منذ اغتيالهن في الـ25 من نوفمبر في العام 1960، أضحى الأخوات ميرابال الدومينيكيات رمزًا للمقاومة والنضال والبسالة في مواجهة العنف الموجه ضد النساء، ولذلك قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1999 تخليد ذكراهن، من خلال الاحتفال سنويًا باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة بالتزامن مع يوم وفاتهن.

وقد سبقت الناشطات النسويات الأمم المتحدة في قرارها واخترن في العام 1981 ذكرى اغتيال الأخوات ميرابال، ليكون يومًا عالميًا للقضاء على العنف ضد المرأة.

وكانت الشقيقات الثلاث باتريا ومينيرفا وماريا، قد لقين حتفهن إثر عملية اغتيال باستخدام الهراوات، قام بها شخصان تابعان للديكتاتور رافائيل تروخيو، حاكم جمهورية الدومنيكان في ذلك الوقت، ثاني أكبر الجمهوريّات في البحر الكاريبي بعد دولة كوبا.

عُرِفت الأخوات الثلاث باسم الفراشات  “Las Mariposas” أثناء عملهن السياسي السري ضد تروخيو. وقد نشأن وأختهن الرابعة ديدي بين أسرة ريفية ثرية، وبسبب انفتاح الأبوين وإدراكهما لأهمية التعليم للإناث كما هو للذكور، تمكنت الثلاث من الالتحاق بالمدرسة وإتمام الدراسة الجامعية، بينما عكفت ديدي على مراعاة والديها وإدارة شؤون المنزل. وتأثرت الفتيات الأربع باَراء عمهن الذي انخرط في النشاط السياسي ضد تروخيو الذي حكم البلاد في الفترة من العام 1930 وحتى اغتياله في العام 1961.

الأخوات ميرابال

في يوم ما، تلقت الأسرة دعوة لحضور حفل في قصر الحاكم واضطروا إلى تلبيتها خوفًا من تداعيات الرفض، لتكون هذه الليلة وهذا الحفل هما بداية الصراع المباشر بين الأخوات والديكتاتور.

بحسب العديد من الروايات، تعرضت مينيرفا إلى التحرش الجنسي من قبل تروخيو أثناء الحفل، وهو ما أدى إلى انفعالها عليه وإهانته أمام الحاضرين، ثم رحيلها وأسرتها من الحفل في ظل ذهول الجميع مما فعلته وترقبهم لردة فعل الديكتاتور المتعجرف.

وكان ذلك بداية العنف ضد أسرة ميرابال كلها، وفي مقدمتها مينيرفا التي حرمها تروخيو من الحصول على ترخيص العمل كمحامية بعد إتمام دراستها للقانون بالجامعة، ولم يكن هذا عقابًا على فعلتها التي أرغمها على الاعتذار عنها، حتى يطلق سراح والدها الذي اقتادته الشرطة بعد الحفل المذكور إلى السجن، وإنما كان إنذارًا وتحذيرًا مما هو أسوأ إذا استمرت في معارضته، فقد بدأ نشاط مينيرفا السري لإسقاط حكم تروخيو أثناء دراستها بالجامعة، وانضمت إليها شقيقتيها باتريا وأنطونيا.

علم الديكتاتور عن طريق أجهزته بنشاط مينيرفا وشقيقتيها، فجرى اعتقالهن أكثر من مرة وتعرضن لأشد أنواع التعذيب، وهو ما تكرر مع أزواجهن المنخرطين في الحِراك ضد الديكاتور أيضًا.

في العام 1960، أرسلت منظمات حقوقية أمريكية مراقبين إلى جمهورية الدومينيكان، وبمساعدة هؤلاء أفرجت السلطات عن الشقيقات الثلاث، بينما أبقي على أزواجهن في السجن.

لكن تروخيو أبى أن تعيش الفراشات ويهددن عرشه، فقرر التخلص منهن، فأرسل اثنين من اتباعه من أعضاء قوة الشرطة السرية، ليلحقا بالفتيات الثلاث أثناء عودتهن من زيارة إلى أزواجهم في المعتقل متجهين إلى المنزل.

وبحسب اعتراف الجنرال بوبو رومان، قائد القوات المسلحة في عهد تروخيو، فقد أوقف الرجلان سيارة الأخوات ميرابال وأبعدا السائق عنهن، ثم هجما عليهن بالهراوات وضرباهن حتى الموت. جمع القاتلان جثثهن وألقيا بها في سيارة دفع رباعية على الطريق الجبلي لتبدو وفاتهن نتيجة حادث سير. لكن هذه القصة لم يصدقها العوام، ولذلك لعب اغتيال الأخوات ميرابال دورًا في تأجيج الغضب الشعبي ضد تروخيو الذي قتله مجهولون رميًا بالرصاص في الـ30 من مايو في العام 1961.

أما الشقيقة الرابعة ديدي التي كانت الناجية الوحيدة من مجزرة تروخيو، عاشت وقد عاهدت نفسها على أن تحافظ على ذكرى شقيقاتها، وفضلًا عن توثيقها لنضالهن من خلال كتاب «يعيشون في حديقتي» الذي نُشِر في أغسطس من العام 2009، فقد أقامت متحفًا باسم «إيرماناس ميرابال- Museo Hermanas Mirabal»، وهو المنزل الذي سكنته الشقيقات خلال الأشهر الأخيرة قبل اغتيالهن.

علاوة على ذلك، خلدت شركة متروغولدين ماير الأمريكية للإنتاج السينمائي، قصة الأخوات ميرابال من خلال فيلم أنتجته في العام 2001، بعنوان «في زمن الفراشات» وقد اقتبس صناعه القصة عن رواية بالاسم نفسه للكاتبة الأمريكية من أصول دومينيكانية جوليا ألفايز.