ياسمين بن حميدة فتاة تونسية، تبلغ من العمر 19 عامًا، حصدت في مايو الماضي لقب أصغر مستشارة بلدية في تونس، بعد فوزها بعضوية المجلس البلدي المحلي في مدينة رأس الجبل عبر أول انتخابات بلدية تشهدها البلاد بعد الثورة التي أسقطت نظام بن علي في 14 يناير من العام 2011.

المجلس البلدي هو مجلس محلي يدير شؤون كل بلدية من بلديات تونس التي يبلغ عددها 350 بلدية، ولكل مجلس رئيس ومساعدين ورؤساء لجان وبقية الأعضاء يسمون مستشارين بلديين.

ياسمين بن حميدة ما زالت طالبة بالمدرسة العليا للتجارة، وقد انخرطت في العمل العام مبكرًا عندما كانت تدرس بالمرحلة الثانوية، إذ تطوعت مع الغرفة الفتية العالمية – منظمة غير هادفة للربح- وشاركت في العديد من الفعاليات والأنشطة لخدمة رأس الجبل، مدينتها الصغيرة التابعة لولاية بنزرت التي تقع في شمال تونس العاصمة، وتركز نشاطها في تنظيم القوافل الطبية للكشف المبكر عن سرطان الثدى للنساء وتأسيس مكتبة للأطفال في إحدى المناطق الفقيرة لحثهم على القراءة والرسم والتلوين.

«ولها وجوه أخرى» حاورت ياسمين بن حميدة، أصغر مستشارة بلدية في تونس، وتحدثت معها عن رحلتها منذ أن قررت الترشح وحتى الفوز، وتطرق الحديث إلى نقاط عديدة تخص طموحها السياسي ورؤيتها لمشكلات الشباب ووضع المرأة التونسية والمكتسبات الاجتماعية والسياسية التي حصلت عليها مؤخرًا.

ياسمين بن حميدة

في البداية، كيف ساعد ساعدك نشاطك في المجتمع المدني على الانخراط في السياسة؟

اكتسبت من منظمة «الغرفة الفتية العالمية» خبرة جيدة على مستوى الاتصال والقيادة والعمل الجماعي، فهي مدرسة حقيقية لتكوين الكوادر الشبابية وتحظى بسمعة طيبة في تونس، حيث خرج منها قيادات ووزراء واَخرهم وزير الثقافة الحالي، وليس هدفها العمل السياسي وإنما العمل العام، وهذا ما ساعدني في التعرف والتواصل مع أهل مدينة رأس الجبل وتقديم خدمات مختلفة إليهم. لقد كان عملي التطوعي بالغرفة بوابتي لدخول عالم السياسة.

متى وكيف اتخذت قرارك بالترشح للانتخابات البلدية؟

لم تكن المبادرة من جانبي ولكني تلقيت اتصًالا من حزب «مشروع تونس»، أبلغوني خلاله برغبتهم في ترشيحي على قائمة رأس الجبل في الانتخابات البلدية المحلية، رغم إننى لم أكن عضوًا في الحزب، وأعتقد أن الاختيار يعود إلى متابعتهم للأنشطة التي شاركت في تقديمها مع منظمة «الغرفة الفتية العالمية» للأهالي. وبالتالي وجدوني وجهًا معروفًا يمكن الاعتماد عليه في الانتخابات، وقد منحني الحزب وقتًا لتدبر الأمر ودراسته حتى حسمت موقفي واتخذت قراري بالموافقة على خوض الانتخابات.

ألم تخشي من غياب الخبرة السياسية وصغر السن؟

بالفعل كانت هناك مخاوف ولكنها لم تكن معرقلة. لقد رأيت أن الانتخابات ستمنحني فرصة أفضل لتوسيع دائرة التأثير من خلال وجودي بالمجلس البلدي المحلي وستصبح أنشطتي موجهة إلى بلدية رأس الجبل بأكملها، كما أن عضويتى بالمجلس ستعطيني صلاحيات أكبر من تلك المتاحة في العمل تطوعي لصالح منظمة أهلية تواجه العديد من الصعوبات والتحديات المالية والإدارية، ومن ثم فإن خدمة أكبر عدد من المواطنين كانت الدافع وراء ترشحي للانتخابات.

كيف كان موقف أسرتك من قرار الترشح للانتخابات؟

«السياسة صعيبة برشا في تونس ويحكمها قانون الغاب»، من هذا المنطلق كان والدي يخشى علي من خوض الانتخابات والانخراط في الصراعات السياسية، أما والدتي فكانت تشجعني بقوة وتردد دائمًا «مصلحة تونس قبل مصلحتك»، وبعد اقتناع كليهما برغبتي الحقيقية في الترشح، دعمونني بشدة وأزاحوا عراقيل كثيرة أمامي كفتاة، بدءًا من سماحهما لي بالسفر والإقامة خارج المنزل لأيام عديدة، من أجل المشاركة في المؤتمرات الشعبية والحملات الانتخابية وهذا أمر غير معتاد على مدينتي رأس الجبل، فما برح المجتمع محافظًا ولا يتمتع بحالة الانفتاح الموجودة في العاصمة.

هل يمكن أن توضحي لنا، ما المهام المنوط بها المجلس البلدى المحلي؟

المجلس يتكون من 24 عضوًا، من بينهم رئيس بلدية لرأس الجبل وتتنوع لجان المجلس بين الصحة والتشغيل والثقافة والمالية والرصف والإنارة والنظافة، وبموجب قانون الحكم المحلي الجديد، فقد أصبح للبلدية الحرية في اتخاذ قراراتها وإدارة شوؤنها، فضلًا عن استقلالية مادية في إدارة مشروعاتها بدلًا من الانتظار الطويل بسبب البيروقراطية والإدارة المركزية والرجوع إلى وزارة الشؤون البلدية.

كنت قد ذكرت أن قانون الحكم المحلي الجديد سيغير وجه تونس، فلماذا تعتقدين في ذلك؟

يُعتبر القانون أحد مكتسبات الثورة، فهو يسير بالبلد نحو ترسيخ حرية التعبير وحق الشعب  في اتخاذ قراره، فأضحى التغيير من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس كما كان في السابق. لقد حان الوقت ليختار المواطن من يمثله في مراكز صنع القرار، فهو يستحق مجالس منتخبة وليست مُعينة قادرة على أن تُوصل صوته وتطالب بحقوقه وتوفر له الخدمات التي يستحقها، ولأول مرة تكسر تونس المركزية التى عانت منها لسنوات طويلة، وكل جهة سيصبح لها خصوصيتها وخططتها في التطوير والتمويل.

في إبريل الماضي، صادق البرلمان التونسي بالأغلبية الساحقة على قانون ينظم عمل البلديات، ويتضمن 392 بندًا، ليمثل إطارًا قانونيًا للانتخابات المحلية ويحدد صلاحيات واختصاص السلطات المحلية وكيفية تكوين مجالسها وغيرها من المهام.

وماذا عن مكتسبات المرأة في القانون الجديد؟

لقد حقق لها مزيدًا من التمكين السياسي، فالقانون أنصف المرأة وحصدت من خلاله 47 في المئة من مقاعد المجالس البلدية ما بين الرئاسة والعضوية، وهي نسبة كبيرة لم تصل إليها النساء في دول أوروبية حيث ما زالت تتراوح نسبة التمثيل النسائي بين 15 إلى 20 في المئة، ولذلك فإننا فخورات باستحقاق جديد للمرأة التونسية، ونثق أنه خطوة على طريق التغيير الحقيقي للبلاد تشارك فيها المرأة بقوة من أجل النهوض بتونس.

فازت 3385 امرأة في الانتخابات البلدية التي أجريت في 9 مايو من العام 2018، أي بنسبة 47.05 بالمئة في مقابل 3809 رجل بما يمثل 52.95 بالمئة من إجمالي أعضاء البرلمان.

فتاة صغيرة السن ومرشحة لعضوية مهمة كعضوية المجلس المحلي، فكيف كانت ردود أفعال المواطنين أثناء الحملة الانتخابية؟

شعرت بالاحتفاء لكنه كان ممزوجًا بالدهشة، فكيف تخوض ابنتهم الصغيرة هذه الانتخابات الكبيرة، وبعد فوزي كانت هناك حالة من الفخر بأن فتاة بالتونسية عمرها 19 عامًا نالت هذا المنصب الكبير، وهي سعادة تُحمّلني مسؤولية من أجل العمل والنجاح.

رغم دعم القانون الجديد لترشح الشباب، فقد تغيبوا عن عملية الاقتراع والتصويت. ما السبب في رأيك؟

في أغلب الظن، فإنه يعود إلى الإحباط وفقدان الثقة الذين أصابا الشباب بعد إجراء الانتخابات التشريعية التي عرفتها البلاد بعد الثورة، وقد تعرض الشباب حينذاك للاستغلال وتحدث المرشحون باسمهم وأطلقوا وعودًا وردية، وبالفعل تحمس الشباب وتطوعوا في الحملات الانتخابية لهؤلاء السياسين واشتركوا في الأحزاب، ولكن بعد الانتخابات لم تتحقق الوعود وتصدر كبار السن المشهد السياسي بينما توارى الشباب عنه.

وكيف تعود الثقة المفقودة للشباب مجددًا؟

أنا متفائلة وأعول على أن النزاهة التي اتسمت بها الانتخابات البلدية ووصول اَلاف النساء والشباب إلى مقاعد المجالس البلدية سيساعدان في رأب الصدع وستعود ثقة الشباب في العملية السياسية. علاوة على ذلك، فإن موقعي بالمجلس يجعلني مسؤولة عن توصيل صوت الشباب إلى المجلس البلدي لحل مشكلاته ودعم النماذج الناجحة منه.

في ظنك، لماذا صاحب فوزك برئاسة لجنة المالية بالمجلس البلدي جدلًا كبيرًا؟

اعتقد لأنها أكبر لجنة ببلدية رأس الجبل، فقد أصبحت مسؤولة عن التصرف ومتابعة وإنفاق خمسة ملايين دينار على مشروعات مختلفة وهو ما أثار انتقادات نظرًا لصغر سني ومخاوف البعض من عدم قدرتي على إدارة هذا الملف الكبير، خاصة أن صلاحياتي بموجب هذا المنصب تجعلني صاحبة القرار في الموافقة أو الرفض على المقترحات الخاصة بتمويل أي مشروع تطرحه اللجان الأخرى بالبلدية.

هل تعتقدين أن المرأة التونسية نجحت في تحقيق طموحاتها خاصة بعد الثورة؟

المرأة التونسية دائمًا رائدة ومتوقدة، فقد بدأت مشوار الدفاع عن حقوقها وحرياتها باكرًا، لذا فإننا لا نلمس اختلافًا كبيرًا بين ما قبل وما بعد الثورة، فهى تسير في خطوات ثابتة في طريق الدفاع عن قضيتها منذ فترة طويلة وهذا نجاح نفخر به كتونسيات، فقد أصبحنا نموذجًا في العالم العربى في الحرية والديمقراطية والمساواة، والدليل على أن المسيرة مستمرة هو اختيار أول امرأة تترأس بلدية تونس العاصمة وهي الدكتورة سعاد عبد الرحيم.

فازت السيدة سعاد عبد الرحيم بمنصب «شيخة المدينة» أو رئيسة البلدية في العاصمة تونس، لتصبح أول امرأة في تاريخ تونس تتولى هذا المنصب منذ بداية تأسيس النظام البلدي في العام 1858. وقد حصدت عبد الرحيم المرشحة عن حركة النهضة الإسلامية 26 صوتًا مقابل 22 صوتًا لمنافسها مرشح نداء تونس الذي كان مسؤولًا محليًا في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

ما رؤيتك لقرارات الرئيس السبسي بشأن المساواة في الميراث والسماح بزواج المسلمة من غير المسلم، والجدل الذي أشعله تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بعد اقتراح إلغاء تجريم المثلية الجنسية؟

أؤمن جدًا بالحريات الشخصية وإنه لأمر جيد أن تكون مصونة بالقانون، ولكن في الوقت نفسه أنا مؤمنة بأن كل شخص في نهاية المطاف سيحاسبه الله وحده، لذلك فأنا ضد المزايدة وكأن معكسرًا يريد حماية الدين والاَخر يريد هدمه.

إلى أين يتجه طموحك السياسي بعد الانتخابات البلدية؟

طموحي هو التغيير الإيجابي والتأثير على مجتمع رأس الجبل، ولا يهمني المنصب بقدر ما يهمني التغيير، وإذا نجحت في ولايتي فسيكون من السهل النجاح في أي منصب اَخر، كرئاسة البلدية ومن ثم رئاسة الولاية وعضوية البرلمان.

وماذا عن كرسي رئاسة الجمهورية؟

(تضحك) هذا حلم وربما يتحقق. نحن كنساء تونسيات فخورات بأننا نمتلك قانون يسمح بترشح المرأة على مقعد رئاسة الجمهورية ونتمنى أن تترشح الكثير من النساء للرئاسيات المزمع إجراؤها في العام 2019.

في رأيك، إلى أي مدى من الممكن أن يتقبل المجتمع أن تصل امرأة إلى سدة الحكم في تونس؟

تونس بلد كبير وهناك اختلاف وتنوع بين المواطنين. الأمر ليس سهلًا وفي الوقت نفسه ليس مستحيلًا، والدليل أن ثمة جدل أثير بعد ترشح الدكتورة سعاد عبد الرحيم لمنصب رئيسة بلدية تونس الإ أن التونسيين تقبلوا نجاحها، بل وشعروا بفخر كبير بعد احتفاء العالم العربي والدولي على حد سواء بهذا الحدث الفريد. وأنا أثق بالمرأة التونسية ونجاحها إذا ما وصلت إلى الرئاسة.