محمد أبو الشباب

عن الكاتب:

ناشط في مجال الدفاع عن حقوق النساء

وعضو لجنة خبراء بمؤسسة خريطة التحرش الجنسي

عندما يظهر الاعتداء أو الاستغلال الجنسي، في المؤسسات والكيانات، فإنه ينذر بخطر لا يجب إهماله. في ليلة ما، وصل إلى مسامع العاملين في كيان كبير، وجود مجموعة إدعاءات، بشأن شبهة استغلال جنسي، من قبل الرؤساء بحق فتيات وسيدات تحت سلطتهم، بالإضافة إلى التحرش بهن، ووصل الأمر إلى أن بعضًا من هذه الإدعاءات كان بــ«الاغتصاب»، وظهر هذا عبر صفحات إحدى الصحف، التي نشرت رسالة بريد إلكتروني، وصلت إليها من إحدى الموظفات في هذا الكيان.

عندما يحدث هذا فى أي مكان في الشرق الأدنى – فكريًا وليس جغرافيًا – يكون من غير المسموح، فتح نقاش فيه أو التلميح به وقد يصل الأمر إلى إنكار ذلك،  وتهديد أي شخص بالتشهير إذا ما تساءل عن ملابسات الواقعة، فكل من يقترب من تلك الرموز والقيادات، يُتهَم بشق الصف، لكن هذه الواقعة في ذلك الكيان لم تمر مرور الكرام، وهكذا يجب أن تمر ميثلاتها من وقائع في أي مكان.

الاهتمام بإظهار الحق وإنصاف المظلومين وتقديم الدعم النفسى الأولي، كان على رأس الأولويات، دون الإلتفات الى الشللية أو الصداقة. المهم هو الحقيقة.

أولًا، اتُّخِذَ الأمر بجدية حقيقية وليست ظاهرية، دون إبراز تعاطف مع المتهمين، بسبب سلطتهم الأدبية أو محاولة خلق تبريرات أو عبارات رنانة ومنمقة، لإبعاد شبهه الإتهام عنهم، والمصادفة أن هذه الرسالة الواردة إلى البريد الإلكتروني للجريدة، تكشف أن تلك الوقائع حدثت منذ عدة سنوات، لكن لعلمهم أن الاعتداءات الجنسية، جرائم لا تسقط بالتقادم ولا يمكن إهمالها.

أخذت هذه المؤسسة خطوات جادة، الغرض منها كشف المتورطين واتخاذ الإجراءات اللازمة والملائمة في حقهم، مع التصريح بإجراء تحقيقات تتسم بالعلانية، فلم يصادروا على حق الناس في المعرفة، ولم يمارسوا الأدوات القمعية مثل، «حظر النشر»، وكان أعضاء لجنة التحقيق فى الاعتداءات الجنسية معروفين، ولم يتم تجهيل لجنة التحقيق وأعضائها وتبرير ذلك بــ«الخوف من تعرضهم للضغط»، كان حق الناس فى المعرفه مهمًا، مثله مثل إظهار الحق.

فى نهاية الأمر ظهرت نتائج التحقيق وإعلانه للجميع، من بين نتائجه، فصل أربعة موظفين، بينما قدم ثلاثة  آخرون استقالاتهم، ومن بينهم، المدير الاقليمي.

لقد تم إعلام وكالات الأنباء العالمية والعاملين والمتطوعين والمانحين، ووصل الأمر إلى أنهم أرسلوا نسخة من التحقيق ونتائجه إلى الاتحاد الأوروبي والوكالات التابعة للأمم المتحدة .

ما نتحدث عنه ليس ببعيد عنا. تتشابه الأحداث، لكن لا تتشابه طرق التعامل معها.

تلك الوقائع،  على الرغم من تشابهها مع مجريات الأحداث التي نشهدها حاليًا، فإنها حقيقية وحدثت بالفعل في منظمة OXFAM  الدولية، وكانت الأحداث منشورة نتيجة رسالة بريد إلكتروني وردت إلى جريدة التايمز من إحدى الفتيات، التي تعرضت إلى الاستغلال جنسيًا، على يد أحد رؤسائها في العمل، الذي استغل سلطته الأدبية ومارس انتهاكات جنسية بحق عدد من النساء وكانت تلك الوقائع في فرع منظمة أوكسفام في هايتي في عام 2011، أي قبل نحو 7 سنوات.

لم تتهاون المنظمة ولم تدافع عن موظفيها الكبار،  بل نشرت وأعلنت وقوفها مع صاحبات الإدعاءات وإجراء تحقيقات وبعد انتهائها، أجروا مراجعة شاملة، نتج عنها إنشاء فريق متخصص يعنى بحماية فريق العمل بالإضافة إلى خط ساخن «لكشف الخبايا»، كجزء من حزمة تدابير، ترمي أولًا إلى ضمان بذل أقصى جهد ممكن، في سبيل حماية الموظفين والموظفات، ومنع الاستغلال الجنسي في حقهن، وثانيًا تحسين تعاملهم مع أي إدعاءات قد تطرأ لاحقًا.

تلك المؤسسات يجب أن تكون قدوة في تعاملها في مثل هذه الأحداث.

ملحوظة أود أن ألفت نظركم إليها، نتائج التحقيقات ظهرت وتم إعلانها يوم الأحد 11 فبراير الجاري.

لحظة من فضلكم، لا تفرطوا في التفاؤل، فأوكسفام ليست مكانًا آمنًا طوال الوقت، وليست في صف النساء دائمًا.

للأسف تتشابهه كثيرًا مواقف «الطرمخة» في المؤسسات الدولية المعروفة في الخارج، ومؤسسات بئر السلم في الداخل، لكن مشكلة أوكسفام في الطريق إلى الحل قريبًا بسبب  اهتمام الدولة والحكومة البريطانية وضغط المانحين والداعمين.

الصراع على أجساد النساء سينتهى عاجلًا ام آجلً، وفي نهاية المطاف ستبقى في ذاكرة التاريخ ما يخبرنا بمن كانت مواقفه تتسم بالخذلان ومن الذي ناضل من أجل الناجيات من العنف الجنسي.