لم تعد «الحاجة فقط أم الاختراع»، ولكن كلما كان الاختراع تطبيقًا عمليًا مبتكرًا لفكرة «الخروج من الصندوق»، نجح في تجاوز أزمة الاحتياج والقضاء على أسبابها، وهذا ما أدركته مجموعة شبابية انخرطت فى العمل التطوعي لسنوات في مجال مواجهة التحرش الجنسى، فابتكروا تطبيقًا جديدًا للهواتف الذكية يمكن تحميله عبر متجر جوجل بلاي ستور، ليكون بمثابة حارس شخصي للفتاة، ولكن إلكتروني، ليساعدها خطوة بخطوة في مواجهة المتحرشين. التطبيق الذي يحمل اسم «Street Pal» أو «صديق الشارع»، انطلق في نوفمبر من العام الماضي (2017)، وقد نجح خلال شهور قليلة في أن يجذب أكثر من 1000 مستخدم.

عن «Street Pal» وطريقة استخدامه والهدف منه، تتحدث «ياسمين مدكور» مؤسسة التطبيق، إلى «ولها وجوه أخرى»:

وتستهل حديثها قائلة «يستهدف التطبيق مكافحة حوادث التحرش الجنسي بطريقة مختلفة، تعتمد فيها الفتاة على نفسها في مواجهة المتحرشين عبر التوعية والدعم من خلال تطبيق إلكترونى تُحمِّله على هاتفها الخلوي، الذي يقدم لها خريطة سريعة، تحدد أقرب قسم شرطة، إذا ما رغبت في تحرير محضر ضد المتحرش.»

وتعتبر «مدكور» أن التطبيق أقرب لأن يكون حارسًا شخصيًا للفتاة ولكن بشكل إلكتروني، إذ يصاحبها في كل مكان تذهب إليه، ويتميز بخاصية العمل حتى لو كان الهاتف أوفلاين أو غير متصل بشبكة الانترنت، ليكون بمثابة صديق للفتيات، يزودهن بالنصائح والمعلومات ليحمين أنفسهن من حوادث التحرش المختلفة.

وتكشف «مدكور» أن للتطبيق ثلاثة محاور للعمل؛ أولها، عندما تلاحظ الفتاة شخصًا يحاول تتبّعها في الشارع، والثاني، عندما تتعرض الفتاة إلى التحرّش، أمّا الثالث، عندما تكون قد تعرّضت بالفعل إلى التحرّش.

وتتابع «عندما تشعر الفتاة في أي وقت بالخطر، يمكنها الاستعانة بالتطبيق على الفور، وسيساعدها عبر خريطة سريعة، تحدد لها أقرب موقع لقسم شرطة، إذا كنت تريد تقديم بلاغ ضد المتحرش، أو سيمدها بمعلومات ونصائح بشأن ما يتعين عليها فعله، لتحافظ على أمنها وسلامتها الجسدية».

تشير «مدكور» إلى أن التطبيق يساعد الفتاة على تسجيل أرقام هواتف المقربين منها، حتي يجري تنبيههم عبر إشعارات يرسلها إليهم، في حالة احتياجها إلى مساعدة منهم أو لتطمأنهم عليها في حالة زوال الخطر.

تؤكد مؤسسة «Street Pal» أن التطبيق يمكن اعتباره مُنقذًا سريعًا، يجعل الفتاة تعتمد على نفسها ولا تنتظر المساعدة من أحد في الشارع أو في المكان الموجودة فيه، لأنه كثيرًا ما يكون الشخص الذي تستعين به الفتاة هو أيضًا متحرش، ومن ثم تواجه تحديات مضاعفة من أكثر من شخص، ولكن من خلال التطبيق فهى عبر الشات أو المحادثة، يرد عليها أشخاص مدربين ويوضحون لها خطوة بخطوة حقوقها والخيارات المتاحة أمامها إذا ما تعرضت للتحرش الجنسي، وماذا يتعين عليها فعله لتحافظ على أمانها.

يضم التطبيق دليلًا شاملًا لحقوق المرأة القانونية، يشمل تعريفات التحرش الجنسي وأنواعه، ومواد القانون التي تجرمه.

تذكر «مدكور» أن ردود الأفعال منذ إطلاق التطبيق في نوفمبر الماضي، إيجابية من جانب الفتيات والشباب أيضًا، لا سيما خلال الترويج له في الجامعات والحفلات والتجمعات الشبابية، مشيرةً إلى أن الفتيات يعانين من غياب وعي تجاه حقوقهن القانونية، ويجهل كثير منهن بوجود نص قانوني صريح لمكافحة التحرش الجنسي.

وتستطرد «مدكور» قائلة «فريق العمل القائم على تطبيق «Street Pal»، يعمل حاليًا على تطويره، ليطلق خاصية جديدة في مطلع أغسطس المقبل، تتضمن إمكانية استعانة الفتاة بمتطوع شاب أو فتاة، يتوجه إليها لمساعدتها على مواجهة المتحرش، فيما أشبه بسائق «أوبر» الذي تطلبه الفتاة، وسيكون ذلك عبر خريطة تظهر لها أقرب متطوع إليها.»

وتلفت مؤسسة التطبيق إلى أنه يجري حاليًا تدريب متطوعين من الجنسين على مهارات الدفاع عن النفس، وحماية الناجية، ودعمها نفسيًا في موقع الحادثة، ومساعدتها قانونيًا حال رغبتها في تحرير محضر ضد المتحرش.

وبسؤالها عن التنسيق مع الجمعيات النسوية ،تقول «مدكور» إن التطبيق لاقى ترحيبًا كبيرًا  من المجلس القومي للمرأة وعدد من المنظمات التي تدافع عن حقوق المرأة، خاصة أن معظم فريق العمل لديه خبرة تقترب من 10 سنوات في العمل بمجال مكافحة التحرش بالتعاون مع المجتمع المدني، وهو ما يسمح بإمكانية الربط بين الشكاوى التي يتلقاها التطبيق مع تلك التي يستقبلها مكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة، خاصة في الأعياد والمناسبات، وسيكون ذلك مهمًا وفعالًا في دعم الفتيات وحمايتهن، وخلق مساحة آمنة لهن في جميع شوارع مصر، على حد قول «مدكور».

تؤكد «مدكور» أن التحرش ظاهرة متفاقمة، وتحتاج إلى المواجهة وتكاتف الجهود بين المبادرات الشبابية والمنظمات النسوية والمجلس القومي للمرأة والتكنولوجيا الحديثة من أجل الحد منها، لأنه لا يمكن لجهة واحدة مواجهة المتحرشين ومنعهم من التحرش.

جدير بالذكر أن شهر إبريل من العام 2013، شهد صدور اَخر دراسة بحثية عن التحرش الجنسى في مصر، أعدتها هيئة الأمم المتّحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة UN Women، وقد كشفت حينذاك عن زيادة نسبة التحرّش الجنسي في مصر بصورة غير مسبوقة، إذ أظهرت أن 99,3 في المئة، من النساء والفتيات اللواتي شملهنّ البحث، قد تعرّضن إلى شكل من أشكال التحرّش، وقد اتخذت الدولة عدة خطوات بهدف تحجيم الظاهرة، بدأت بإصدار رئيس الجمهورية السابق المستشار «عدلي منصور» قرارًا بقانون يقضي بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، ليعتبر التحرش الجنسي جريمة يُعاقب مرتكبها بالسجن لمدة خمس سنوات، كما أنشأت وزارة الداخلية وحدة متابعة جرائم العنف ضد المرأة والشرطة النسائية، لرصد ومراقبة الشوارع، خاصة في الأعياد والمناسبات والقبض على المتحرشين.