حوار- فيروز كراوية: مشروع «مرايات» لن يعيد إنتاج الخطابات النقدية المعادية للمبدعين.. وصناع الدراما يشاركون في البحث
العمل الفني غير مطالب أن يعكس الواقع من زاوية واحدة وبنفس الصورة
كيف نطالب المبدع بأن لا يقدم مشاهد التحرش الجنسي، بينما يحدث ذلك على أرض الواقع؟
الفنان المنخرط في الوسط الفني، لا بد أن توضع خبرته في سياق البحث
مشروع «مرايات» يتعدى تحليل المضمون إلى تحليل الخطاب العام في المسلسل
إذا كان المنظور الذي أحلل بناءً إليه يهدف إلى ممارسة الرقابة، فعلى صناع الدراما أن يرفضوا التحليل
مع بداية شهر رمضان الماضي، وانطلاق الموسم الدرامي الذي ينتظره سنويًا مشاهدو الشاشة الفضية ويترقبه النقاد والمحللون ويتابعه عن كثب المعنيين بالرصد الإعلامي، أعلن مركز «تدوين لأبحاث النوع الاجتماعي» إطلاق مشروع بعنوان «مرايات» لرصد وتحليل دراما رمضان لموسمي 2017 -2018، من منظور النوع الاجتماعي، وذلك من خلال تحالف شكلّه مع منصة «ولها وجوه أخرى» النسوية ومركز «هردو لدعم التعبير الرقمي».
بتتبع صفحات المشروع على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وانستغرام)، يتبين أن مهمته لا تتوقف عند الرصد المعتاد لصورة المرأة في المسلسلات التلفزيونية، لاسيما المعروضة خلال شهر رمضان، وإنما يركز على رصد وتحليل معالجة هذه المسلسلات لظواهر العنف والتمييز المبني على النوع الاجتماعي، وهذا ما تكشفه بعض المقاطع التي أصدرها المشروع ونشرها عبر صفحاته الاجتماعية، وهي مشاهد مُختارة من بعض مسلسلات موسم رمضان 2018، مصحوبة بأرقام وحقائق عن شكل العنف الذي يعرضه كل مشهد.
علاوة على ذلك، فقد أعلن البيان التأسيسي للمشروع (صدر في 18 مايو الماضي) أن «مرايات» سيعمل على تفادي القصور الذي ظهر في منهجيات الرصد والتحليل المماثلة، التي لم تحقق نتائج ملموسة على مدار أربعة عقود، وسيتجنب معاداة حرية الإبداع، وسيتوقى الوقوع في فخ التركيز على حقوق المرأة دون الأخذ بالاعتبارات التجارية أو الإبداعية أو الفنية.
بعد شهر رمضان، بدأ القائمون على المشروع العمل على قدم وساق من أجل اختيار فريق الراصدين، وأقاموا عددًا من اللقاءات لاختيار الراصدات والراصدين، ثم نظموا تدريبًا استمر لثلاثة أيام، على أدوات واَليات الرصد والتحليل من منظور النوع الاجتماعي، بغية تأهيلهم لعملية الرصد التي من المزمع أن تبدأ في شهر يوليو الجاري.
تتولى الفنانة والمطربة «فيروز كراوية» مسؤولية إدارة مشروع «مرايات» لرصد وتحليل دراما رمضان (2017-2018) من منظور النوع الاجتماعي، ويأتي اختيارها لهذا المنصب، ليس لخلفيتها الفنية فحسب وإنما لما لها من إسهامات في الدراسات الثقافية والفنية في مصر، فضلًا عن أنها حاصلة على درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية في القاهرة، في تخصص الدراسات الثقافيّة.
«ولها وجوه أخرى» التقت «فيروز كراوية»، وأجرت معها هذا الحوار، للتعرف إلى المشروع ودوافع إطلاقه وأهدافه عن قرب.
بدأنا الحوار بسؤالها عن أهمية تحليل المحتوى الثقافي عمومًا من منظور النوع الاجتماعي، فأجابتنا «منهج التحليل الثقافي واسع وله فروع عديدة وسياقات مختلفة، فهناك بحث ينظر إلى السياق السياسي، واَخر ينظر إلى السياق الاجتماعي، وهناك بحث يراعي النوع الاجتماعي، وكل هذا يتداخل مع الدراسات والتحليلات الثقافية. والتحليل من منظور النوع الاجتماعي فرع من فروع البحث، ولكنه متراجع في مصر، ولذلك فإن دمجه في الدراسات الثقافية أمر مهم، ولا بد أن نستعرضه من خلال التحليل الثقافي.»
وعن ما يختلف بين مشروع «مرايات» ومشروعات الرصد التي تنفذها مؤسسات أخرى، مثل «المجلس القومي للمرأة» وعدد من المنظمات النسوية التي تخصص مراصد خلال شهر رمضان سنويًا، لمتابعة ورصد صورة المرأة في الدراما المعروضة، أشارت «فيروز» إلى أن ما يميز «مرايات» هو أنه كمشروع رصد وتحليل يضع صناع الدراما كمرجع ويحرص على إشراكهم في العملية نفسها، وهو أمر غير متحقق في المشاريع الأخرى، فضلًا عن أن استطلاع رأي الجمهور لن يقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما سيكون هناك مقابلات مباشرة مع جمهور المشاهدين للدراما من فئات مختلفة وطبقات اجتماعية متنوعة.
وبحسب «فيروز»، فإن المشروع سيتعدى تحليل المضمون إلى تحليل الخطاب العام في المسلسل، وهذا ما ترى أنه سيثري التقرير النهائي للمشروع، الذي من المنتظر أن يصدر منتصف العام المقبل (2019).
يظهر لوجو المشروع وقد غلب عليه اللون الأبيض، وفي قلبه امرأة تنظر إلى التلفاز لترى انعكاس صورتها على شاشته كما لو كان مراَه، لتبدو الصورة متسقة مع اسم المشروع الذي سألنا «فيروز» عنه، فأوضحت لنا أن أكثر ما جذبها لاسم «مرايات» كان شعورها بأنه يوحي ويعبر عن ما يحدث في العمليتين الفنية والبحثية معًا.
ثم استطردت «الفن لا يعكس الواقع بصورة واحدة، وإنما يقدم صورًا متعددة تعكس هذا الواقع، والعمل الفني غير مطالب أن يعكس الواقع من زاوية واحدة وبنفس الصورة، والبحث أيضًا لا بد أن يؤمن بالتعددية، وهذا ما ينطلق منه المشروع.»
أغلب التقارير التي تصدرها لجان المشاهدة والرصد في المنظمات النسوية والنسائية، عادةً ما تنتهي إلى توصية بضرورة توقف صناع الدراما عن تقديم صور تهين المرأة أو تروج للعنف ضدها، وهو ما يرفضه في المقابل المبدعون. يسعى مشروع «مرايات» لتجاوز هذه الإشكالية، وقد أكدت «فيروز» أن المشروع يأتي في مقدمة اهتماماته، عدم إعادة إنتاج الخطابات النقدية التقليدية الموجهة ضد المبدعين، كما أنه يحترم تمامًا قيمة حرية الإبداع الأساسية والمطلقة على حد تعبيرها.
وأردفت قائلة «نحن نجمع معلومات من المبدعين أنفسهم، بهدف سبر أغوار الصناعة وظروفها ومدى تحقيقها لما نتطلع إليه، لكن ذلك ليس من باب إلزام المبدع بأن يلغي رؤيته للواقع، لأن ذلك ليس من الأمانة البحثية أو الأكاديمية، فعلى سبيل المثال كيف نطالب المبدع بأن لا يقدم مشاهد تعرض التحرش الجنسي بالنساء في الشوارع، بينما يحدث ذلك بالفعل على أرض الواقع، بل إن مثل هذه المشاهد التي توثق العنف ضد المرأة لا بد أن تُعرَض، فضلًا عن أن مثل هذه المطالبات تلغي أساس الصراع والجدل، الذين تقوم عليهما صناعة الدراما وحينها لن يبقى سوى دراما وعظية مثلما كانت في فترة الثمانينيات، وإذا كان المنظور الذي أحلل بناءً إليه يهدف إلى ممارسة الرقابة، فعلى صناع الدراما أنفسهم أن يرفضوا هذا التحليل أو البحث، لأنه يشجع على العودة إلى الوراء ولا يرنو إلى التقدم بها.»
على ذكر التقارير التي ترصد وتحلل صورة المرأة، ويراها صناع الدراما بمثابة وسيلة من وسائل الرقابة على إبداعهم، كان لا بد أن نسأل «فيروز» كونها فنانة بالأساس وبالتأكيد تعادي فكرة الرقابة على الفن، عن الشيء الذي شجعها على تولي زمام مشروع «مرايات» الذي يرصد ويحلل ويعني بوضع المرأة في الدراما.
«أرى أن الفنان المنخرط في الوسط الفني، لا بد أن توضع خبرته في سياق البحث، وفي دول أخرى، هناك الكثير من باحثي الدراسات الثقافية من الفنانين، لأنه من المهم أن يكون الباحث على دراية بالصناعة الفنية وطبيعتها وموازين القوى داخلها.»
وتابعت «فيروز» قائلة «اعتقد أن استقطاب أفراد من داخل الصناعة للمشاركة في عملية البحث ميزة كبيرة، لتجنب الوقوع في فخ تجاهل ظروف الصناعة، وإملاء الشروط دون دراية بالعقبات التي يواجهها العاملون فيها، وهو ما سيعالج بالتبعية أزمة الفجوة بين البحث والممارسة الفعلية للفن.»
في إطار مساهماتها في الدراسات والأبحاث الثقافية والفنية، صدر لــ«فيروز كراوية» كتاب «مباني الفوضى» في العام 2010، الذي تحلل من خلاله معالجة السينما للعشوائيات من خلال استعراض نقدي لفيلمي «حين ميسرة» و«اللمبي».
صناعة الدراما في مصر تقع تحت سيطرة ذكورية واضحة، في ظل محدودية الحضور النسائي في أدوار الإنتاج والإخراج والتأليف وغيره من أدوار خلف الشاشة، وبالنظر إلى مسلسلات رمضان الماضي (موسم 2018)، يتبين أن المنتجات المشاركات في إنتاج مسلسلات هذا الموسم هما، «مها سليم» و«منى قطب» فقط، بينما اقتصر الحضور النسائي في الإخراج على «هالة خليل» لمسلسل «بالحجم العائلي» و«تغريد العصفوري» متعاونة مع «ماري بادير» في إخراج مسلسل «واكلينها والعة»، بينما بلغ عدد الكاتبات المشاركات في هذا الموسم ست كاتبات.
بحسب حديث «فيروز» معنا، فإن مسألة تمكين النساء في هذه الصناعة، أحد شواغل المشروع ومحاور البحث، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن التعامل مع هيمنة الذكور على الصناعة سيكون شرطًا قاعديًا، لأن الصناعة الفنية مثل أي مؤسسة تخضع للسيطرة الذكورية لأسباب كثيرة تخص السياق المجتمعي، ولكن ما سيركز عليه المشروع هو البحث في العلاقة بين انخراط النساء في هذا المجال وانعكاس ذلك على الأفكار والقضايا المطروحة في الأعمال الدرامية، وما إن كانت زيادة العدد تؤثر بالسلب أم بالإيجاب فيما يتعلق بإنتاج الخطابات الذكورية.
خبرة «فيروز» في الموسيقى كانت محور سؤالنا التالي الذي حاولنا من خلاله معرفة ما إن كانت الموسيقى التصويرية موضع دراسة وتحليل في المشروع، لكنها أكدت أن ذلك سيكون في نطاق محدود، نتيجة ما وصفته بغياب التوظيف الدرامي السليم للموسيقى التصويرية، وأصبحت بالنسبة إليها، مصدر إزعاج نتيجة وجودها في أي موضع وكل موضع، بغض النظر عن مدى الحاجة إليها.
«فيروز كراوية» حاصلة على دبلوم الدراسات الحرة من معهد الموسيقى العربية في مصر، متخصصةً في الغناء الشرقي وقراءة النوتة والعزف على آلة العود.
ينفسم المشروع إلى عدة مراحل حدثتنا عنها «فيروز»، لافتةً إلى أن المرحلة الأولى قد بدأت بالفعل، باختيار المشاركين في عملية الرصد، وسيتبعها مرحلة اللقاءات البؤرية التي تشمل جمهور المشاهدين للمسلسلات إلى جانب المقابلات المعمقة مع صناع الدراما، لتأتي بعد ذلك مرحلة تحليل البيانات الكمية وتحليل المضمون والخطاب، وأخيرًا مرحلة كتابة التقرير النهائي.
عن هذا التقرير المرتقب، سألنا «فيروز» عن تطلعات القائمين على المشروع بخصوصه، فشددت على أن أهم ما يصبو إليه فريق العمل في «مرايات» هو خروج التقرير بأكبر قدر من الأمانة والحيادية.
تحيط بــ«فيروز» أرواق كثيرة تدون فيها ملاحظاتها بشأن كل ما يخص المشروع، بينما تتواصل الاجتماعات واللقاءات والتدريبات بشكل مكثف، وهو ما يشي بأن «مرايات» يستنفذ الجزء الأكبر من وقتها، وهو ما أكدته لنا في نهاية الحوار «بالطبع سيؤثر المشروع على إنتاجي الموسيقي، ولكنني أحببت فكرته وقررت أن تكون هذه السنة له.»