سيدات كسرن الاحتكار الذكوري لـ«الانتخابات الرئاسية» في العالم العربي
شهدت مصر في العام 2005، أول انتخابات تعددية، وذلك بعد تعديل المادة 76 في الدستور المصري (لسنة 1971)، وبلغ عدد المشرحين حينذاك عشرة، بعد استبعاد 20 اَخرين، وعلى الرغم من أنها كانت انتخابات صورية للتمديد للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بطريقة بديلة للاستفتاء، تتلائم بعض الشيء ومتغيرات المشهد السياسي الدولي، فقد أحدثت حِراكًا في الساحة السياسية حينها. ومنذ ذلك الوقت وحتى الاَن، تظل محاولات النساء المصريات للترشح إلى انتخابات الرئاسة غير مكتملة، وعادةً ما توأدها الثقافة المجتمعية الذكورية قبل المعوقات السياسية.
نحن لسنا بصدد الحديث عن انتخابات بعينها، نحن نتعرف إلى النساء العربيات، اللاتي تحدين الهيمنة الذكورية على أعلى منصب قيادي في الدولة، سواء ظفرن بالترشح للرئاسة وأُدرِجَت أسماؤهن في قوائم المرشحين، أو حاولن وحالت الثقافة المجتمعية دون ذلك.
المحاولة النسائية الأولى في مصر باسم «نوال السعداوي»
وبالعودة إلى انتخابات العام 2005، يتضح أن النساء عقدن النية على الدخول إلى ذلك المعترك بمجرد أن فُتِحَ الباب أمامهن للترشح، لكن المعوقات دائمًا ما حالت دون إدراج أسمائهن في قوائم المشرحين النهائية، ويأتي اسم الأديبة الدكتورة “نوال السعداوي”، في مقدمة هؤلاء اللاتي حاولن خوض انتخابات الرئاسة، إذ أعلنت في العام 2004، عزمها الترشح للرئاسيات (سبتمبر 2005)، لكنها عادت وأعلنت تراجعها عن ذلك، في يوليو من العام 2005، بعد أن حدد القانون شروطًا يستحيل في إطار ترشحها، فقد أقر القانون بضرورة الحصول على تأييد 65 من أعضاء مجلس الشعب و25 من أعضاء مجلس الشورى و10 من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة، من 14 محافظة. كان من المحال أن تحصل “السعداوي” على هذه الأرقام، بسبب مواقفها المعارضة لسياسات “مبارك”، في ظل هيمنة الحزب الحاكم على هذه المجالس كافة.
كانت “نوال السعداوي” من أشد المعارضين لـ”مبارك”، وكان إعلانها الترشح بمثابة تحدٍ رمزي في ظل انتخابات معلوم إلى أين ستمضي وكيف ستكون نهايتها، وهو ما مثل عاملًا مساعدًا في التضييق عليها منذ أن أعلنت نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية، وبحسب تصريحات صحافية لها عقب إعلانها التراجع عن قرارها، فقد أكدت أن أجهزة الأمن المصرية منعتها من عقد اجتماعات عامة أو إلقاء محاضرات أو الظهور على القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية المصرية.
بعد الثورة: العقلية الذكورية تحرم «بثينة كامل» من الترشح
شهدت مصر أول انتخابات تعددية حقيقية في العام 2012، وذلك بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بنظام “مبارك”، وقد جرت وسط إقبال شعبي غير مسبوق، إذ تجاوز عدد المصوتين الخمسين مليونًا، بينما بلغ عدد المتنافسين فيها 13 مرشحًا، جميعهم من الرجال، بعد أن أخفقت “بثينة كامل” في جمع العدد المحدد من توكيلات المواطنين في المحافظات المختلفة. كانت “كامل” المرأة الوحيدة التي عقدت العزم على الترشح للرئاسة في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، وتوجهت إلى مقر اللجنة القضائية العليا المشرفة على الانتخابات، وسحبت استمارة الترشيح في ثاني أيام فتح باب الترشح، لكنها أخفقت في اجتياز أي من الطريقين المحددين للمرشحين، فلم تتمكن من الحصول على ترشيح 30 عضوًا من الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى، ولم تحصل كذلك على تأييد 30 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل.
وقد أوعزت “كامل” ذلك إلى الصدمة التي أحدثها قرار ترشحها في المجتمع، الذي لا يعترف بحق المرأة في الترشح أو الوصول إلى المناصب قيادية لا سيما الأعلى منها.
عادت “كامل” وأعلنت نيتها الترشح في انتخابات العام 2014، بعد تعرضها لضغوط من جانب المدافعين عن حقوق النساء، على حد قولها، ولكنها أخفقت للمرة الثانية في جمع التوكيلات المطلوبة.
وكانت “كامل” قد خضعت للكشف الطبي، الذي يجريه المرشحون، لتكون أول امرأة مصرية تقدم على هذه الخطوة، وكتبت بعدها تغريدة تقول فيها: «لائقة ذهنيًا وطبيًا لأداء منصب رئيس الجمهورية.. المشكلة تكمن في العقلية السائدة.»
في الدول العربية، كانت هناك محاولات أخرى أكثر تقدمًا من مصر، إذ تمكنت بالفعل النساء من دخول معترك الانتخابات الرئاسية، وأدرجت أسماؤهن ضمن قوائم المرشحين.
الجزائر .. «لويزة حنون» أول امرأة عربية تخوض انتخابات رئاسية
“لويزة حنون” هو الاسم النسائي الأكثر بروزًا في الساحة السياسية الجزائرية، لأكثر من ربع قرن، منذ أن أسست حزب العمال اليساري،وخاضت من خلاله معارك سياسية مستمرة ضد السلطة والمعارضة على حد سواء.
برزت “حنون” في بداية الثمانيات كإحدى مناضلات الحركة النسوية من خلال جمعية المساواة أمام القانون بين الرجال والنساء، وعلى الرغم من أن مواقفها دائمًا ما تثير الجدل وتُتهم بالتناقض، يظل موقفها من قانون الأسرة الجزائري الأكثر ثباتًا وانحيازًا للنساء، إذ تسعى منذ سنوات عديدة إلى تنقيحه من المواد التي تنتهك حقوق النساء، لا سيما تلك التي يتمسك بها الإسلاميون.
أعلنت “حنون” ترشحها للانتخابات الرئاسية لأول مرة في يناير من العام 1999، قبل انعقاد الانتخابات بنحو ثلاثة أشهر، وقالت أنه من أهم ما تسعى إليه هو جمع كل الأطراف المتناحرة في الجزائر، حول طاولة واحدة من أجل إسكات لغة السلاح، ووقف العنف، وحل المشاكل الجوهرية وفي مقدمتها الاقتصادية.
أخفقت “حنون” وقتذاك في تحقيق عدد التوقيعات المطلوب للترشح، الذي يصل إلى 75 ألف توقيع ممن لهم حق الانتخاب، في ما لا يقل عن 25 ولاية من ولايات الجزائر البالغ عددها 48 ولاية.
عقب رفض ملف ترشحها لعدم استيفاء الشروط، قرر حزب العمال الذي اختارها مرشحةً له، الاحتجاج على تغييبها عن الانتخابات بصورة رمزية، من خلال إعداد ورقة تصويت رمزية تحمل علامة “كنت أريد التصويت لها”. وقد فاز في هذا الاستحقاق، لأول مرة المرشح “عبد العزيز بوتفليقة” بنسبة تفوق 73.79 في المئة من أصوات المقترعين، ليصبح منذ ذلك الحين وحتى اليوم المرشح الفائز في كل استحقاق رئاسي.
المحاولة تحولت إلى منافسة فعلية في العام 2004، لتصبح أول امرأة تترشح لمنصب الرئاسة في المنطقة العربية، بعد أن نجحت في جمع التوقيعات المطلوبة، وحصدت حينها نسبة 1 في المئة من إجمالي المصوتين.
نسبة التصويت لـ”حنون” ارتفعت إلى 4.22 في المئة خلال انتخابات الرئاسة في العام 2009، إلا أن هذه النسبة تراجعت عندما ترشحت للمرة الثالثة في انتخابات الرئاسة في العام 2014 وهي في عامها الـ60، وبلغت نسبة التصويت إليها 1.37 في المئة من أصوات الناخبين.
السودان.. «فاطمة عبد المحمود» تسجل مشاركةً نسائيةً في انتخابات 2010
فضلًا عن أنها أول امرأة تترشح إلى الرئاسة في السودان في العام 2010 في ما اعتبر أول انتخابات تعددية في البلاد، فهي أول امرأة تتولى منصب الوزير، إذ اختيرت لحقيبة الشؤون الاجتماعية في الفترة ما بين العامين 1970 وحتى 1973، إبان عهد الرئيس السوداني الراحل “جعفر النميري”، وهي أول امرأة تقود حزب سياسي هناك، وهو حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي.
تمتد مسيرتها في مجال العمل التنموي والحقوقي، لا سيما المعني بالنساء، لأكثر من أربعين سنة، وقد حازت على ميدالية «سيرز الذهبية» للأمم المتحدة في العام 1975، بوصفها واحدة من أكثر ثلاث نساء مميزات في العالم، إلى جانب رئيسة وزراء الهند الراحلة «أنديرا غاندي»، ورئيسة سريلانكا السابقة «شاندريكا باندارانايكا».
رفضت اللجنة الانتخابية طلبها للترشح لانتخابات الرئاسة في العام 2010، فلم تستسلم ولجأت إلى القضاء طاعنة في القرار، وبالفعل قضت المحكمة بأحقيتها في الترشح وأضافت اسمها إلى قائمة المرشحين للرئاسة. حصلت «عبد المحمود» في تلك الانتخابات، على 30 ألف صوت من جملة أصوات الناخبين التي تجاوزت الـ 13 مليون صوت.
عادت وترشحت مرة أخرى إلى الرئاسة في انتخابات العام 2015، في مواجهة 15 مرشحًا من الرجال، أبرزهم الرئيس السوداني «عمر البشير»، وقالت حينها أنها لن تتوقف عن الترشح إلى الرئاسة حتى تقدم امرأة أخرى على هذه الخطوة.
تونس.. بعد الثورة «كلثوم كنو» أول امرأة تنافس في الرئاسيات
بعد الثورة التونسية في العام 2011، أجريت أول انتخابات رئاسية في العام 2014، بعد إقرار الدستور الجديد من قبل المجلس الوطني التأسيسي، لتكون أول انتخابات رئاسية نزيهة وديمقراطية وشفافة وتعددية بالفعل.
وفي سبتمبر من العام 2014، أصدرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، اللائحة الرسمية الأولية للانتخابات الرئاسية في تونس، متضمنةً 27 مرشحًا، من بينهم امرأة واحدة وهي القاضية “كلثوم كنو”، لتصبح أول امرأة تونسية تنافس على مقعد رئيس الجمهورية، واللافت في التجربة التونسية تحديدًا، أنها على عكس التجارب العربية المذكورة سلفًا، شهدت تقدم ثلاث سيدات أخريات إلى جانب “كنو” بأوراق الترشح إلى الرئاسيات، بينما ظفرت وحدها بالترشح الرسمي، بعد أن قدمت أكثر من 15000 تزكية من المواطنين لهيئة الانتخابات، كمرشح مستقل.
ناضلت القاضية “كلثوم كنو” طويلًا من أجل استقلال القضاء التونسي في عهد “بن علي” الذي أسقطت الثورة التونسية نظامه في يناير من العام 2011، وكانت “كنو” قد شاركت في الثورة، وانضمت إلى عشرات المحامين والقضاة الذين شاركوا في المظاهرات بثيابهم الحقوقية.
حصدت “كنو” في الانتخابات نسبة 0.56 في المئة من إجمالي المصوتين بالجولة الأولى، بينما أسفرت الجولة الثانية عن فوز “الباجي قائد السبسي”، بعد مواجهة شرسة أمام “المنصف المرزوقي” الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية إبان الفترة الانتقالية في أعقاب ثورة 2011.
سوريا.. «سوسن حداد» تثبت الحضور النسائي في سباق الرئاسة 2014
عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا في مارس من العام 2011، وتصاعد المواجهات العنيفة بين القوات الحكومية والمعارضة، أصدر الرئيس السوري “بشار الأسد” قرارًا بإنشاء لجنة وطنية لوضع الدستور للجمهورية العربية السورية، ليصدر الدستور ويبصح نافذًا في فبراير من العام 2012، وبموجب نصوصه، أجريت انتخابات تعددية – صورية- في العام 2014.
تقدم 24 شخصًا بأوراق الترشيح لخوض غمار المعركة الانتخابية، ومن بينهم امرأة واحدة هي “سوسن عمر حداد”، وهي مهندسة من اللاذقية وعضوة بحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يقوده “الأسد”، وقد استقالت منه قبيل إعلان ترشحها للانتخابات، لأنه لا يحق لشخصين من نفس الحزب الترشح إلى الرئاسيات.
لم تقبل اللجنة العليا للانتخابات أوراق “سوسن حداد” ، لعدم استيفاء الشروط، بينما قبلت ترشح ثلاثة مرشحين فقط من المتقدمين، وقد فاز “بشار الأسد” في الانتخابات، التي وصفت في شتى الأوساط الإعلامية والسياسية الدولية بـ”المسرحية الهزلية”.
الصومال.. «فادومو دايب»: من اللجوء إلى حلم اعتلاء كرسي الرئيس
دفعت الحرب الأهلية في الصومال، أسرة “فادومو دايب” أو “فاطمة قاسم طيب”، في التسعينيات إلى بيع كل ما تملك لإيصال ابنتهم المراهقة، إلى شمالي أوروبا، طالبةً للجوء، وهي بالكاد تعرف القراءة والكتابة،ومع ذلك فقد تمكنت من تحصيل ثلاث شهادات جامعية إحداها من هارفرد، وأضحت خبيرةً في مجال الصحة العامة، وناشطة بحوزتها العديد من الجوائز، قررت في سبتمبر من العام 2015، أن تترشح للانتخابات الرئاسية في الصومال التي كان من المقرر أن تجرى في العام 2016، لكن تأجلت حتى فبراير من العام 2018.
وفي تصريحات لها عقب إعلانها عن قرار الترشح قالت «الأمر لا يتعلق بحكم البلاد. إنه يتعلق بالعمل مع الشعب الصومالي ومن أجله، وإجراء التغييرات التي كنا ننتظرها جميعًا. أنا لا أسعى إلى المال أو الشهرة. أنا لا أهتم بالراتب، أنا لا أترشح بحثًا عن رفاهية العيش. أنا على استعداد للعيش في خيمة أو النوم ومعدتي خاوية، إذا لزم الأمر. أنا مستعدة للعمل من أجل الناس.»
تعرضت “دايب” إلى العديد من التهديدات اليومية بالتصفية الجسدية، وقد أرجعت ذلك إلى الثقافة القبلية والذكورية التي تتسيد في الصومال. في نهاية المطاف لم تتمكن “دايب” من العودة إلى الصومال للمنافسة في السباق الانتخابي، الذي تنافس فيه 17 مرشحًا.