تتفاقم يومًا بعد الاَخر أزمة التحرش الجنسي داخل مؤسسات العمل وتعاني النساء الأمرّين بسببها خاصة في دول العالم العربي، حيث تمتنع غالبية المؤسسات عن اتخاذ إجراءات حازمة ضد هذه الجريمة وقلما تضع ضوابط صريحة للحيلولة دون وقوعها، وهو ما يزيد الأمر تعقيدًا فتصبح النساء العاملات في هذه الأماكن أكثر عرضة للإيذاء من دون حماية أو دعم، ولذلك فإن إقدام امرأة عاملة على التقدم بشكاية ضد رئيسها أمر غير معتاد في ظل صعوبة إثبات الوقائع ومخاوف الفصل من العمل، فضلًا عن ثقافة المجتمع التي ما زالت – بدرجة كبيرة – تسيء إلى النساء اللاتي يكشفن عن تعرضهن للتحرش الجنسي ويطالبن بمعاقبة المتحرش.

وفي مصر كثُر الحديث مؤخرًا عن التحرش الجنسي داخل المؤسسات الصحافية تحديدًا، ويرجع ذلك إلى تزايد عدد الصحافيات اللاتي يفصحن عن تعرضهن لهذا الانتهاك، رغم صعوبة تقديم شكاوى داخل المؤسسات أو تحريك بلاغات رسمية ضد مرتكبي الفعل، وعلى الأرجح فإن ذلك يرجع إلى السلطة التي يتمتع بها المتحرشون في مكان العمل.

هذه الأزمة دفعت بالمخرج الشاب يحيي صقر للعمل على إنتاج وإخراج أول فيلم وثائقي عن التحرش الجنسي بالصحافيات داخل مؤسساتهن.

عن الفيلم وتفاصيله تحدثنا مع المخرج يحيي صقر

نص الحوار:  

التحرش الجنسي داخل المؤسسات الصحافية موضوع شديد الحساسية. حدثنا في البداية عن الأسباب التي دفعتك لإنتاج فيلم عن هذه القضية تحديدًا؟

هذه الأزمة حاضرة باستمرار وقد تعرضت زميلات للتحرش الجنسي خلال فترة عملهن في المجال الصحافي؛ منهن من ترك العمل بالصحافة واَخريات تخلين عن وظائفهن لدى المؤسسات التي تعرضن داخلها للتحرش. وقد كانت الفكرة في البداية أن يدور الفيلم حول التحرش في أماكن العمل بشكل عام، ولكن مع تتابع وقائع التحرش التى نسمع عنها من الصحافيات، قررت التركيز على هذا المجال، خاصة أن الصحافة هي مراَة المجتمع والمنوط بها تنوير الرأي العام.

متى بدأ التحضير لإنتاج الفيلم؟

ولدت فكرة الفيلم قبل أكثر من ثلاث سنوات، إلا أنها دخلت حيز التنفيذ بعد ذيوع وسم #MeToo، عندما تنامى الحديث عن التحرش في أماكن العمل في شتى أرجاء العالم، وهو ما جعلنا نقرر استئناف العمل على الفكرة حتى لا تظل حبييسة الأدراج وتخرج إلى النور. ونهدف من خلال الفيلم إلى إلقاء الضوء على هذه الجريمة التي تلاحق الصحافيات، بغية المساعدة في خلق بيئة عمل آمنة لهن من أجل تقليل الضغط النفسي الذي يعانينه.

كيف كانت رحلة البحث والوصول إلى الصحافيات اللاتي ظهرن في الفيلم؟ وهل اعتمدت على الوقائع التي توثقها البلاغات الرسمية التي تقدمت بها الصحافيات؟

أصعب تحدي واجهنا خلال الإعداد للفيلم كان الوصول إلى صحافيات يقبلن بالظهور أمام الكاميرا، فالبلاغات كانت قليلة للغاية أو شبه معدومة بسبب غياب الشهود، ولم نجد سوى بلاغًا واحدًا وبعد الحديث مع المحامي المختص اكتشفنا إنه حُفِظ، لذلك قررنا إجراء استطلاع رأي واللجوء إلى زملائنا في الوسط الصحافي، وكانت مسألة طرحي للسؤال بشكل مباشر على الصحافيات مستحيلة، فقامت بهذا الدور شريكتي في العمل نهى لملوم، وجاءت الكثير من الردود الإيجابية إلا أن الحصول على موافقة بالظهور أمام الكاميرا والكشف عن ما تعرضن له كان أشد صعوبة، خاصة أن كثيرات منهن ما زلن يمارسن العمل الصحافي ويخشين عواقب سرد الوقائع.

يزيد الخوف من البوح إن كان التحرش قد وقع داخل مؤسسات العمل، فكيف تعاملت مع هذا الأمر؟

جميع الصحافيات اللاتي وافقن على المشاركة في الفيلم طلبن عدم الظهور بوجوههن، وهو ما وجدناه قد يشكك في مصداقية الفيلم، ولذلك استبعدنا الكثيرات حتى توصلنا إلى ثلاث كان لديهن الجرأة على الظهور بوجوههن ورواية وقائع التحرش التي تعرضن لها، في مقابل اثنتين طلبتا إخفاء هويتهن.

بناءً على بحثكم أثناء الإعداد للفيلم، هل تبين ما إن كانت وقائع التحرش عادةً ما يرتكبها الرؤساء في المؤسسة أم الزملاء؟

لقد كان بحثنا عن البيئة ومصادر التهديد التي تواجهها الصحافيات سواء داخل المؤسسة من قبل الرؤساء والزملاء أو خارجها من قبل المصادر أو في أماكن التغطية الصحافية. وما توصلنا إليه في النهاية هو أن الحالات متنوعة وليست نمطًا واحدًا.

ما أشكال التحرش الجنسي التي تعرضت لها الصحافيات اللاتي ظهرن بالفيلم، وماذا عن طبيعة الإجراءات التى اتخذنها؟

لقد تعرضن لأشكال متباينة من التحرش، منها ما يرتقي إلى كونه تحرشًا جسديًا عنيفًا كاد أن يصل في بعض الحالات إلى محاولة اغتصاب لولا مقاومة الناجيات، بينما تعرضت أخريات لتحرش لفظي. أما عن الاَليات التي اتبعنها، فقد ذكرت لك سلفًا أن البلاغات كانت قليلة وهو ما جعلنا نبحث للوقوف على السبب في ذلك، فوجدنا أن الصحافيات تصيبهن حالة من الذعر ويخشيَن الحديث عن الأمر، ومنهم من توقفن عن العمل في مجال الإعلام برمته وأخريات تركن مكان العمل والبعض الاَخر استمر في مكان العمل، واللافت أن اللاتي سردن الوقائع لأصدقائهن لم يجدن منهم أي دعم وإنما قوبلن بنظرات لوم ونشر لروايتهن.

المخرج يحيي صقر – فيلم “أمان مفقود”

بعد المقابلات والانتهاء من التصوير، في رأيك ما الإجراءات الحمائية التي يجب اتخاذها لمكافحة التحرش داخل المؤسسات الصحافية؟

هدفنا من الفيلم هو خلق بيئة عمل آمنة للصحافيات، فالقانون المصري يُجرّم التحرش بشكل واضح وصريح، بينما الأزمة تتمثل في عدم وجود دليل على شهادات الناجيات. ومن المؤكد أن البيئة الآمنة تحتاج إلى صالات تحرير مفتوحة بلا أبواب مغلقة ومزودة بكاميرات،فضلًا عن أهمية وعي الصحافيات بالقانون وضرورة التقدم ببلاغات في حال تعرضهن للتحرش.

ما تقييمك لدور نقابة الصحافيين في مثل هذه الحوادث؟ وهل توافق على الاقتراح بتخصيص لجنة لقضايا المرأة بالنقابة، على أن يكون من بين مهامها التحقيق في قضايا العنف الجنسي داخل المؤسسات الصحافية؟

عندما تحدثنا مع ممثلين عن النقابة جاء الرد بعدم وصول شكاوى رسمية إليهم من الصحافيات، وبالتأكيد فإن وجود لجنة لقضايا المرأة في النقابة يعد خطوة إيجابية، والأهم ألا تكون مختصة فقط بقضايا التحرش وإنما تكون لجنة تراعي النوع الاجتماعي لأن مشاكل المرأة في العمل كثيرة ونسبة النساء العاملات بالصحافة كبيرة.

وكيف ترى دور النقابة فى واقعة الصحافية مي الشامي، خاصة أنها تقدمت ببلاغ رسمي لإثبات واقعة التحرش داخل المؤسسة التي تعمل بها؟ وما رأيك في الطريقة التي تدير بها مؤسستها الأزمة؟

في حقيقة الأمر، أنا لست على دراية كاملة بالواقعة لكن سمعت أن هناك مطالبات من الطرفين بحضور عضو من النقابة لجلسات التحقيق، وهو ما يجب حدوثه في كل الوقائع. وعن دور مؤسستها في الواقعة، فما سمعته هو أنها فتحت تحقيقًا داخليًا في الواقعة، فضلًا عن أن صالة التحرير مفتوحة ويوجد كاميرات في المكان وهو ما سيساهم في كشف الأمور. وبما أن النيابة أصبحت طرفًا في القضية أعتقد أنه من الواجب أن ننتظر نتائج التحقيق.

اخترت «أمان مفقود» ليكون عنوانًا لفيلمك، فمتى يتحقق برأيك؟ وهل الأزمة في قوانين غير مفعلة أم في غياب الوعي؟

القانون حاضر والأمان يتحقق بالوعي، فمجرد الحكي عن الوقائع وإعلانها وعدم الخوف من نظرة المجتمع سيجعل أي متحرش يفكر مليًا قبل أن يقدم على ارتكاب هذا الجرم، كما أن الوعي سيجعل الصحافيات قادرات على استعادة حقوقهن بشكل قانوني. وللأمر شقان أولهما هو أن التحرش جريمة يعاقب عليها القانون حال ثبوتها وهو ما يحتاج إلى بلاغ رسمي، والشق الثانى يتعلق بالمهنة واعتقد أننا بحاجة إلى لوائح داخلية تنظم ذلك.