احتفل العالم أمس باليوم الدولي لمناهضة جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، “الختان” الذي يوافق السادس من فبراير من كل عام.  في حقيقة الأمر، إن تلك الجريمة البشعة التي كانت وما زالت تغتال براءة العديد من الفتيات، ملقية بظلالها القاتمة على دول العالم الثالث على وجه الخصوص، وعلى الصعيد الداخلي تحتاج منا إلى ما هو أكثر من التجريم والتشريعات المستحدثة. 
وبنظرة تاريخية، فحتى عام 2007، لم يكن هناك تجريم تشريعي حقيقي لتلك الجريمة مما ساهم بشكل جذري في استفحالها بشكل مفزع، حتى ناهزت بعض الإحصائيات لعدد من الجهات البحثية ذات الصلة ما يقارب 90 في المئة، من عينة عمرية معينة أجري لها عملية ختان الإناث في مصر.
وفي عام 2007: صدر قرار من وزير الصحة رقم 271 بحظر ممارسة عملية الختان، وبدأ تجريم تلك الجريمة تشريعيًا في عام 2008 كنتيجة طبيعية لانضمام مصر لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW التي صدقت عليها مصر في عام 2008 ، فصدر التعديل التشريعي بالقانون رقم 126 بتعديل أحكام قانون العقوبات المصري، وبناءً عليه أضيفت فقرة للنص الخاص بالمادة 242 من قانون العقوبات نصت على “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه فى المادتين (241 ؛ 242) من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان لأنثى.”
ورغم أن هذا النص جاء مفرطًا في اللين بل ولم يتجه لتجريم الختان في حد ذاته أو بقية أطرافه الأساسية، كالأب أو الأم واكتفى فقط بتجريم الجرح الناتج عن تلك الجريمة فقط، فإن القانون ذاته تم الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا، بحجة عدم دستوريته، باعتباره مخالفًا لمبادئ الشريعة الإسلامية، التي هي مصدر رئيس للتشريع وفقًا للدستور، حيث حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم قبول الدعوى.
ومنذ ذلك التاريخ ورغم تجريم الختان في النظام التشريعي المصري،  لم يصدر حكم واحد بالحبس على مرتكب تلك الجريمة، وقد يقول قائل إن هناك قضيتان شهيرتان لجريمة الختان، سمع بهما الرأي العام، وصدرت فيها أحكام في حق المتهمين، أولهما الطفلة القتيلة سهير الباتع، التي توفيت في عمر الـثالثة عشر، في مركز أجا في محافظة الدقهلية، وقد فاضت روحها إلى بارئها في عام 2013 نتيجة قيام والدها باصطحابها إلى عيادة أحد الأطباء لإجراء عملية ختان، وقد برأت محكمة الجنح كلًا من الطبيب والأب من الجريمة إلا أن النيابة العامة استأنفت على الحكم، وأصدرت محكمة الجنح المستأنفة حكمها بمعاقبة الطبيب بالسجن سنتين، بتهمة القتل الخطأ وثلاثة أشهر بتهمة إجراء عملية غير قانونية ورفضت المحكمة الدعوى المدنية من المجلس القومي للأمومة والطفولة، ومركز قضايا المرأة، ومركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية ومنظمة المساواة الآن ، بل إن الطبيب لم يُحبَس سوى ثلاثة أشهر، لأنه تصالح مع والد الضحية باعتباره ولي أمرها، في القتل الخطأ ومن ثم سقطت عنه عقوبتها (والد الضحية الذي كان فاعلاً أصليًا في الجريمة).

أما القضية الثانية، فهي التي تخص الطفلة القتيلة ميار، وقد توفيت في عمر السابعة عشر، في محافظة السويس ، وقد فاضت روحها إلى بارئها عام 2016، تيجة قيام والدتها باصطحابها وشقيقتها، إلى عيادة إحدى الطبيبات لإجراء عملية ختان لكل منهما فتوفيت الأولى، وصدر حكم محكمة جنايات السويس بحبس كل من والدتها والطبيبة، التي أجرت العملية وطبيب التخدير سنةً واحدةً، مع إيقاف التنفيذ وتغريم الطبيبة وطبيب التخدير خمسة اَلاف جنيه،, وتغريم والدتها ألف جنيه. القضيتان لم يكن الرابط بينهما هو جريمة الختان، بل إنهما لم يكونا ليحصلا على أي نوع من الاهتمام الإعلامي، لولا رابط اَخر أهم، وهو مقتل الضحيتين.
ومؤخرًا في نهاية عام 2016 تم تعديل التشريع الجنائي مرة أخرى، ليتضمن تغليظ العقوبة على من يقوم بختان الأنثى، لتصل العقوبة بالسجن من 5 إلى 7 سنوات، بدلًا من العقوبة السابقة، التي كانت تتراوح من 3 أشهر إلى 3 سنوات، ومن ضمن التعديلات (تحويل عقوبة الختان من جنحة إلى جناية، وأيضًا السجن المشدد 15 سنة إذا أفضى إلى عاهة مستديمة أو الموت كما تصل العقوبة لمن يصطحب أنثى للختان من سنة إلى 3 سنوات)، وعلى الرغم من أن هذا إتجاه محمود للمشرع، ليواجه استفحال تلك الجريمة المقيتة، إذ تضمن تجريم من يصطحب الطفلة لإجراء تلك العملية أيًا كانت صفته ، وتبقى هنا النقطتان اللتان سبق، أن أشرت إليهما وأولاهما، أن تعد الفتاة الضحية سواء كانت على قيد الحياة أو توفاها الله تحت ولاية الدولة، ومن ثم فتمثلها النيابة العامة تمثيلاً قانونيًا وتنوب عنها وهو ما سيقطع الطريق على أي محاولات للصلح بين الجناة -الذين عادة ما يكونوا أولياء أمور الضحية للإفلات من العقوبة ، وثانيهما أن تكون هناك عقوبة تبعية بقوة القانون فبمجرد صدور حكم جنائي نهائي على طبيب ما في جريمة ختان، يُشطب من سجلات النقابة ويمنع من ممارسة المهنة مدى الحياة، لكن ذلك بمفرده لا يمكن له أن يواجه تلك الجريمة ويجتثها من جذورها، فالتشريع هو التدخل الجراحي الأخير للطبيب، أما دون ذلك من مراحل أهمها على الإطلاق منع الجريمة والوقاةه منها فيحتاج إلى دة خطوات لا تقل عنها أهمية نجملها فيما يلي :
تظل الطامة الكبرى لتلك الجريمة، فيما يتم الترويج، عن أنها طقس ديني وهو أمر يلقى رواجًا لابأس به أبدًا، بين فئات عديدة في المجتمع، يتعين أن يتم التصدي له وتفنيده، بشكل يقطع كل رابط لتلك الجريمة بالدين ولا يتم مجرد الاكتفاء ببيانات هنا أو هناك، بل تتم التوعية على مستوى قاعدي يصل حتى إلى خطب المساجد والزوايا فضلًا عن وسائل الإعلام على اختلافها.
التوعية الطبية القائمة على الأسس العلمية السليمة التي توضح للعامه الاَثار النفسية والجسدية المدمرة، التي تصاحب تلك الجريمة والتي تقع على طفلة لا تدرك فداحة ما حدث لها، على أن تشمل تلك التوعية، كل أب وأم أنجبا طفلة، فلا يتم استصدار شهادة ميلاد للمولودةـ، إلا بعد حضورهما لجلسة توعية بهذا الخصوص.
توعية جهات إنفاذ القانون وسلطات الدولة