الذهاب لاستخراج بديل لها، مشيرة أن البطاقة ساعدتها في الحصول على القرض الذي بدأت به مشروع الخياطة، وتمكنت عن طريق البطاقة من استخراج بطاقة التموين.
وأردفت قائلة “استفدت من فصول محو الأمية في مساعدة ابنى محمد 13 عاماً في الصف الاول الإعدادي، في مذاكرة دروسه، خاصة أنه كان يحتاج مساعدة أثناء الامتحانات”
“المكسب الحلال مفيش أحسن منه”أضافت أم محمد “أصبح لدي زبائن ،ومكسبي يتراوح مابين 20 و30 جنيهًا يومياً، وفي النهاية هي فلوس تسندنا في المعيشة مع زوجي العامل البسيط الأرزقي باليومية ”
“عندما كان يسألنى أحد أبنائي على جملة.. كنت أرد بحزن لا أعرف القراءة”
مرفت كمال – الشرفا بالمرج – صاحبة مشروع صناعة الأكياس الحريمي– 40 سنة – تقول :سبب اختياري للمشروع أنني كنت أعمل في مصنع للأكياس، وكنت أقوم بحشو 1000 كيس ب 25 جنيه يوميًا، وتعلمت من خلال رؤيتي لصاحب المصنع والعمال كيفية القص والخياطة، إلى أن تمكنت عبر مشروع سيديال من الحصول على دورات تدريبية احترافية، وحصلت على قرض لشراء المواد الخام من الجلود، وسارت العجلة وكسبت رزقي.
“يبدأ يومي بعد أن استيقظ مبكرًا لتوصيل أولادي للمدرسة، وبعد عودتي للمنزل استغل هذه الفترة الصباحية أثناء وجودهن بالمدرسة للعمل المنزلي، ثم بعد حضورهن من المنزل أبدأ في العمل ثم اساعدهم في المذاكرة”
وأشارت “مرفت” أن لديها ثلاثة أبناء مازلوا يدرسون بالمدرسة وتتمنى أن تراهم في كليات الهندسة والطب، مضيفة “كل ذلك المجهود والعمل من أجلهم، فقد التحقت بفصول محو الامية بالمشروع من أجل أولادي، وتمكنت من خلاله بمساعدتهم في المذاكرة، بل يجعلهم فخورين بي في المدرسة ويقولوا “أمي بتذاكر لنا”، وذلك أفضل من ذى قبل عندما يسألنى أحدهم على جملة بالكتاب .. كنت أرد بحزن لا أعرف القراءة .
“هناك سيدات مسؤولات عن إحضار كل متطلبات الزوج بدءاً من السجائر حتى الإنفاق على المنزل”
سهام سعد – مساعد مدير المشروع – تقول أن المشروع استهدف مساعدة النساء اللواتى يفتقرن للوعي وأشارت أن تمكينهن اقتصاديًا ليس عن طريق إعطاء مال مباشر، ولكن عن طريق تعليمها حرفة، تعمل من خلالها وتفتتح مشروعاً، وحتى لو لم يكن لديها قدرة مالية نوفر لها قرضاً صغيراً، تحصل على التدريب وتحصل معه على كيفية قرض وكيفية إدارة المشروع الصغير، بالإضافة إلى العمل على الجزء التوعوي للنساء، عبر لقاءات خاصة بكل مجالات الحياة مثل المشاركة الانتخابية، أوهمية استخراج الأوراق الثبوتية، المساواة بين الرجل والمرأة، وتوزيع الحقوق والواجبات بينهم.
أضافت “سعد”: كان لدينا اهتمام أن يعمل معنا كوادر من الجمعيات الشريكة بمنطقة المرج، وتم توفير تدريبات فنية لهن للاطمئنان لمقدرتهن على توصيل المعلومة وتنفيذ الخدمة عن طريق تقديم الدعم الفني لهن في 20 يوم تدريبي على موضوعات خاصة بالمراة، ومرتبطة بالمشروع لعدد 18 من القيادات النسائية، اشتملت التدريبات على محاور عدة أبرزها: حقوق المراة الاستماع والمساعدة الاجتماعية، صحة المرأة والصحة الانجابية وصحة الأطفال، وختان الإناث، استراتيجيات لتعزيز المساواة بين الجنسين داخل المجتمعات المحلية، فضلاً عن مهارات الإدارة والرصد اللازمة للمشروعات للتمكين الاقتصادي.
وتابعت”نسب التعليم كانت منخفضة جدًا بين السيدات وانحصرت في القراءة والكتابة فقط أو حتى الإعدادية، وهذا تم تغطيته عبر فصول محو الأمية، والنساء يعشن تحت خط الفقر، أغلب من تعامل معهن المشروع نساء معيلات، فهناك سيدات كن مسؤولات عن إحضار كل متطلبات الزوج بدءاً من السجائر حتى الإنفاق على المنزل”.
أما عن الاستشارات القانونية التي نظمها المشروع للسيدات ساعدت على رفع وعيهن القانوني،خاصة أن الكثيرات منهن تعرضن للنصب في عقود إيجار فضلاً عن أغلب قضايا الغارمات يكون سببها الإمضاء على إيصالات بمبالغ كبيرة نظراً لعدم معرفتهن بالقراءة والكتابة ونحتاج إلى تعميم المشروع في أماكن كثيرة بمصر، ويخدم فئات محرومة من الشعب المصري.
“السيدات أكثر ميلًا للخياطة والكوافير، ولكن أصبح هناك إقبال على صناعة المنظفات نظرًا لارتفاع الربح الاقتصادي منها “
فتحية محمد – منسق ميداني بوحدة التدريب الحرفي  بمشروع سيدال تقول “عملنا في المشروع منذ 2013، وضم أنشطة مختلفة، والوحدة كانت مسؤولة عن تقديم تدريب شامل للنساء المستهدفات من المشروع بدءاً من الوعي واستشارات نفسية وقانونية وتنوعت الحرف مابين خياطة وكوافير وصناعة عطور وشمع واكسسوار ومنظفات، ولم نفرض حرفة معينة على السيدات، ولكن نتيح لهن فرص الاختيار لأقرب حرفة يكن قادرات على الانتاج بها، وتختلف مدة كل تدريب وفق احتياج كل منهم والسيدات أكثر ميلاً للخياطة والكوافير، ولكن أصبح هناك إقبال على صناعة المنظفات نظرًا لارتفاع الربح الاقتصادي منها .
وأردفت: أكثر الصعوبات هى رفض الزوج لخروج الزوجة لحضور تدريب وترك المنزل وتربية الأطفال، أو مخاوف من التأخر وغياب وسائل مواصلات اَمنة، خاصة أن منطقة مثل بو عليان بكمال رمزي بالمرج تعاني من نقص الخدمات، حيث تغيب المدارس والمستشفيات، وكانت النساء يضطررن من توصيل أبنائهن إلى مدارس بمدينة السلام وينتظرن طوال اليوم حتى يعودن بهم إلى المنزل، ولكن مع مرور الوقت، اقتنع الأزواج بقدرة السيدة على تنظيم وقتها بين التدريب والمنزل والعمل في النهاية وتحقيق عائد اقتصادي للأسرة.
ولفتت “محمد” إلى أنه من أبرز النجاحات التي كانت بمشروع ساديا، هو شغف السيدات ومبادرتهن للمجيء للجمعية وطلب الحصول على تعلم حرفة أو مهنة، لتحسين أوضاعهن المعيشية، فضلاً عن نجاح مشروع الاستشارات النفسية الذي كان يقابل بخوف شديد وصمت من النساء في الحديث عن مشكلاتهن مع أزواجهن، وكانوا يعتقدوا أن الطبيب النفسي هو مخصص “للمختلين عقلياً” فقط .
وتابعت” أغلب السيدات لأزواج (أرزقية) يعملون باليومية، وبعضهن مطلقات وأرامل أو متزوجات من أزواج عاطلين عن العمل، من باب البلطجة والعنف ضد المرأة وإجبارها أنها مسؤولة عن الانفاق على المنزل”.
“أصبح لدى النساء قدرة على الحكي عما هو مسكوت عنه من جرائم التحرش الجنسي بالأطفال داخل الأسرة”
فاتن محمد – منسق ميداني بالجمعية المصرية للتنمية الشاملة تقول: المشروع لعب دوراً مهماً في حياة السيدات وغيرها 180 درجة، بعد أن كانت السيدات يشعرن بالتهميش والعنف ضدهن من قبل أزواجهن، وغير متعلمات، فأصبح لديهن وعي بحقوقهن، فالتدريب وخاصة جلسات المشورة النفسية لعبت دوراً مهماً في كسر حاجز الصمت والخوف لدى النساء، وأصبح لديهن قدرة على الحكي عما هو مسكوت عنه من جرائم التحرش الجنسي بالأطفال داخل الأسرة، مثل حكي إحدى السيدات عن تعرض ابنتها للتحرش على يد خالها، أما الاستشارات القانونية قدمت معلومات مهمة جدًا عن الزواج والطلاق والخلع، والنفقة وهي مشكلات العشوائيات.
وتشير أن التعليم السيدات هو حجر الأساس في تمكين النساء في مصر ،فمحو الامية للاناث هو الخطوة الاولي للتعرف علي حقوقها وواجبتها .
“التوعية ساهمت في رفع وعي النساء حول أشكال العنف ومنها نبذ ختان الإناث المنتشر في هذه المناطق العشوائية”
صباح حسني الخفش – المدير التنفيذي للجمعية المصرية للتنمية الشاملة ترى أهمية المشروع تكمن فى تنفيذه في قري صعبة داخل المرج، قري لا أحد يذهب إليها تعاني من وجود العشوائيات، ويتجاوز عدد سكانها 2 مليون نسمة، في ظل انعدام الخدمات وقلة الامكانيات، ومن خلال تنفيذ مشروع تم تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لنساء المرج، وتم توفير بعض الخدمات غير المتوفرة مثل الخدمة الصحية والطبية والتعليمية.
و تقول “نجح المشروع في خلق قصص نجاح للسيدات وتوفير مهن لهن، فبدلاً من شكواهن الدائمة من نقص الموارد الاقتصادية والفقر الذي يترتب عليه التسرب من التعليم للأطفال والمرض، وكافة الأمراض الاجتماعية الخطيرة”
أضافت الخفش: لم نكن نستطيع تحقيق ذلك التمكين الاقتصادي للنساء دون تعليم وتوفير رعاية صحية ونفسية شاملة للسيدات، حتي يتم تشجيعهن على امتهان بعض الحرف التي تحقق عائد اقتصادي له، مشيرة أن التوعية ساهمت في رفع وعي النساء حول أشكال العنف ومنها نبذ ختان الإناث المنتشر في هذه المناطق العشوائية، فضلاً عن التوعية السياسية وكيفية اختيار المرشحين الذين يقدمون برنامج حقيقي وليس تقديم الزيت والسكر  لأن الأمية تصل إلى 70% من النساء.
كما أشارت أن المشروع نجح في توفير بطاقات الرقم القومي للنساء وشهادات الميلاد للاطفال ، وهي خدمات كان من المفترض ان تقدمها الحكومة ولكن لم تصل هناك.
“العادات والتقاليد تؤثر في أسلوب علاج الأمهات لأبنائهم، حيث يتم تشويه الإناث بحرق في أجسادهن في أعضائهن التناسلية عكس الذكور”
الدكتورة داليا الشيمي – أخصائي العلاقات الزوجية ومدير مركز “عين على بكرة” استشارية نفسية للمشروع – أنها قابلت أكثر من 700 سيدة بالمشروع كانوا يحتجن إلى الدعم والإرشاد النفسي مشيرة أن النظرة تغيرت إلى الطبيب النفسي بعد أن كانت فئات واسعة وخاصة في المناطق الفقيرة تنظر إلى الطب النفسي كنوع من الرفاهية أو وصمة عار، نجد المسالة تغيرت والنساء بأنفسهن اصبحن يقبلن علي الاستشارات النفسية .
وشددت “الشيمى” على أن أغلب المشكلات لدى نساء المرج تركزت في غياب الوعي النفسي وممارسة العادات والتقاليد الخاطئة التي أصبحت لها قدسية الدين داخل المرج، وهو نموذج للأحياء المحرومة التى يغيب عنها التعليم والصحة، فضلاً عن مشكلات الفقر أحد أبرز القضايا التي يترتب عليها ضغوط نفسية تدفع الزوجة بشكل أساسي ثمنها داخل الأسرة، ويترتب عليها كافة أشكال العنف سواء الموجه ضدها ثم الذي تصدره بعد ذلك للأطفال.
وأوضحت أن البرنامج قدم للنساء إرشادات يتعاملن بها مع كافة الضغوط التي تواجههن، وتساهم في تحسين ظروفهن الزوجية والمعيشية، منها مايخص الأطفال، وتغيير معاملة الأم مع الطفل المريض خاصة أن العادات والتقاليد تؤثر في أسلوب العلاج، حيث يتم تشويه الإناث بحرق في أجسادهن في أعضائهن التناسلية عكس الذكور الذين يتبلون بشكل لا إرادي، لأن السيدات في المرج يعتقدن أن البنات يسببن العار ولن يتزوجن إذا ما استمروا يعانين من التبول، فضلاً عن استشارت نفسية حول جرائم التحرش الجنسي داخل الأسرة من الأقارب أو الزوج، وتوعية النساء كيفية التعامل معها، وضرب الأزواج، وانتشار ختان الإناث والزواج المبكر.