«كانت مارى أسعد بحق نموذجًا للمرأة المصرية والمثقفة التى أبت التقوقع فى عالم النخبة أو الضجيج الإعلامى حول دورها، وظلت تكتفي بالسعي الدؤوب، لجعل الثقافة أداة لتحقيق التنمية المستدامة ومن خلال العمل مع الناس وبهم ومن أجلهم.»

بهذه الكلمات نعت وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة ماري أسعد، عالمة الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) التي رحلت عن عالمنا يوم الخميس الماضي، الموافق الثلاثين من أغسطس.

كما وصف البيان أسعد بأنها أول من نبه صناع السياسات في مصر والدول النامية في سبعينيات القرن الماضي إلى مخاطر الختان وأهمية تمكين المرأة من الحياة الكريمة ومكافحة ثقافة التمييز ضد النساء وتعزيز العمل التطوعي وتعليم الحرف وتحسين نوعية الحياة من خلال ورش الغناء والفنون التشكيلية للأطفال الفقراء في المناطق العشوائية.

رحلت ماري أسعد قبل نحو شهر من عيد ميلادها الـ96، تاركةً خلفها مسيرة حافلة بالكفاح الطويل ضد التمييز ضد المرأة والمقاومة الشرسة ضد ظاهرة ختان الإناث.

في مقدمة المحاربات ضد ختان الإناث

قصة الحرب التي خاضتها أسعد ضد ختان الإناث، بدأت أول فصولها عندما أدركت في العام 1952 خطورة الممارسة التي يحتفي بها المصريون واَثارها الجسدية والنفسية، وذلك عقب مشاركتها في مؤتمر دولي في سويسرا، فأولت بعدها ختان الإناث اهتمامًا وجانبًا كبيرًا من بحثها، حتى أصدرت دراسة رائدة في مصر وأفريقيا عن مضار ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية ونشرتها في العام 1970، وأضحت هذه الدراسة أساسًا لعمل اللجنة المنظمة لمؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية، الذي انعقد في القاهرة في سبتمبر من العام ١٩٩٤.

ساهمت أسعد في مكافحة ظاهرة ختان الإناث دون أن تتولى منصبًا حكوميًا ذا صلة، وكان لجهدها اَثره في الحرب ضد الختان، التي أتت أكلها في العام 2008 عندما أصدر البرلمان المصري وقتذاك تشريعًا يقضي بتجريم الممارسة.

كما نعت مؤسسة المرأة الجديدة وهي واحدة من أبرز المنظمات النسوية المصرية (بدأ نشاطها في العام 1984) ماري أسعد مشيرةً إلى دورها في تأسيس ما سمي بــ«مجموعة العمل الوطنية لمناهضة ختان الإناث» التي خاضت أولى المعارك المنظمة ضد ختان الإناث في تسعينيات القرن الماضي، قبل صدور أي قرارات من وزارة الصحة تحظر الممارسة أو قوانين تجرمها.

وكانت أسعد قد دشنت مبادرة في التسعينيات، بهدف خلق تحالف بين منظمات المجتمع المدني والإعلام والحكومة أيضًا، للعمل على التوعية بقضية كانت حينذاك من المحرم الخوض فيها، وقد نجحت في ذلك وشكّل هذا التجمع نواة لحملة قادتها المنظمات والجمعيات الأهلية في إطار الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية في العام 1994، الذي نصت واحدة من مخرجاته الختامية على «إلزام الحكومات باتخاذ إجراءات من شأنها القضاء على ختان الإناث».

وبحسب حوار أجرته أسعد مع مؤسسة المرأة والذاكرة، فقد شاركت في تنظيم المؤتمر الدولي للتنمية والسكان مع عدد من الرائدات في مجال التنمية والمجال الحقوقي مثل؛ نهاد طوبية وعزيزة حسين وعفاف جاد الله وداليا الطايب، كما شاركت في تدشين مركز لتوثيق الأبحاث والمعلومات الخاصة بالختان، وعملت مع مشايخ وأنباوات من أجل مكافحة الظاهرة.

الريادة في اتجاهات أخرى

فضلًا عن أنها كانت أول من ينشر دراسة بحثية عن ختان الإناث في مصر وإفريقيا، فقد تمكنت أسعد من أن تكون أول امرأة مصرية تعمل في جمعية الشابات المسيحيات العالمية في جنيف في العام 1953، وذلك بعد سنوات من التطوع داخل الجمعية، إذ انضمت إليها في العام 1935 وما زالت طالبة بمدرسة الكلية الأمريكية للفتيات.

وفي العام ١٩٨٠ اختيرت كأمين عام لمجلس الكنائس العالمي في جينيف، لتصبح أول سيدة وأول شخصية لا تنتمي إلى فئة رجال الدين يعينه المجلس في الهياكل التنفيذية له.

وقد ذكرت أسعد في حوارها مع مؤسسة المرأة والذاكرة، أنها عمدت أثناء عملها بالمجلس إلى النهوض بدور المرأة وتعزيز التعاون ما بين الإناث والفتية، وقد عملت على عدة مشروعات تتعلق بالمرأة من منظورات دينية وصحية، وإعادة قراءة الأديان من منظور نسوي.

كما كانت أول من نادى بضرورة الحاجة إلى فصل وفرز القمامة من المصدر، وساهمت في تدشين جمعية حماية البيئة من التلوث في حي المقطم، وتطوعت فيها لما يزيد عن 20 سنة لمواجهة الأزمات التي يعانيها حي الزبالين (جامعي القمامة) ، وبمساعدة المؤسسة نجحت في تمكين عاملي جمع القمامة عن طريق تعليمهم وإمدادهم بالمشاريع. ويعود لها الفضل في مساعدة مجتمع هذه المنطقة في إعادة تدوير 85 في المئة من القمامة المجمعة.

وكان المجلس القومي للمرأة قد نشر صباح الجمعة 31 أغسطس، بيانًا على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك ينعي فيه أسعد واصفًا إياها بإحدى أهم الأيقونات المصرية الرائدة فى علم الاجتماع والدفاع عن قضايا المرأة المصرية وتقديم العون لها.