تعود القصة إلى سبعينيات القرن الماضي في صعيد مصر، حيث تعيش النساء تهميشًا وتمييزًا متعدد المصادر والأبعاد منذ الميلاد وحتى الممات. في يوم من أيام الصعيد القائظة، تلقفت أياديهن الطفلة الصغيرة، ليغرزن المشرط في جسدها، اعتقادًا بأن جرحه سيكون بمثابة ختم العفة والطهارة، بينما الاَلم الذي خلفه كان بداية لسلسلة ممتدة من الاَلام صاحبتها طوال حياتها.

بعد كابوس الختان الذي ظل يؤرق (م.أ)، فوجئت وهي طفلة في الرابعة عشرة، بقرار أسرتها بتزويجها وإيقافها عن مواصلة التعليم في المدرسة،  ولا شيء يمكنه أن يثني الأسرة الصعيدية عن قرارها، فالفقر يحكم والستر أهم وأبقى.

كانت الأسرة تؤمن بأن “البنت ملهاش رأي في الزواج وإلا تكون بنت قادرة” على حد تعبير (م.أ)، التي  لم تستسلم بسهولة، خاصة أنها لم تجد في الرجل ما يجعل الأب يتمسك به إلى هذه الدرجة، فذهبت إلى إحدى قريباتها هروبًا منه، لكن الأخيرة خشيت غضب الأب وحاولت إقناعها بالعريس، فلم تجد الصغيرة ملجئًا اَخر للفرار من هذا المصير الذي كانت تدرك أنه سيكون كالقلعة المحصنة والخروج منه عصيب، خاصة لأنها مسيحية والطلاق أمر  شبه مستحيل، فأذعنت لما فٌرِض عليها، وتزوجت بالرجل الذي تبين لاحقًا عدم اتزانه نفسيًا، وعاشت السنة الأولى في الزواج، ما بين تعنيف لفظي واعتداء جسدي لأسباب تصفها بالتافهة، وكلما عادت إلى بيت أسرتها احتجاجًا على أفعاله، أعادوها إليه، فازداد تجبرًا واستساغ الاعتداء عليها،حتى تسبب ضربه المبرح لها في إجهاضها، وأسفرت المضاعفات عن حرمانها من الإنجاب، فقررت أن تعود إلى بيت أهلها وقد عقدت العزم على أن لا تعود إليه أبدًا، وإن أجبرتها أسرتها على ذلك، ستهرب بعيدًا فلا يتمكن أحد من معرفة مكانها.

بعد هذه الواقعة وما تبعها من اَثار جسدية عليها، شعر الأب بالذنب بعد ما تسبب فيه من أذى لابنته، ولم يجبرها مجددًا على العودة إلى الزوج، ولم يعارض رغبتها في الطلاق منه، فقررت بعد أربع سنوات أن تفتح ملف بالمجلس الإكليركي لطلب الطلاق، مستندةً إلى أفعاله غير السوية واعتدائه المستمر عليها، لكن المجلس لم يعلن قراره في طلبها إلا بعد عدة سنوات. رفض المجلس الإكليركي طلب الطلاق، وعلى الرغم من خيبة الأمل والأبواب الموصدة بابًا بعد باب، أصرت على أن تسلك طريقًا اَخر بحثًا عن الخلاص، فلجأت إلى المحكمة ورفعت دعوى طلاق ونفقة أمام القضاء، استمرت على مدار سنة كاملة، حتى ظفرت في النهاية بالطلاق المدني.

انتقل الرجل لاحقًا إلى قرية أخرى، وهناك تزوج بامرأة ثانية بعد أن خدعها وزعم أنه غير متزوج، وعندما انفضح أمره، سمحت الكنيسة لــ(م.أ) بالطلاق والزواج الثاني، لكن هذه الزيجة التعيسة ظلت مرارتها عالقة بذاكرتها، فلم تفكر في الزواج مرة أخرى خشية أن تتكرر المعاناة، وظلت مع والديها حتى انتقلا إلى بارئهما، ولأن التقاليد تقتضي أن تعيش المرأة مع ذويها من الذكور، كان بد أن تنتقل للعيش مع أخيها، لتجد نفسها أمام عنف نفسي ولفظي من جانب زوجته، التي كانت تتعمد أن تصفها بالفاشلة التي لم تُعمّر بيتًا وتمثل عبئًا على أخيها، إلى جانب عنف جسدي من حين لاَخر على يد شقيقها، متذرعًا بأنها لا تحترم وضعها كامرأة مطلقة “عليها ألف عين وعين”

تحت وطأة كل ذلك وبعد 25 عامًا بدون زواج، وافقت (م.أ)  على الزواج  من رجل أرمل لديه ثلاثة أبناء، وعلى عكس ما أملت، فقد انتقلت من معاناة إلى أخرى، حيث اعتبرها الأب والأبناء مدبرة منزل فحسب، وأغلقت من جديد الأبواب في وجهها، وأصبح طريق المقاومة أكثر وعورة  وفرص بالنجاة أقل.

تختتم  (م.أ) قصتها  “أيامنا كانت وحشة ما كنتش الواحدة تقدر تتحكم في مصيرها، ولو قالت حاجة يتقال عليها قادرة. دلوقتي لو سمعت بس عن واحدة أهلها هيجوزوها غصب عنها، بحاول بكل جهدي امنعهم واحكيلهم اللي انا شفته… وبقولهم سيبوا بنتاكوا تتعلم ويكون ليها رأي في جوازها.”