ليست مجرد أرقام: دلالات الفوز الكبير للنساء في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية
حققت النساء الأمريكيات انتصارًا غير مسبوق، في الانتخابات النصفية لأعضاء مجلس النواب والشيوخ (الكونغرس) التي أجريت في السادس من الشهر الجاري، ونجحن في الاستحواذ على 107 مقعدًا، بما يشكل 20 في المئة من إجمالي المقاعد التي يبلغ عددها 535 مقعدًا.
وقبل التجديد النصفي، كان عدد النائبات في مجلس النواب 84 سيدة، 61 منهن عن الحزب الديمقراطي و23 عن الحزب الجمهوري، بينما يضم مجلس الشيوخ 23 نائبة من بينهن 17 نائبة ديمقراطية و6 نائبات جمهوريات.
وكان عدد النساء اللاتي قررن الترشح للمنافسة في انتخابات الكونغرس في العام 2016، قد بلغ 300 امرأة لكنه ارتفع إلى 529 في انتخابات التجديد النصفي؛ 387 منهن ينتمين إلى الحزب الديمقراطي في مقابل 142 يمثلن الحزب الجمهوري، وبعد مراحل الاختيار والتأهل داخل الحزبين نافست 198 مرشحة عن الحزب الديمقراطي و59 عن الحزب الجمهوري في الانتخابات التي تعد نتائجها انتصارًا تاريخيًا للنساء، خاصة أنها شهدت وصول نساء لم يتم تمثيلهن من قبل في الكونغرس؛ فلأول مرة تُنتَخب امرأتان من السكان الأصليين، وامرأة مسلمة من أصول فلسطينية، وامرأة ترتدي الحجاب الإسلامي، كما فازت لأول مرة امرأة ذات بشرة سوداء من ولاية ماساتشوستس في انتخابات الكونغرس، ووصلت كذلك أول امرأة من ولاية اَيوا وأول امرأة من ولاية تينيسي إلى مجلس النواب، وأخيرًا ستجلس امرأة من ولاية أريزونا تحت قبة مجلس الشيوخ، فضلًا عن فوز امرأة بمنصب حاكم ولاية ساوث داكوتا في سابقة لم تعهدها الولاية وهو الحال نفسه لولاية مين، كما شهدت هذه الانتخابات انتخاب أصغر نائبة في الكونغرس وعمرها 29 عامًا.
وكانت هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women) قد أصدرت بيانًا عقب الإعلان عن نتائج انتخابات التجديد النصفي، اعتبرت فيه “الرقم القياسي” للنساء اللاتي ترشحن في هذه الانتخابات تقدمًا غير مسبوق وإنجازًا حاسمًا في مجال المساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة.
وأضافت الهيئة في بيانها أن إشراك النساء في النقاشات السياسية الرئيسة وصناعة القرارات التي يتأثرن بها، يعني أن القضايا التي تخص المرأة ستحظى باهتمام أكبر، مشددةً على أن الفتيات الأصغر سنًا عندما يرين النساء يرتقين إلى الأدوار القيادية، فإن ذلك سيرفع مستوى تحصيلهن العلمي وتطلعاتهن المهنية.
ربما هذا هو عام النساء في الولايات المتحدة، كما وصفته دونا شالالا التي فازت بمقعد في مجلس النواب عن ولاية فلوريدا، خاصة أن بعض المحللين اعتبروا هذه النتائج التاريخية تتويجًا لسنتين من الاحتجاج والمقاومة النسوية ضد دونالد ترامب، الذي يتهمه معارضوه داخل الولايات المتحدة وخارجها بالعنصرية والتمييز ضد النساء، على خلفية تصريحاته العدائية المستمرة والاتهامات الموجهة إليه بالتحرش والاعتداء الجنسي التي ظهرت خلال حملته الانتخابية وما زالت تلاحقه حتى يومنا هذا.
ويذكر أن ترامب هو أول رئيس أمريكي، خرجت بعد تنصيبه بيوم واحد مسيرات نسائية حاشدة في العديد من الولايات الأمريكية احتجاجًا على توليه مقاليد الحكم، وأشارت تقديرات إلى أن هذه المسيرات تعد أكبر احتجاج شهدته على الولايات المتحدة ضد رئيس أمريكي.
من بين أكثر من مئة امرأة فازت في هذه الانتخابات، هناك عدد من النساء اللاتي مثّل فوزهن انتصارًا لم يسبقهن إليه أخريات، ويوازي تأثير دخولهن إلى مبنى «كابيتول هيل» ذلك الذي أحدثته جانيت بيرينغ رانكن، عندما حازت لقب أول امرأة عضوة في الكونغرس الأمريكي قبل أكثر من مئة عامٍ.
ألكساندريا كورتيز التي تبلغ من العمر 29 عامًا، هي الآن أصغر امرأة منتخبة في الكونغرس الأميركي. وهي اشتراكية تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، وكانت من المتطوعات في حملة الديمقراطي بيرني ساندرز الرئاسية في العام 2016.
فازت كورتيز بمقعد في مجلس النواب عن الدائرة الرابعة عشرة في نيويورك، وخلال حملتها شددت على أن حق كل المواطنين في الرعاية الصحية والوظائف، ورفع الرسوم في الكليات العامة يأتي في مقدمة أولوياتها. واللافت أن كورتيز رفضت طوال فترة الحملة الانتخابية قبول أي دعم مادي من شركات راعية أو جماعات ضغط أو ما شابه، مما دفع كثيرون إلى التقليل من احتمالية فوزها، خاصة أن منافسها جوسف كراولي هو أحد أبرز الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب.
أما رشيدة طليب البالغة من العمر 42 عامًا، فهي أول امرأة مسلمة من أصول عربية فلسطينية تُنتخب بالكونغرس الأمريكي. وقد فازت الديمقراطية اليسارية بمقعد عن ولاية ميشيغان.
ودخلت طليب إلى الحياة السياسية بشكل رسمي في العام 2008، وعرفت خلال العامين الأخيرين بانتقادها اللاذع لدونالد ترامب وسياسته ومواقفه وتحديدًا تلك المعادية للمهاجرين والنساء.
طليب التي جاءت إلى الولايات المتحدة مهاجرةً مع والديها من الضفة الغربية، تحدثت أكثر من مرة عن رؤيتها للقضية الفلسطينية، معلنةً دعمها لتسوية تقوم على أساس دولة واحدة يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون ويحصل الطرفان على جميع حقوق المواطنة، وهو ما جعل المنظمات اليسارية اليهودية تسحب دعمها لها. وبحسب صحيفة هاَرتس الإسرائيلية فإن طليب طالبت بخفض المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل. وخلال حملتها، ركزت في خطابها على برامج المرأة والرعاية الصحية، وإقرار الحد الأدنى للأجور وتخفيض رسوم القبول الجامعي.
إلى جانب رشيدة طليب، تأتي إلهان عمر البالغة من العمر 36 عامًا، كأول مسلمة محجبة تدخل الكونغرس الأمريكي بعد فوزها بمقعد في مجلس النواب عن ولاية مينيسوتا، وهي الولاية نفسها التي فازت قبل عامين بمقعد في مجلسها التشريعي. وبفوزها في انتخابات التجديد النصفي بهذا المقعد، فإنها تحل محل النائب كيث إيليسون الذي كان أول نائب أسود مسلم يفوز بعضوية الكونغرس الأمريكي.
وقالت عمر عقب فوزها «أنا أول امرأة ذات بشرة سمراء تمثل ولايتنا في الكونغرس، وأول امرأة تلبس الحجاب وتمثل ولايتنا، وأول لاجئة تمّ انتخابها في الكونغرس، وإحدى أولى النساء المسلمات اللواتي يصلن إلى مجلس النواب.»
عاشت عمر في الصومال خلال فترة طفولتها المبكرة، ولكن بعد اندلاع الحرب الأهلية في العام 1991، فرت أسرتها إلى كينيا حيث معسكرات اللاجئين وقضوا هناك سنوات حتى تمكنوا من الهجرة إلى الولايات المتحدة في منتصف تسيعينيات القرن الماضي، وبدأت رحلتها من أجل تعلم الإنجليزية والاندماج في المجتمع الأمريكي ومن ثم اقتحام عالم السياسة.
خلال حملتها الانتخابية، برزت أفكار عمر اليسارية من خلال تركيزها على قضايا التعليم المجاني بالجامعات، والتأمين الصحي لجميع المواطنين، ورفع الحد الأدنى للأجور.
يأتي اسم شاريس ديفيدز البالغة من العمر 38 عامًا، كواحدة من أول امرأتين من السكان الأصليين تدخلان إلى الكونغرس منذ تأسيسه – بشكله الحالي- في العام 1789. وقد فازت المحامية الشابة ولاعبة الفنون القتالية بمقعد في مجلس النواب عن المقاطعة الثالثة في ولاية كنساس. بينما انُتخِبَت ديب هالاند البالغة من العمر 57 عامًا، عضوةً في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي في ولاية نيو مكسيكو. وكانت انتخابات التجديد النصفي الأخيرة قد شهدت رقمًا قياسيًا من المرشحين المنتمين إلى السكان الأصليين.
تتمسك ديب هالاند بأصولها إلى حد ظهورها الدائم بقلادة من اللؤلؤ خاصة بقبيلة نافاجو، إحدى قبائل الشعوب الأمريكية الأصلية في الجنوب الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية. وتعود أصول هالاند إلى قبيلة لاغونا بويبلو وهي إحدى قبائل السكان الأصليين المعترف بها فيدراليًا، التي كانت تستوطن ولاية نيو مكسيكو وهي الولاية التي تحل في المرتبة الثانية بعد ولاية ألاسكا في احتضانها للسكان الأصليين.
وفي مقابلة مع شبكة ABC الإخبارية في يونيو الماضي، قالت هالاند «خلال 230 سنة، لم تدخل أي امرأة أمريكية إلى الكونغرس. لم أر نفسي في جسد حكومتنا.»
لكون أغلب الفائزات في الانتخابات الأخيرة ديمقراطيات ويحملن أفكارًا يسارية، يتوقع بعض المحللين أن يؤثر ذلك لصالح النساء خاصة فيما يتعلق بتقليص الفوارق في الدخل، بينما يرى اَخرون أنه من المبكر تحديد ما ستركز عليه النائبات الجدد، خاصة أن أغلبهن يمثل فئة أو طائفة لها طموحات وتطلعات قد تحتم عليهن التركيز عليها.