أيام قليلة تفصلنا عن نهاية عام 2018، وقبل الرحيل يعيد كثيرون النظر في هذا العام، بمكاسبه وخساراته، بما ضمه من إنجازات وما اشتمل عليه من خسارات، بمحطاته البارزة وشخصياته المؤثرة. وهناك من يتوقف أمام الشخصيات التي رحلت خلال هذا العام، لا سيما أصحاب البصمات التي لا يمكن أن يُمحى أثرها حتى بعد الرحيل. اخترنا من بين هؤلاء عددًا من النساء اللاتي رحلن، بينما ستظل أسماؤهن حية ومنجزاتهن باقية.

ماري أسعد – مصر

في العام 2016 بدأ سريان التعديلات التي أقرها البرلمان المصري على قانون العقوبات، التي بموجبها جرى تشديد العقوبة ضد جريمة تشويه الأعضاء التناسلية والمعروفة باسم “ختان الإناث”، بما يرفعها إلى السجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7سنوات لكل من أجرى ختان لأنثى، كما تصل العقوبة الى السجن المشدد 15 عامًا إذا تسبب الفعل في إصابتها بعاهة مستديمة أو أفضى إلى الموت.

هذه الخطوة جاءت بفضل جهود وحملات ومعارك كثيرة خاضتها نسويات منذ خمسينيات القرن الماضي، وعلى رأسهم ماري باسيلي أسعد التي رحلت عن عالمنا في 30 أغسطس الماضي، عن عمر يناهز الـ96 عامًا.

ولدت أسعد في الــ16 من أكتوبر في العام 1922، ودرست علم الإنسان والاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وشغلت لفترة منصب أستاذة للأنثروبولوجيا بالجامعة نفسها. وتعتبر  الراحلة من أبرز المناهضات لجريمة ختان الإناث، ويأتي من بين أهم إنجازاتها في هذا الصدد، تدشين تحالف في تسعينيات القرن الماضي بين منظمات المجتمع المدني والإعلام والحكومة معًا للعمل على التوعية بمضار ختان الإناث، ومثّل هذا التجمع أساسًا لحملة اشتركت فيها منظمات وجمعيات أهلية للإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية في العام 1994، الذي كانت واحدة من مخرجاته تنص على إلزام الحكومات باتخاذ إجراءات من شأنها القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.

علاوة على ذلك، فقد أسست مركزًا لتوثيق الأبحاث والمعلومات الخاصة بختان الإناث، استهدف العمل مع مشايخ وأنباوات في إطار مكافحة الظاهرة.

قدمت أسعد  دراسة عن ختان الإناث في مصر وشاركت بها في الاجتماع الذي عقدته منظمة الصحة العالمية في الخرطوم عن الممارسات الضارة بصحة المرأة.

مي سكاف – سوريا

تضاربت الروايات حول أسباب وفاة الممثلة السورية مي سكاف التي رحلت في الـ23 من يوليو الماضي عن عمر يناهز الـ49 عامًا، في العاصمة الفرنسية باريس، وأعلنت تقارير صحافية أن سبب الوفاة هو أزمة قلبية ثم أعلنت أسرتها أن السبب هو نزيف شرياني دماغي حاد، يعود سببه لمرض سابق، كما أكد ابنها أن حالتها الصحية ساءت في أيامها الأخيرة حزنًا على الأوضاع في سوريا.

ولدت مي سكاف في الـ13 من إبريل في العام 1979، في العاصمة السورية دمشق، ودرست الأدب الفرنسي بجامعة دمشق. وفي العام 1991، أدت دور البطولة في أول ظهور سينمائي لها وهو الفيلم السوري “صهيل الجهات”، ثم شاركت في فيلم “صعود المطر”، كما لعبت أدوارًا رئيسة وثانوية في نحو 37 مسلسلًا تلفزيونيًا وثلاث مسرحيات.

انضمت سكاف إلى الثورة المناهضة لنظام بشار الأسد منذ يومها الأول، وتعرضت للاعتقال في صيف العام 2011 مع عدد من الفنانين الذين كانوا يستعدون للخروج في مظاهرة مناوئة للنظام. ثم أحيلت إلى محكمة الإرهاب التي وجهت إليها عددًا من التهم، منها المساس بأمن الدولة.

تعرضت تباعًا إلى مضايقات وتهديدات دفعتها إلى مغادرة سوريا سرًا في العام 2012، متجهة إلى الأردن ومنها إلى فرنسا، لتعود إلى السينما بتقديم فيلم قصير بعنوان “سراب”. لقبت بالفنانة الثائرة والفنانة الحرة لمواقفها الداعمة للحريات ومناهضة القمع والاستبداد، فهي صاحبة القول “أنا مي سكاف .. لا أعرف أنا ماذا؟ وسأظل لا أعرف إلا معنى واحدًا ووحيدًا: يسقط الاستبداد”.

ريم بنا – فلسطين

في الـ24 من مارس الماضي، سادت حالة من الحزن بين جمهور المغنية والملحنة ريم بنا إثر رحيلها، بعد معاناة مع مرض السرطان الذي سبق أن انتصرت عليه ولكنه عاد وهاجم جسدها.

ولدت بنا في ديسمبر من العام 1966 بمدينة الناصرة، واحترفت الغناء بعد تخرجها في المعهد العالي للموسيقى في العاصمة الروسية موسكو في العام 1991. كان لأغانيها طابع خاص ومميز، إذ ركزت على إعادة تعيد تقديم التراث الفلسطيني بطريقة مختلفة، حتى لا ينقطع الناس عن سماعه ويصل إلى مستمعين أكثر حول العالم.

أطلقت ألبومها الأول بعنوان “جفرا” في العام 1985، ثم أطلقت الثاني في العام 1986 واختارت له عنوان “دموعك يا أمي”، واستمر إنتاجها الموسيقي لتكون المحصلة 16 ألبومًا غنائيًا.

كما اشتهرت بنا بأغانيها الوطنية ويشهد لها كثيرون بدورها البارز في الحفاظ على عدد كبير من الأغاني التراثية الفلسطينية لاسيما أغاني الأطفال. أثّرت إصابتها بسرطان الثدي على مسيرتها المهنية وأجبرتها الإصابة بشلل في الوتر الصوتي الأيسر على اعتزال الغناء.

فازت ريم بنا بجائزة فلسطين للغناء في العام 2000، كما حصلت على جائزة ابن رشد للتفكير الحر للعام 2013، وفي العام 2016 اختارت وزارة الثقافة الفلسطينية ريم بنا شخصية العام الثقافية.

 

الطفلة زينب الأنصاري – باكستان

في الـ4 من يناير الماضي، قُتلت طفلة باكستانية تدعى زينب الأنصاري، تبلغ من العمر 7 أعوام، وقد شغلت الجريمة الرأي العام المحلي والعالمي على حد سواء، خاصة بعد العثور على الجثة وثبوت تعرض الصغيرة للتعنيف والاغتصاب قبل القتل.  وقد دشن مستخدمو موقعي التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وسم #العدل_لزينب، الذي حصد ما يقرب من ربع مليون تغريدة، ولم يقتصر التفاعل مع القضية على الإنترنت فقط، فقد تظاهر مواطنون باكستانيون في مدينة قصور مسقط رأس الطفلة، منددين بتقاعس الأمن عن حماية الفتيات من هذا الخطر.

وكانت جثة الأنصاري قد عُثِر عليها يوم الـ9 من يناير، ملقية بالقرب من إحدى حاويات القمامة في مدينة قصور بإقليم البنجاب، وذلك بعد اختفائها قبل عدة أيام، وأوضحت كاميرات المراقبة مرافقة رجل غريب للطفلة يوم اختفائها، إلا أن الصور الأولى لم تكشف هوية الرجل لضعف جودتها، مما أدى إلى تأخر الوصول إلى الجاني. وفي الـ23 من الشهر نفسه، ألقت الشرطة القبض على مرتكب الجريمة وهو شخص يدعى عمران علي، كان يقطن بالحي نفسه الذي تعيش فيه الأنصاري وأسرتها.

اعترف علي بجريمته كما أظهر فحص الحمض النووي ارتكابه سبع جرائم مماثلة بحق طفلات قاصرات، تتراوح أعمارهن بين 4 و9 سنوات منذ العام 2015. وفي أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة باكستانية أربعة أحكام بالإعدام بحق المتهم ورفضت كل طلبات الطعن التي تقدم بها، ثم نفذت السلطات الحكم في أكتوبر الماضي في سجن بمدينة لاهور.

وعلى خلفية ما كشفته الجريمة البشعة من تقصير وثغرات، طالبت شخصيات حزبية ونشطاء بتشديد القوانين المتعلقة بسلامة الأطفال وحمايتهم، بعد أن أرجعوا تكرار هذه الجرائم بحق الطفلات في باكستان عمومًا ومدينة قصور خصوصًا، إلى وجود ثغرات في النظام القضائي والشرطي، فضلًا عن خوف الأسر من البوح بهذه الجرائم بسبب الأعراف الاجتماعية.

مديحة يسري – مصر

هي واحدة من أهم وأبرز الممثلات إبان ما عرف بالعصر الذهبي للسينما المصرية وتحديدًا خلال الأربعينيات. ولدت مديحة يسري الملقبة بـ”سمراء النيل” في الـ3 من ديسمبر في العام 1921 بحسب أغلب المصادر، ورحلت في مايو الماضي عن عمر ناهز الـ96 عامًا بعد صراع مع المرض أدى إلى فقدان القدرة على الحركة ومكوثها في المستشفى لعدة شهور.

تركت يسري خلفها مسيرة فنية حافلة تحوي ما يزيد عن 90 فيلمًا سينمائياً فضلًا عن 12 مسلسلًا تليفزيونيًا، وقد بدأت رحلتها في عالم السينما بمشهد صامت في فيلم “ممنوع الحب” من بطولة محمد عبد الوهاب في العام 1942، ثم حصلت في العام نفسه على فرصتها الأولى في فيلم “أحلام الشباب” من بطولة فريد الأطرش وتحية كاريوكا، وكان اَخر ظهور سينمائي لها في العام 1994 من خلال فيلم “الإرهابي” من بطولة عادل إمام، بينما امتد مشوارها عبر المسلسلات التلفزيونية حتى العام 2002، الذي شهد اَخر مشاركة لها من خلال مسلسل “يحيا العدل” من بطولة مرفت أمين ومصطفى فهمي.

ودخلت يسري مجال الإنتاج السينمائي في الخمسينيات، فقدمت “الأفوكاتو مديحة” في العام 1950، و”وفاء للأبد” في العام 1953، و”قلب يحترق” في العام 1959، وجميعها من بطولتها.

في العام 1998، عينها رئيس الجمهورية اَنذاك عضوة بمجلس الشورى المصري، ويذكر لها خلال هذه الفترة تقديمها لمقترح بإنشاء قسم لفنون السينما وقسم للقصائد والأغاني داخل مكتبة الإسكندرية، وإنشاء بنك يدعم السينما المصرية، إلى جانب اهتمامها بقضايا دعم المرأة وتمكينها.

اَمال فهمي – مصر

“سيدة الناصية” و”ملكة الكلام” هما أشهر لقبين نالتهما الإذاعية آمال فهمي، التي ولدت في العام 1926، ورحلت في الـ8 من إبريل الماضي، دخلت المجال الإعلامي من خلال البرامج الحوارية، وقضت 47 سنة تحاور الشخصيات العامة، ما بين السياسية والفنية والرياضية.

وقد وصفت فهمي العمل الإذاعي بالفن التشكيلي، لأنه يثير خيال المستمع، وذلك لتوضيح سبب رفضها العمل من خلال التلفزيون، بعد ظهور وحيد على الشاشة في مشهد في فيلم “حكاية حب” مع المطرب عبد الحليم حافظ.

عُينت فهمي بالإذاعة المصرية في العام ١٩٥١، وكان أول برنامج قدمته عبر الإذاعة هو “حول العالم” الذي يعرض تسجيلات نادرة، إلا أن  أشهر برامجها هو “ع الناصية” الذي بدأته في العام 1957، وحققت من خلاله شهرة واسعة في الشارع المصري واستمر لمدة 50 عامًا.

كانت أول من أدخل الفوازير إلى الإذاعة العربية في العام 1955 مع بيرم التونسي ثم صلاح جاهين، وحولت تحقيقاتها الصحافية إلى تحقيقات إذاعية فأضحت الإذاعية الوحيدة التي تحصل على جائزة مصطفى وعلي أمين للصحافة، وكانت أول سيدة تترأس إذاعة الشرق الأوسط في العام 1964، كما تولت مناصب أخرى عديدة، من بينها منصب وكيل وزارة الإعلام، ومستشار وزير الإعلام، ومستشار الإذاعة المصرية خلال الثمانينيات.

اَمال فهمى بين يوسف وهبي ومحمد عبد المطلب

عطيات الأبنودي – مصر

سفيرة الأفلام التسجيلية هو اللقب الأبرز للكاتبة والمخرجة والمنتجة عطيات عوض أو عطيات الأبنودي، التي ولدت  في أكتوبر من العام 1939 في مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، ورحلت في أكتوبر أيضًا لكن بعد 79 عامًا. درست القانون في كلية الحقوق ومع إعلان معهد السينما في  العام 1968قبول دفعة من خريجي الجامعات لدراسة فنون السينما لمدة سنتين، تقدمت للالتحاق بقسم الإخراج. وقدمت فيلمها الأول “حصان الطين” في العام 1971،  ليحصد العديد من الجوائز الدولية منها، الميدالية الذهبية في مهرجان قليبية في تونس، والجائزة الكبرى في مهرجان جرينوبل في فرنسا 1973.

وتعتبر المخرجة الراحلة رائدة في السينما التسجيلية، واهتمت بأن تكون أفلامها عن الواقع الاجتماعي المصري وأن توثق لحيوات المواطنين الكادحين لا سيما النساء منهم، فتركت ما يقرب من 25 فيلمًا تسجيليًا ومن أبرزها؛ “أغنية توحة الحزينة” و”أحلام البنات” و”بطلات مصريات” و”نساء مسؤولات” و”راوية” والأحلام الممكنة”.

فضلًا عن الأفلام، صدر لها عدد من الكتب، ومن أبرزها “أيام السفر” الذي تتحدث فيه عن عملها كمخرجة، ومن كلماتها في هذا الكتاب”لم أكن أعلم في أعوام الستينيات أنني سأختار في المستقبل أن أصبح مخرجة سينمائية. كانت إرهاصات البحث عمن أكون وماذا أستطيع أن أفعل بحياتي، وهل سوف يكون لي دور ما، وأحقق حلم اليقظة الذي كان ينتابني دائمًا. كنت ألخص هذا الحلم لنفسي بأن أقول: عندما أموت.. سوف تخرج كل الناس من ورائي.. حزنًا. لقد كان غريبا هذا الحلم، لكن ربما.. كانت عادة مصرية قديمة.. هكذا.. نتحدث عن الموت ونحن في قمة ولعنا بالحياة.”

فتحية مزالي – تونس

فتحية مزالي هي أول امرأة في تونس تتولى حقيبة وزارية، إذ أسنِدَت إليها في العام 1983 وزارة مستحدثة، وهي وزارة العائلة والنهوض بالمرأة، واستمرت في منصبها حتى العام 1986 ثم ألغيت الوزارة.

ولدت مزالي في الــ6 من إبريل في العام 1927 بالعاصمة التونسية، ورحلت في الشهر نفسه من العام الجاري. استكملت مزالي دراستها العليا في فرنسا حيث حصلت على الإجازة في الفلسفة في العام 1952، وكانت بداية مشوارها المهني في مجال التعليم، إذ شغلت منصب معلمة بمدرسة ترشيح المعلمات في العاصمة تونس، ثم تولت إدارة المدرسة ومن بعدها تم تعيينها في اللجنة القومية للتعليم.

في الوقت نفسه، انشغلت مزالي بالشأن النسوي، وشاركت في تأسيس الاتحاد القومي النسائي في العام 1956، الذي تولت رئاسته لاحقًا وتحديدًا في العام 1974 خلفًا للناشطة النسوية راضية الحداد، واستمرت على رأس الاتحاد حتى العام 1986. قدمت أبحاثًا ومحاضرات عن عدد من القضايا مثل؛ تحديد النسل والنهضة الاجتماعية، المرأة المثقفة في البلاد المتجهة إلى النمو، شخصية المرأة التونسية، النهضة الاجتماعية وتنظيم النسل.

شاركت في تأسيس الجمعية التونسية للتنظيم العائلي في العام 1968 وأسندت إليها مهمة نائبة الرئيس.

على المستوى السياسي، انضمت إلى اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري في العام 1974 ثم عينت عضوة في الديوان السياسي أعلى هيئة قيادية في الحزب نفسه بعد خمس سنوات، وانتخبت بمجلس النواب في سنوات 1974، 1979، 1981، كما تولت منصب نائبة رئيس المجلس.

إنعام المفتي – الأردن

تعتبر إنعام المفتي المولودة في الـ6 من فبراير في العام 1929 والمتوفّاة في الـ6 من نوفمبر الماضي، أول وزيرة في تاريخ الأردن. فقد اعتلت منصب وزيرة التنمية الاجتماعية في حكومة رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد الحميد شرف في العام 1979، واستمرت في منصبها في حكومتين اَخريين.

وفي العام 1984 شغلت منصب سفيرة في وزارة الخارجية، ثم انتقلت إلى موقع مستشارة للملكة نور (زوجة ملك الأردن الأسبق الحسين بن طلال)، وأطلقت مؤسسة نور الحسين في العام 1985، وعملت من خلالها على برامج تهدف إلى القضاء على الفقر والتنمية المستدامة، وتمكين النساء والتمويل الأصغر، والصحة والفنون كوسيلة للتنمية الاجتماعية.

ويأتي من أبرز منجزاتها إنشاء وإدارة معهد تدريب المعلمات والتدريب المهني للفتيات التابع لليونسكو والأونروا، وتأسيس الاتحاد النسائي الأردني العام، وتدشين ورئاسة الاتحاد الوطني لصاحبات الأعمال والمهن.