لا شك في أن العنف ضد المرأة في المنطقة العربية متجذر في الثقافة الشعبية وجانب كبير من ممارساته يبدو غير محسوس حتى من جانب الناجيات منه، إذ تتعامل معه الأطراف المختلفة باعتباره بديهيًا، وعلى الرغم من أن بلدًا كلبنان تنتشر عنه فكرة تضعه في مرتبة أعلى من غيره من البلدان العربية فيما يتعلق بحقوق النساء، فإن الأرقام الرسمية وغير الرسمية إلى جانب القوانين الوطنية تؤكد أن واقع المرأة اللبنانية ليس مغايرًا لواقع بقية النساء العربيات، فعلى سبيل المثال، فإن امرأة من أصل 4 نساء تتعرض لأحد أشكال الاعتداء الجنسي، في حين تُبلِغُ نحو 13 امرأة شهريًا لدى مراكز الشرطة عن تعرضهن لاعتداءات جنسية وهي نسبة ضئيلة جدًا مقارنة بعدد الناجيات وذلك بحسب دراسة لمؤسسة أبعاد اللبنانية، ووفق التقرير العالمي حول الفجوة بين الجنسين للعام 2017، يأتي لبنان في المركز 137 من بين 144 دولة وفي المركز الرابع قبل الأخير بين الدول العربية.

بالإضافة إلى هذه الأرقام، فإن التشريعات تظل محكومة بالنظام الأبوي وتبرز الهيمنة الذكورية عليها في أمور عديدة ومنها، إجازة القانون لاكتساب الأجنبية للجنسية بزواجها من لبناني ومن ثم استحقاقها لنقل الجنسية إلى أبنائها، بينما يحظر القانون نفسه على المرأة اللبنانية تمرير جنسيتها لأبنائها من أجنبي، وغير ذلك الكثير من التشريعات التي تميز ضد النسوة في الجمهورية اللبنانية.

لاستيضاح وضع المرأة في لبنان واستجلاء واقع الحركة النسوية اللبنانية في الوقت الراهن، كان لــ«ولها وجوه أخرى» هذا اللقاء مع الناشطة والكاتبة النسوية اللبنانية مايا عمّار.

مايا عمّار لها تجربة طويلة مع العمل النسوي من خلال العديد من المبادرات في لبنان، وقد عُرِفَت من خلال عملها لسنوات عدة مع منظّمة «كفى عنف واستغلال» كمسؤولة إعلام وتواصل ومنسقة حملات نسوية. وتعمل اليوم بشكل مستقل مع عدد من هيئات المجتمع المدني ويتركز نشاطها في التدريب وإنتاج المواد التوعوية ومرافقة مبادرات نسوية ناشئة، فضلًا عن كتاباتها ومقالاتها التي تُنشر بشكل دوري في عدد من المواقع والوسائل الإعلامية.

بدأ حوارنا مع عمّار بمحاولة لفك مغالق الالتباس الحاصل فيما يتعلق بالصورة السائدة عن لبنان كواحد من أكثر البلدان في المنطقة التي تتمتع فيها النساء بحرية لا سيما فيما يتعلق بالجسد بينما تكشف الأرقام أن العنف الذي يطال النساء جسديًا وجنسيًا لا يختلف عن نظيره في البلدان العربية الأخرى، وهو ما وصفته بحالة فصام حيث الازدواجية بين المظهر والحقيقة، وقالت «لا شك في أن وجود هامش أكبر من الحريات في اختيار الملبس والتنقّل والإعلام ووجود نسب مرتفعة من النساء المتعلمات والعاملات ساهم في إرساء هذه الفكرة المأخوذة عن لبنان، إلا أن هذه الإنجازات لا تعكس تحررًا حقيقيًا على المستوى الحقوقي أو المُعاش في الحياة اليوميّة، فلا تزال النساء يدفعن ثمن خياراتهن ويقدمن تضحيات كبيرة لتأمين استمرارية الأسرة وإن كان على حساب رفاهيتهن وأمنهن، وما انفك وصول النساء إلى المناصب العليا أو مراكز صنع القرار السياسية ضعيف جدًا والسلطات الطائفيّة تتحكم بقوة في مفاصل حيواتهن الشخصية والأسرية، خاصة أن القوانين الأسرية جميعها تابع لها، وحتى اليوم ما من قانون مدني أقرته الدولة في هذا الخصوص وما من مؤشر على نيتها المضي قدمًا في ذلك الاتجاه.»

على ذكر القوانين الأسرية، سألنا عمّار عن غياب قانون موحد للأحوال الشخصية في لبنان وتأثير ذلك على تنامي العنف ضد المرأة، إذ يبلغ عدد قوانين الأحوال الشخصية في لبنان 15 قانونًا تختص بالطوائف الدينية المعترف بها في هذا البلد، وجاءت إجابتها لتؤكد العلاقة الطردية بين الأمرين «تُميز الكثير من المحاكم الدينية من خلال نصوصها القانونية أو ممارساتها ضد النساء وضد الأطفال، وبين النساء أنفسهن وبين الأطفال أنفسهم، لتعيد بذلك إنتاج العنف المرافق للتمييز.»

وأردفت قائلة «الكثير من النساء يترددن في طلب الحماية والخروج من علاقات عنف، خشية خسارة حقوق أو فقدان حضانة الأطفال ويضطررن إلى إجراء مساومات كثيرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من النادر أن تعطي طائفة للمرأة حق الولاية على الأطفال، في المقابل فإن أكثر الطوائف تحرم النساء حتى من حضانة أطفالهن عندما يبلغون سنًا معينة، فضلًا عن الصعوبات التي يواجهنها عند طلب الطلاق ومن أجل الحصول عليه.»

تؤثر هذه القوانين الطائفية بشكل مباشر على استمرار ظاهرة زواج القاصرات وهو ما أكدته عمَار، مشيرةً إلى أنه على الرغم من اعتراف الدولة اللبنانية رسميًا بأن الإنسان يبقى طفلًا بالمعنى القانوني حتى بلوغه 18 عامًا، فإن قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تنال شرعيتها من المادة التاسعة في الدستور اللبناني، تسمح بتزويج من يعتبرهم القانون المحلي أطفالًا.

وتنص المادة التاسعة من الدستور اللبناني على «حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام، وهي تضمن أيضًا للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.»

وبإيجاز شديد أوضحت لنا عمَار إشكالية السن الأدنى لزواج الأنثى الذي تحدده عينة من الطوائف الدينية المعترف بها في لبنان، لينجلي بوضوح أن القانون يشرعن واحدة من أقبح ظواهر العنف ضد المرأة وهي تزويج القاصرات، إذ تحدد الطائفة السنية سن 17 لزواج الأنثى وفي الوقت نفسه يمكن للقاضي أن يأذن بزواجها بعد إتمام التاسعة في حال بلوغها وبعد موافقة ولي الأمر. أما الطائفة الشيعية فلا تحدد سنًا أدنى للزواج وتعتمد على البلوغ كمعيار للزواج، وهو ما يفتح الباب أمام تزويج البنات في عمر التاسعة الذي عادةً ما يرتبط ببلوغ الأنثى، ولا يختلف الأمر كثيرًا لدى طائفة الموحدين الدروز التي تسمح بزواج الأنثى في الـ17 من العمر، ويحق للقاضي أن يأذن بزواجها في الـ15 بعد موافقة ولي الأمر. أما الطوائف المسيحية، فيتفق العديد منها على سن 14 عامًا مثل الطائفة الكاثوليكية والسريان الأرثوذكس والأشورية والإنجيلية، بينما تحدد طائفتا الأقباط الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس سن الزواج للفتاة بـ15 عامًا، وتوحد طائفة الروم الأرثوذكس سن الزواج للذكر والأنثى بـ 18 عامًا مع إجازة عقد الزواج شرط ألا يكون الذكر دون الـ 17 والأنثى دون الـ15 إلى جانب مراعاة البنية الجسدية والصحة والأخذ بموافقة الولي وإذن راعي الأبرشية.

إذا نحينا الشق القانوني جانبًا، فعادةً ما يتحدث المعنيون بقضية مناهضة تزويج القاصرات عن التعليم ودوره الرئيس في الحد من الظاهرة، وما يسترعي الانتباه أن نسب التعليم في لبنان مرتفعة ويأتي البلد في مرتبة متقدمة بين الدول العربية في هذا الصدد. ومع ذلك فإن التقدم في مجال التعليم لم يلقِ بظلاله على قضية زواج القاصرات، وعندما سألنا عمّار عن ذلك، شددت على أن ثمة عوامل متشابكة تساهم في استمرار الظاهرة، وتتعلق بشكل أساسي بذكورية الدولة والمجتمع، بالإضافة إلى غياب الخطط الاقتصادية والتنموية العادلة، والتقصير في تأمين فرص العمل والتعليم الإلزامي للجميع، وبالطبع القوانين التي تسمح بتزويج القاصرات.

وأضافت إلى هذه العوامل، الحروب والنزاعات وحالات اللجوء التي قد تدفع ببعض الأسر إلى تزويج الفتيات تخفيفًا للأعباء الاقتصادية والتربوية المترتبة على الظروف الطارئة، واستطردت «هذا ما نسمعه بين الكثير من الأهالي في تجمعات اللاجئين السوريين الذين يرجعون تزويج بناتهم مبكرًا إلى أوضاع اللجوء العصيبة، ظنًا منهم بأن ذلك سيحميها اجتماعيًا واقتصاديًا.»

كما توقن عمّار أن كثيرين لا يقبلون بالمرأة العزباء وينظرون إليها كامرأة ناقصة أو عار على عائلتها، لذلك يرحبون بأول فرصة للتخلص منها «بالطبع تقتضي المعايير الاجتماعية البطريركيّة أن تكون العروس عذراء، وبناءً على هذا فكلما كانت صغيرة في السنّ، كانت عذريّتها مضمونة أكثر والسيطرة عليها أسهل.»

ولم تنس عمَار الإشارة إلى أن تزويج القاصرات يكون في بعض الأحيان حلًا وديًا للاغتصاب، إذ تجبر العائلة الابنة المغتصبة على القبول بالزواج من مغتصبها، وهو ما يُخضِعُها لعذاب نفسي وجسدي يصاحبها طوال حياتها.

وكان البرلمان اللبناني قد ألغى العام الماضي (2017) المادة 522 من قانون العقوبات، التي تبيح إسقاط العقوبة عن المغتصب إذا تزوج بالفتاة التي اغتصبها، وعن تبعات ذلك على الصعيد الاجتماعي، سألنا الناشطة النسوية مايا عمّار فقالت «هذا التطور شكل خطوة مهمة ومطلوبة منذ عقود، ولكن يجب ألا ننسى أن إسقاط العقوبة طُبِّق فقط على جرم الاغتصاب ولم يشمل مجامعة القاصر، ولذا يجب أن تتخذ الدولة موقفًا واضحًا ومتكاملًا وتلغي مبدأ إسقاط العقوبة عن جرائم الاستغلال الجنسي ضد القاصرين والقاصرات وألا تكرس القبول بتزويجهم خاصةً في الحالات المماثلة.»

وأردفت «من شأن أي تطور قانوني أن ينعكس على العقلية المجتمعية ويساهم في تغييرها والقضاء على الظلم المنبثق عنها. ولكنه بالطبع غير كافٍ، فأنا اعتقد أن الحلول التي تعتمد بشكل أساسي أو استثنائي على التجريم كأداة للحد من الإساءة والظلم غير منطقية وغير متكاملة وغير ناجعة أيضًا في سياق العنف الذي نعيش فيه. فالمحاسبة ضرورية ولكن الوقاية والنقاشات العامة والخاصة وتدخلات المجتمعات المحلية أدوات لا بد منها، لصنع تغيير حقيقي على المدى البعيد.»

انتقلنا في حوارنا مع الناشطة والكاتبة النسوية مايا عمّار إلى الحرب التي تخوضها الحركة النسوية اللبنانية منذ منتصف التسعينيات، من أجل تعديل قانون الجنسية بما يمكن الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي من حقها في إعطاء جنسيتها لأبنائها، والتي تبلورت في حملة نسوية امتد نشاطها لنحو 16 عامًا تحت عنوان «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، ومع ذلك لم يتحقق المرجو حتى يومنا هذا ولم تُعدَّل القوانين، وهو ما يثير تساؤلات بشأن السبب في حالة الجمود تلك، ولذلك كان سؤالنا التالي عن تفسيرها للأسباب التي تقف وراء ذلك وما إن كان للتوازنات السياسية والطائفية اليد الطولى.

«ألوم أولًا واَخرًا السلطة وحججها الديموغرافية الطائفية الواهية وأعتقد أن حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» قدمت جهودًا جبارة على الرغم من أنها لم تلق الدعم اللازم من جميع شرائح المجتمع المدني ومنظماته ومكوناته، وحتى بين الجمعيات النسائيّة كان هناك من يؤجل هذا المطلب كونه يمس بما يُسمى بالتوازنات الطائفية. لكن عددًا من النواب في البرلمان الجديد تبنوا مشروع القانون المقدم من الحملة ومن المزمع التباحث بشأنه.»

في مايو الماضي، انعقدت الانتخابات النيابية اللبنانية وأسفرت عن فوز النساء بستة مقاعد بزيادة مقعدين عن البرلمان السابق لتظل نسبة التمثيل النسائي ضعيفة (4.6 في المئة)، وبحسب عمّار فإن النسبة تأتي كنتيجة طبيعية لمواقف الأحزاب تجاه ترشيح النساء، إذ أنها عادةً ما ترشح عددًا محدودًا من النساء وبعضها لم يرشح حتى امرأة واحدة، وذلك بسبب بنيتها الذكورية على الرغم من مساهمة النساء الكثيفة في الأنشطة الحزبية وفي مختلف القطاعات على حد قولها.

في نظر عمّار فإن عدم إقرار القانون لنظام الكوتا أو الحصص النسائية شكل عائقًا إضافيًا أمام ترشح النساء وفوزهن في البرلمان، وتابعت قائلة «الكوتا النسائية هي أحد التدابير الموقتة التي تُعتمد لإلغاء التمييز على المدى البعيد، لكن القلق من استمراره طويلًا يظل هاجسًا لأن حدوث ذلك يعني أن المجتمع لم يتغيّر جوهره. وفي رأيي فكرة المناصفة هي التي تستحق الدعم باعتبارها التدبير الواجب اتخاذه اليوم.»

*يمكنكم أيضًا مطالعة مقال مايا عمّار على موقع النهار: النساء في زمن المشاركة السياسيّة: نظرة نقديّة إلى برامج “تمكين المرأة”

كان كل من البرلمان التونسي والمغربي قد أصدرا قانونًا موحدًا لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة، بينما تنتظر مصر مناقشة البرلمان لقانون مشابه. أما لبنان فيبدو أنه لن يمضي في الطريق نفسه، وقد أفادتنا عمّار بأنه لا يوجد أي اقتراح جدي بشأن قانون لمناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة، مشيرةً إلى أن التركيز حاليًا ينصب على تعديل القانون المتعلق بالعنف الأسري. وقالت «القانون اللبناني بما فيه قوانين العمل والعقوبات يجب إصلاحه بشكل شامل ومنسجم مع ذاته بالاستناد إلى مبادئ حقوقية حديثة غير مُجزأة.»

كما ذكرنا اَنِفًا، فإن مايا عمّار قد انخرطت في الحركة النسوية اللبنانية منذ سنوات عديدة، وتعمل مع المنظمات النسوية ذات التاريخ والمبادرات الناشئة على حد سواء. وهو الأمر الذي دفعنا لسؤالها عن مواطن القصور التي تعتقد أن الحركة النسوية اللبنانية تعانيها ورؤيتها لاَليات المراجعة والعلاج.

وعن ذلك قالت «نحن نعاني من مرض التعلق بالماضي وببقايا فكرة الوفاء للأماكن أو الصيغ. نُطالَب في دوائرنا بشكلٍ من أشكال الوفاء من الأفراد والمؤسسات. والحقيقة أن الفارق بين الاثنين شبه معدوم، فالمؤسسات هي أفرادها لا اسمها.  ونحن مطالبون بالوفاء لأشخاص، لأمجادهم، لأفكارهم التي لا نعود نستوعبها أو لا تعود تستوعب نمونا.»

وتابعت «في أي عمل نضالي أو وظيفة اجتماعية بحتة، يُشترط للنجاح توفر الصبر وما يُسمّى بالنفس الطويل والرؤية البعيدة، ولكنّنا أغفلنا مسألة جوهريّة تسكن في حكمة التمييز بين النفس الطويل والجمود، العاطفي والفكري ومعهما الأدواتي وما يرافقه من دفاعات دفينة شديدة الاستنفار، إلى جانب قيود وظيفية تتوارى خلفها موازين قوى تتكاثر طبقات ظلمها بغير المعترفين بوجودها. والحال أنّنا لسنا فقط جياع، نحن أيضًا عطاش إلى فضاءات جديدة، أحاديث جديدة، دروس جديدة، فرص جديدة، تجارب جديدة، نظريّات جديدة.»

وعددت عمّار مجموعة من المقترحات التي تعتقد في أولويتها لمعالجة مواطن القصور، وهي: ابتكار أدوات جديدة، وتوسيع المساحات لاستقبال شابات أكثر وهويات جندرية مختلفة، بالإضافة إلى مضاعفة العمل على الأرض والحد من المنافسة غير الضرورية قدر الإمكان.

هناك ظواهر عنف تبقى عصيةً على التحجيم بسبب تضافر الأسباب التشريعية والمجتمعية والدينية معًا، بما يسمح بتمددها وإطالة عمرها ووضع بعض الدول على قائمتها السوداء، مثلما هو الحال مع ختان الإناث في مصر، لكن وفقًا لكلام عمّار فإن لبنان لا يعاني من تفاقم ظاهرة بعينها إلى حد يضعها في مقدمة الدول في انتشارها، لكنها أكدت بشدة أن العنف الأسري وحرمان النساء والأمهات من حقوقهن الأسرية من أكثر أشكال العنف والتمييز انتشارًا في لبنان.

مع نشأة الحركة النسوية في العالم العربي، أدركت الرائدات أهمية الصحافة كأحد وسائل التنوير، وكثيرات منهن أطلقن مجلات واكبت مطالب الحركة ونضالها، بل إن أول مجلة نسائية في الوطن العربي وهي «الفتاة» صدرت على يد اللبنانية «هند نوفل» في مدينة الإسكندرية المصرية، إلا أن الصحافة النسوية في العالم العربي الاَن تشهد تراجعًا كبيرًا. تحدثت عمّار عن وضع الصحافة النسوية في لبنان تحديدًا مشيرة إلى أن المشاكل المرتبطة بالموارد والتمويل تحول دون خلق تلك الوسائل الإعلاميّة أو استمراريتها، وهناك مبادرات تهتم بإنتاج المعرفة النسوية ولكن قدرتها على الوصول إلى الشرائح الأوسع محدودة، فضلًا عن جرائد إلكترونية جديدة يُعوَّل عليها، لما تبرزه من رغبة في تخصيص خانات ومواضيع تتناول فيها القضايا النسوية.

وانتقلت في القول «ثمة صحافيات يواكبن القضايا النسوية وينشرنها عبر وسائل إعلامية واسعة الانتشار وهذا أمر جيد، ولكنه بالطبع غير كافٍ. فمعظم الوسائل الإعلامية الكبرى تعتمد على الإعلانات وأموال النافذين لتتمكن من الاستمرار، والكثير من هذه الإعلانات يعزّز التسليع والتنميط والقطاع الأعرض من النافذين هو من يعيق إنجاز التشريعات اللازمة.»

في مجتمعاتنا، لا فكاك من سلطة أبوية تنال شرعيتها من الدين قبل كل شيء، وتضرب الذكورية بجذورها في أعماق الثقافة، مدعومةً بأنظمة سياسية واجتماعية تعضدها، ومع ذلك تبقى الحركة النسوية من جيل إلى جيل متمسكة بالمقاومة وسيلة وبالتغيير سبيلًا. انطلاقًا من هذا الاعتقاد قررنا إنهاء حوارنا مع الناشطة والكاتبة النسوية مايا عمّار بسؤالها عن السبب الذي يدفعها بشكل شخصي إلى تجاوز الإحباطات التي تلاحق الحركة النسوية والاستمرار في هذا الطريق دون تراجع، فجاءت إجابتها قاطعة «النسوية أداة تساعدني في تقبل ذاتي وفي خوض معترك الحياة الصعب كامرأة تعيش حياةً غير تقليدية. أريد لي ولغيري من النساء ألا نضطر بعد اليوم إلى تبرير خياراتنا ودفع الثمن غاليًا للوصول إلى أي مكان نرغب في الوصول إليه، حتى لو كان حديقة صغيرة محاذية للبيت. النسوية شكل من أشكال المقاومة ولا سبيل لنا سوى مقاومة الذي نتعرض له طوعًا أو قسرًا. لكن الأهمّ من كل ذلك، أنني أشعر بامتنان شديد للواتي جهّزن الطريق من قبلنا وحققن ما نفترض اليوم أنه من المُسلّمات، وأريد المساهمة بأي شكل من أشكال في المسار الذي سيفضي إلى تحقيق ما ستفترضه شابات الغد أمرًا مُسلّمًا به.»