والخوض مع الحقيقة

أهون من تركها تسقط بلا نضال

دعي الأفكار يصنعها الزمان

أن تسيل الدماء أفضل من الهوان

آه .. لو يملك الإنسان

القوة .. والحرية .. والإيمان

هذه الكلمات من قصيدة كتبتها الشهيدة الفلسطينية شادية أبو غزالة، ونشرتها ماجدة المصري السياسية الفلسطينية وعضوة المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في نوفمبر من العام 2016 بالتزامن مع الذكرى السنوية لاستشهادها.

كانت الشهيدة أعز وأقرب صديقة لماجدة المصري، فقد درستا سويًا في المدرسة الفاطمية في مدينة نابلس، وكانتا من أوائل الفتيات اللاتي انضممن إلى الخلايا الفدائية داخل فلسطين، لكن القدر لم يسعفهما باستكمال مشوارهما سويًا بعد أن قال كلمته الأخيرة ورحلت شادية أبو غزالة بعد شهور قليلة من إتمام عامها العشرين.

«شادية أبو غزالة» هي أول شهدة فلسطينية تسقط في أعقاب نكسة يونيو 1967، وتعد واحدة من أبرز الفلسطينيات اللائي دفعن حياتهن ثمنًا للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي منذ إعلان بلفور الصادر في العام  1917، باعتباره وعدًا من بريطانيا بإنشاء دولة لليهود في فلسطين.

من الاَلم نبتت بذور المقاومة

في كتاب «نساء فلسطين في معترك الحياة» يقول الكاتب والباحث عبد القادر ياسين إن المصادفة أوقعت شادية أبو غزالة بين معترك النكبة والنكسة، فقد ولدت في العام 1948 أي بعد النكبة بسنة واحدة واستشهدت في العام 1968 بعد النكسة بسنة.

ولدت أبو غزالة في الثامن من يناير في العام 1949 بمدينة نابلس، إحدى أكبر مدن الضفة الغربية، وبعد خمس سنوات فقط توفيت والدتها فأضحت شقيقتها الكبرى هيام هي الراعي والمحتضن لها، وكان لشخصية والدها المثقفة وطبيعته المتحررة أثرها في تشكيل شخصيتها المستقلة والقيادية.

تلقت أبو غزالة تعليمها الأساسي بالمدرسة الفاطمية في نابلس، ثم أكلمت المرحلة الثانوية في مدرسة العائشية، وفي عامها السادس عشر انضمت إلى حركة القوميين العرب التي تشكلت في أعقاب نكبة العام 1948 .

سافرت إلى القاهرة لمواصلة دراستها الجامعية، حيث التحقت بكلية الاَداب في جامعة عين شمس وتخصصت في دراسة علم الاجتماع، لكن سرعان ما عادت إلى فلسطين  بعد سنة واحدة فقط، والسبب في ذلك هو النكسة واحتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان.

عادت أبو غزالة أدراجها وعلى الرغم من رفض أسرتها لقطع دراستها  في القاهرة، فقد بدت متمسكة بقرارها وبررت ذلك بقولها «ما فائدة الشهادة الجامعية إذا لم يكن هناك جدار أعلقها عليه»، لكن بعد فترة وجيزة قررت أبو غزالة مواصلة الدراسة في بلدها ومدينتها، واختارت جامعة النجاح الوطنية الموجودة في نابلس حتى تظل جزءًا من المقاومة الفلسطينية.

كانت أبو غزالة نموذجًا لنضال المرأة الفلسطينية ضد الاحتلال، وقد أيقنت الشابة الصغيرة أن تحرير فلسطين هو مسؤولية المرأة والرجل معًا، واَمنت أن انتصار الشعوب في سبيل الحرية لا يتحقق إلا بالتشارك بين النساء والرجال في التصدي ومقاومة الاحتلال.

كراهية الاحتلال أمر بديهي، وفي قلب أبو غزالة كانت متغلغلة ويُزيدها يومًا بعد الاَخر ما كانت تعايشه من انتهاك لأرضها وكرامة شعبها، ويؤكد ذلك كلماتها «في زيارة للسجن رأيت الكثير، رأيت الفلاحين والعمال الكادحين يقفون في ذلة، فوقفت معهم انتظر، رأيت الاحتقار الذي يوجهونه لأهالي المساجين. فاشتعلت النيران في داخلي.»

رائدة في العمل السري المسلح ضد الاحتلال

بعد  نكسة 1967، انبثق عن حركة القوميين العرب «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» التي ضمت عدة أجنحة منها «شباب الثأر» و«جبهة التحرير الفلسطينية» و«أبطال العودة»، وقد أضحت أبو غزالة عضوة قيادية بالجبهة في الضفة الغربية، وكانت من أوائل النساء اللاتي شاركن في المقاومة المسلحة عقب نكسة 1967.

في كتابها «الفدائيات: أم أحمد وبناتها الثلاث» تروي الكاتبة منى أحمد الغندور تفاصيل إحدى العمليات العسكرية التي اشتركت فيها شادية أبو غزالة مع أم باسل  – الاسم الحركي لإحدى الفدائيات – وذلك تحت مظلة العمل السري المسلح، حيث وضعتا عبوة ناسفة داخل صندوق سيارة عسكرية كانت تقف إلى جانب المبنى، وقد دمر الانفجار السيارة بالكامل وأودى بحياة ثلاثة جنود وتسبب في جرح  اَخرين. وبعد انتداب أم باسل لتدريب بعض المجندات الجدد في نابلس، تولت أبو غزالة مهمة تنفيذ عمليات تستهدف مواقع  عسكرية للاحتلال بدلًا عنها، لتصبح واحدة من أبرز القيادات بالتنظيم السري الذي انضوى تحت لوائه التنظيم النسائي.

قصة الاستشهاد: روايات مختلفة وبطولة مُتَّفَق عليها

في مساء الــ28 من نوفمبر في العام 1968، استشهدت شادية أبو غزالة ابنة العشرين ربيعًا في مدينتها التي عاشت فيها جل عمرها، وقد اختلفت الروايات حول مكان استشهادها، حيث يذكر بعض الباحثين أنها توفيت أثناء إعدادها لقنبلة يديوية في بيتها، كانت تنتوي تفجيرها في إحدى البنايات في تل أبيب، إلا أنها انفجرت بين يديها وماتت، بينما تزعم مصادر أخرى أنها كانت تسير في طريقها لتفجير إحدى المنشاَت العسكرية التابعة للعدو في نابلس، ولخطأ في التوقيت أو بسبب عطل مفاجئ انفجرت العبوة قبل الموعد المحدد ليتمزق جسدها، وتسقط أول شهيدة بعد نكسة العام 1967.

وعلى حد وصف الكاتبة منى أحمد الغندور لجنازتها، فقد سارت أهالي مدينة نابلس وراء النعش يودعونها، ولم تستطع قوات الاحتلال التصدي للحشود التي كانت تهتف «كلنا شادية»، وتقدم الحشود رفيقتها في العمل المسلح أمل باسل.

كلنا شادية.. باقية هنا

في العام 1998 وبالتزامن مع الذكرى الثلاثين لاستشهادها، صدر كتاب بعنوان  «باقية هنا: شهيدة فلسطين شادية أبو غزالة »، حررته شقيقتها إلهام أبو غزالة التي عرضت من خلاله مجموعة شهادات لرفاقها ولقيادات وطنية فلسطينية، بالإضافة إلى محاولات شعرية لشادية، اختارت لها عنوان «من دفاتر شادية: محاولات شادية في الشعر»، ويؤرِّخ الكتاب لحياة الشهيدة ولنضالها السياسي والعسكري، وقد حددت شهادة إلهام ثلاثة عوامل ساهمت في تكوين شخصية شقيقتها، وهي: حب الأهل، وفقدان تقدير المرأة في المجتمع، والعمل الوطني المنظَّم.

علاوة على ذلك، فقد أفردت شقيقة الشهيدة مساحة للتعريف بشهيدات فلسطينيات أخريات، مثل: فاطمة غزال  وحياة البلبيسي وجميلة أحمد صلاح وذيبة عطية.

رغم قصر العمر.. السيرة خالدة والتكريم باق

تكريمًا لها ولدورها الوطني الملهم، اتخذت المناضلة الفلسطينية البارزة ليلي خالد اسم الشهيدة شادية أبو غزالة اسما حركيًا لها، وتعتبر خالد أول امراة تقوم بخطف طائرة، حيث نفذت في أغسطس من العام 1969 عملية خطف لطائرة شركة إل عال وهي أكبر شركة طيران إسرائيلية، وأجبرت قائدها على تحويل مسارها إلى سوريا، وذلك بهدف إجبار إسرائيل على إطلاق سراح معتقلين في فلسطين، وقد نجحت من خلال هذه العملية في لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية.

من ناحية أخرى، فقد أطلقت السلطات الفلسطينية اسم شادية أبو غزالة على عدد من المدارس في فلسطين، وتزينت به قاعة الحاسوب في المدرسة الفاطمية التي درست بها، كما احتفى بها المتحف الفلسطيني  من خلال مشروع أطلق عليه اسم «مشروع العائلة» يضم مجموعة من الصور في مراحل حياتها المختلفة.