«ميلينست فوسيت» ..من هي السيدة التي كسرت احتكار الرجال لساحة البرلمان البريطاني العريقة؟
قبل شهر وقفت رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماي» في ساحة البرلمان البريطاني العريقة، في ويستمنستر في لندن، وقالت «لم أكن لأقف اليوم هنا كرئيسة للوزراء، ولم تكن أي سيدة لتدخل البرلمان، ولم يكن أي منا ليحصل على الحقوق والحماية التي يتمتع بها اليوم، لولا امرأة عظيمة وهي ميليسنت فوسيت»، وذلك عقب إزاحة الستار عن تمثال برونزي لهذه السيدة، التي أضحت صاحبة أول تمثال لامرأة في ساحة البرلمان البريطاني العريقة.
الاحتفال بمئة عام على حق التصويت في حضرة «فوسيت»
يجسد التمثال البرونزي «فوسيت»، وهي تحمل لافتة مكتوب عليها «الشجاعة تستدعي الشجاعة في كل مكان»، واستقبلته ساحة مجلس العموم البريطاني الشهر الماضي (إبريل، 2018)، وهي الساحة الأشهر في المملكة، ليكون التمثال الـ12 بعد 11 تمثالاً لرجال من الرموز المؤثرة في التاريخ السياسي في بريطانيا وغيرها، ويرى البريطانيون أن «فوسيت» هي السبب الرئيس وراء حصول النساء هناك على حق الترشح والتصويت، بفضل نضالها الطويل دفاعًا عن حقوق النساء وفي مقدمتها حقوقها السياسية، ويأتي اختيارها لتكون صاحبة التمثال، تكريمًا لها في إطار احتفالات بريطانيا بمرور مئة عام على نجاح النساء في انتزاع حقهن في الترشح والتصويت في الاستحقاقات الانتخابية.
صمم التمثال الفنانة البريطانية «جيليان ويرينغ» التي بدأت مشاورها الفني في العام 1990، بعد سنوات من العمل بالصحافة، وهي واحدة من أكثر الفنانين تلقيًا للجوائز الفنية الرفيعة، ومنها جائزة «ترنير» في العام1997، التي تعد أهم وأرفع جائزة بريطانية في الفنون المعاصرة وتقدم للفنانين مبدعين تحت سن 50 عامًا، وقد فازت بها عن لوحة «60 دقيقة صمت».
الساحة التاريخية تستقبل السيدة الأولى
تعد ساحة البرلمان البريطاني من أشهر الساحات حول العالم لأهميتها التاريخية، لا سيما أن برلمان بريطانيا العظمى يعود تأسيسه إلى العام 1707، بالإضافة إلى اعتبار الساحة مركزًا للاحتجاجات السياسية على مدار عقود طويلة، وإحاطتها بعدد من المؤسسات الرسمية، وهو ما يجعلها نقطة جذب سياحية. يعتبر تمثال رئيس الوزراء البريطاني «إدوار دسميث ستانلي» هو أول التماثيل الإحدى عشرة التي احتضنتها الساحة قبل تمثال «فوسيت»، وقد أزيح عنه الستار في يوليو من العام 1874، ثم لحق به تمثال لرئيسي وزراء بريطانيا «هنري جون» و«بنيامين دزرائيلي»، فيما بعد وُضِع تمثال لرئيس الوزراء البريطاني في فترة الحرب العالمية الثانية «ونستون تشرشل»، ثم تمثال آخر لزعيم حركة الاستقلال في الهند «مهاتما غاندي»، ورئيس جنوب أفريقيا المناهض للتمييز العنصري «نيلسون مانديلا»، والرئيس الأمريكي الأسبق «أبراهام لينكولن»، وعدد من رؤساء وزراء بريطانيا السابقين؛ «روبرت بيل»، و«ديفيد لويد جورج»، و«جورج كاننج»، وأخيرًا رئيس وزراء جنوب إفريقيا الأسبق «جان سمتس».
«فوسيت» والطريق إلى إقرار الحقوق السياسية لنساء بريطانيا
دافعت «ميليسنت فوسيت» عن حقوق المرأة، من خلال العمل السياسي والاجتماعي، وعبر القلم والكتابة. بدأت مسيرتها السياسية ولم تكن قد بلغت العشرين من العمر، وكانت من المؤمنين بأن المنطق والسلمية أدوات أقوى لتحقيق مطالب الناس من خلال استمالة أعضاء البرلمان، بينما يضر اللجوء إلى العنف على معركة انتزاع الحقوق، لذلك تعتبر رائدة حركة الدفاع عن حقوق النساء السياسية في بريطانيا، إبان مرحلة «اللاعنف» في الفترة من العام 1800 وحتى العام 1919.
بالتعاون مع عشرة أشخاص آخرين، أغلبهم من النساء، شكلت جمعية كنسينغتون في العام 1865، وكانت بمثابة مجموعة نقاش ركزت على حق المرأة في التصويت، وبعد عام ، وعمرها ما زال 19 عامًا، جمعت «فوسيت» توقيعات على الالتماس الأول من أجل حق المرأة في التصويت، وأصبحت سكرتيرة جمعية لندن لحقوق المرأة، ويعود أول خطاب تحفيزي لها بشأن حق النساء في التصويت، إلى العام 1868.
في العام1897، تولت رئاسة «الاتحاد الوطني لحق النساء في التصويت» وهو منظمة نسائية عملت على الحشد والضغط من أجل نيل هذا الحق، واستمر نشاطها من خلاله حتى حصدت نساء بريطانيا ثمار نضالهن، ونلن حق التصويت في العام 1918، لتقرر بعدها بسنة واحدة، أن تتقاعد وتوقف نشاطها عبر هذه المنظمة.
علقت رئيسة الوزراء البريطانية، عقب إزاحة الستار عن تمثال «فوسيت»، قائلة «عقد تلو الآخر ، في مواجهة شرسة، جابت البلد والعالم في الأغلب، ليس فقط دفاعًا عن حق التصويت، وإنما عن مجموعة كاملة من القضايا»، مؤكدةً أن التمثال يعمل على التذكير بحياة خارقة.
تلقت «فوسيت» تعليمها في إحدى المدارس الداخلية في لندن خلال خمسينيات القرن التاسع عشر، وكانت تصطحبها شقيقتها الكبرى – التي أصبحت أول طبيبة في بريطانيا – إلى الخطب والمناقشات والندوات، وبين هذه الندوات كان لندوة الفيلسوف والاقتصادي، «جون ستيورات ميل»، الذي يعد من من أبرز دعاة التحرر في بريطانيا، أثرًا كبيرًا عليها وعلى رؤيتها فيما يتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء، وتحديدًا في حق الاقتراع العام، وقد ذكرته بإجلال في كلمة كتبتها في العام 1928، عقب تعديل البرلمان لقانون كان قد وافق عليه في العام 1918، يقضي بحق المرأة في التوصيت عندما تبلغ 30 عامًا، بينما جاء التعديل ليسمح للنساء بالتصويت في عمر 21 عامًا، وقالت في جانب منها «لقد مضى 61 عامًا، عندما سمعت «جون ستيورات ميل» يقدم تعديله في قانون الإصلاح، من أجل حق النساء في التصويت، في مايو 1867، ولذلك كان لدى حظ جيد في رؤية النضال من البداية.»
اهتمت «فوسيت» بحقوق أخرى إلى جانب حربها لانتزاع الحقوق السياسية، مثل التعليم، إذ لعبت دورًا في تأسيس كلية نيونهام في كامبريدج، ودعمت حقوق العمال، فاحتجت ضد القوانين التمييزية ضد النساء في بيئة العمل، كما أوفدتها الحكومة في العام 1901 إلى جنوب أفريقيا، حيث ترأست لجنة تولت التحقيق في الجرائم الوحشية التي وقعت في المعسكرات البريطانية هناك، إبان حرب الاستقلال الثانية (حرب البوير الثانية)، وعندما قامت الحرب العالمية الأولى أوقفت نشاط «الاتحاد الوطني لحق النساء في التصويت»، وجعلت خدماته قاصرة على المجهود الحربي والمستشفيات ومعسكرات التدريب.
توفيت «ميليسنت فوسيت» في عام 1929 عن عمر ناهز 82 عامًا، تاركة ورائها العديد من الكتب التي تدل على اهتمام واسع بالعديد من القضايا ومنها؛ مناهضة عمالة الأطفال والتعليم، ومن أبرز كتبها «الاقتصاد السياسي للمبتدئين»، بالإضافة إلى كتابي سيرة ذاتية، هما؛ «انتصار النساء وما بعده» و«ما أتذكره».
سيدة كادت تسبقها إلى ساحة البرلمان
في العام 2016، كانت هناك حملة قادتها الكاتبة النسوية الإنجليزية «كارولين كريادو بيريز»، للمطالبة بوجود تمثيل نسائي في حرم البرلمان البريطاني، وطرحت اسم «مارجريت تاشتر»، لكن مجلس ويستمينسر رفض وضع تمثال لأول رئيسة وزراء لبريطانيا في هذا الموقع، وترددت حجج عديدة، كوجود العديد من التماثيل، كما نقلت الصحف البريطانية أسبابًا أخرى من بينها، عدم الحصول على تصريح من عائلة «تاتشر»، أو الانتظار حتى يمر قرن على رحيلها، وهي فترة يرى المجلس أنها كافية لإنهاء أي خلافات سياسية أو حزبية، بشأن السيدة الأقوى في تاريخ بريطانيا.