صورة أرشيفية  | فرقة علي الكسار المسرحية – تأسست 1916

لفترة طويلة احتكر الرجال المسرح العالمي، ولم تطأ أقدام النساء خشبته، لاعتباره شرًا لهن أو ذنبًا عليهن، فكان المسرح كتابة وتمثيلًا وإخراجًا في أيدي الرجال، ولم تقف امرأة على خشبة المسرح الإنجليزي على سبيل المثال، حتى خمسينيات القرن السابع عشر، وتحديدًا في العام 1656، عندما قدمت السيدة «كولمان» دورًا في في رواية «حصار رودس»، ومع ذلك استمر ظهور النساء مسرحيًا بشكل غير شرعي، حتى تخلص المسرح من الأحكام الدينية والنظرة الدونية التي تستهدف الممثلات خاصةً في القرن العشرين.

أما المسرح العربي الذي بدأ أولى خطواته لتثبيت قواعده في الثقافة العربية على يد رواده في أربعينيات القرن التاسع عشر، فقد ظهرت على خشبته النساء في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وخلال تلك الفترة خاض رواد المسرح حربًا مضنية للخروج به من صورة يحملها في نفوس الجماهير عن أنه ناد وملهى ليلي ومكان يشيع فيه الفسوق، وصدّق كثيرون في ذلك الزمان أنه واحدة من «الكبائر» أو الخطايا الكبرى، ولم يقتصر التحريم الديني على رجال الدين الإسلامي، وإنما مارسه رجال الدين المسيحي أيضًا.

ظل الرجال يؤدون أدوار النساء في الروايات، حتى قرر أحد رواد المسرح العربي وهو السوري «سليمان قرداحي» أن يتحدى التقاليد والمحاذير، ويضم العنصر النسائي إلى فرقته التي أسسها في مصر وكان يجوب بها المحافظات المصرية، فانضمت زوجته ثم ضم مطربة وممثلة شامية تدعى «ليلى» في العام 1888، ثم قامت الفرقة برحلة إلى سوريا في العام 1894، عاد منها وقد ضم 11 ممثلة، ليكن الرعيل الأول الممثلات المسرحيات في العالم العربي، بينما تزعم بعض الدراسات التاريخية، أن «أبو خليل القباني» وهو رائد من رواد المسرح العربي في سوريا أيضًا، ومؤسس مسرح «القباني» العريق في دمشق، هو أول من ضم العنصر النسائي إلى فرقته، لكن الثابت هو أنه لجأ إلى إلباس الصبية ملابس النساء، لتأدية الأدوار النسائية على المسرح، وهو ما كان سببًا في هجوم ضارٍ من الشيوخ السوريين ضده، وتطورت الأزمة، حتى اضطر إلى إغلاق مسرحه في دمشق وانتقل إلى الإسكندرية، وربما يكون قد أقدم على ضم العنصر النسائي إلى مسرحه بعد انتقاله إلى مصر، وسيكون ذلك في نفس التوقيت تقريبًا، الذي ضمت فيه فرقة «قرداحي» الممثلات.

تشير مراجع تاريخية أخرى إلى أن رائد المسرح المصري والعربي «يعقوب صنوع» هو الذي أدخل العنصر النسائي إلى المسرح، عندما ضم فتاتين إلى فرقته بعد أن علمهما القراءة والكتابة، وذلك قبل نفيه من قبل الخديوي «إسماعيل» إلى باريس في العام 1870، بسبب مسرحياته التي تنتقد وتسخر مما اَلت إليه الأوضاع في مصر في ذلك الوقت.

تظل مسألة الجزم بصحة أسماء أو توقيتات ظهور أول ممثلة أو مجموعة ممثلات على  خشبة المسرح شبه مستحيلة، وذلك لعدة أسباب أولها، أن إعلانات أو برامج العرض، كانت لا تتضمن أسماءهن في تلك الفترة، فضلًا عن أن العديد منهن كن يقدمن دورًا ثم يختفين تمامًا عن الساحة، لأسباب اجتماعية ودينية، ولم توثق أي من ممثلات المسرح في تلك الفترة تجربتها كتابةً، باستثناء واحدة تدعى «مريم السماط»، وهي سورية الأصل، هاجرت إلى مصر مع أسرتها في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وعملت مع ورواد المسرح حينذاك، وفي مقدمتهم «القباني»، ثم «اسكندر فرح» و«سلامة حجازي» و«جورج أبيض»، وبحسب وثائق «قبس من روح مصر»، التي نُشرت في العام 2008، وإحداها لكشف مرتبات الممثلات والممثلين في فرقة «جورج أبيض» عن شهر مايو من العام ١٩١٢، فإن «السماط» كانت الممثلة الأولى في الفرقة، إذ بلغ راتبها 20 جنيهًا، وهو الأعلى بين رواتب الممثلات بالفرقة. وكانت «السماط» قد كتبت عددًا من مقالات نشرتها جريدتا «الأهرام» و«المؤيد» في العام 1906، كما نشرت «الأهرام» جانبًا من مذكراتها في صيف العام 1915، تحت عنوان «مذكرات ممثلة»، تتحدث فيها عن المسرح عمومًا وعن تجربتها فيه خصوصًا. وعن بداياتها كتبت تقول «اندمجت في جوقة المرحوم أبي خليل القباني. والممثلون كلهم سوريون ليس بينهم مصري واحد، لأن هواة هذا الفن منهم كانوا يندمجون في سلك الجماعات، ويكوّنون لهم (مراسح) خاصة…..»