يحتفي العالم باليوم الذي حددته الأمم المتحدة يومًا لعدم التسامح مطلقًا مع تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، المعروف باسم «ختان الإناث»، ويصادف سنويًا السادس من فبراير. وبحسب دعوة الأمم المتحدة، فإن الحكومات والمنظمات المعنية والنشطاء، يتعين عليهم استغلال اليوم لإطلاق حملات توعوية، للحد من استمرار هذه الممارسة، التي تنتشر في 29 دولة في إفريقيا والشرق الأوسط.

ختان الإناث الذي ما زال حتى الاَن، هناك من يسميه بــ«الطهارة»، هو عملية بتر للأعضاء التناسلية البارزة في جسد الفتاة، سواء البظر أو الشفرتين الداخليتين والخارجيتين، دون أي مبرر أو داعٍ طبي.

100 إلى 140 مليون امرأة حول العالم، يتعايشن مع آثار تشويه أعضائهن التناسلية، وفي أفريقيا فقط، هناك نحو 92 مليون من الفتيات اللائي، يبلغن 10 سنوات فأكثر، تعرضن لتشويه أعضائهن التناسلية – أرقام صادرة عن الأمم المتحدة

الاَثار الجسدية والنفسية التي تلحق بالفتيات جراء هذه الجريمة كثيرة، وعلى مدار سنوات عمدت الحملات التوعوية والمناهضة لـختان الإناث، التعريف بها والتشديد على خطورتها، لكن ما يبدو واضحًا، هو أن ما يٌقرَأ مكتوبًا في إطار سرد المعلومات وتعديد الأرقام، أقل تأثيرًا مما يُحكَى، لا سيما مع الفئات الأقل تعليمًا والأشد فقرًا، وهي الأكثر تمسكًا بهذه الممارسة في مصر.

خلال العقد الأخير، باتت الفتيات والسيدات أكثر قدرة على البوح، بما يتعرضن له من انتهاكات، ومن بينها، ختان الإناث، وأضحى من السهل الإفصاح عما يتعلج في صدورهن، وصار الحكي وسيلةً للتغلب على الخيبة والوجع الذي يسكن النفس بعد تجربة مريرة، تستدعيها الذاكرة من حين لاَخر.

نحو 70 مليون فتاة وامرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا، تعرضن للختان في 28 بلدًا أفريقيًا، بالإضافة إلى اليمن، وهناك نحو 3 ملايين من الفتيات في إفريقيا وحدها، يواجهن سنويًا خطورة الخضوع للختان – أرقام يونسيف (تقرير وضع الأطفال في العالم 2011)

في هذا اليوم، المخصص للتأكيد على رفض استمرار جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، نعتقد أنه فرصة، لا بد من اقتناصها، لكشف حجم ما أحدثته هذه الممارسة، من شروخ في النفس، واَلام عالقة بالروح، من خلال كلمات توصف اللحظات العصيبة وما أعقبها، لعل الفاعل والمؤيد والمهادن، يدرك فداحة ما يدعمه أو يؤمن بضرورته أو حتى يتركه يمر.

«حضرت في الصباح خالتي بصحبة ابنتيها، كانت إحداهما في الثانية عشر والأخرى في العاشرة، قضينا ساعتين أو ثلاث نلعب ونلهو، لم يرد إلى خاطري حينها، أن شيئًا مؤلمًا قادم في الطريق، حتى طرق أحد الباب.

جاء الطبيب، فاستقبله والدي بترحيب دافئ، وجلس معه في غرفة الضيوف، حتى تعد النساء العدة، فسارعن إلى إدخال ابنة خالتي الكبرى إلى غرفتي، وأُرغِمت على البقاء في غرفة أخرى. ذهبت خالتي إلى الضحية الأولى، ومعها جدتي التي كانت تعيش معنا، بينما جلست أمي معي وابنة خالتي الصغرى، حاولت تهيئتنا لما سيجري، وقالت إننا سنخضع لعملية بسيطة، مثل كل البنات في هذه المرحلة العمرية، حتى نصبح {عرايس}، ورغم كل الكلام المعسول الذي قالته، لم تلتقط أذني سوى صراخ ابنة خالتي في الغرفة المجاورة.

بعد قليل، لا أتذكر ما المدة بالضبط، دخل الطبيب إلى الغرفة، وطلبت أمي من ابنة خالتي الصغرى الخروج. Hمسكت بيد أمي، ضغطت عليها، ونظرت إليها أتوسل إليها ألا تتركه يفعلها، لكنها تجاهلت توسلاتي. »

رشا حسين – 27 عامًا – القاهرة

82 في المئة من ممارسات ختان الإناث للفتيات تحت سن 19، تتم على أيدى أطباء أو مشتغلين بالتمريض، وهو ما يعرف بـــ «تطبيب ختان الإناث » – أرقام  المسح الديموجرافى لعام 2015 الصادر عن وزارة الصحة والسكان

«عندما كنت طالبة في الجامعة، قررت أسرتي تزويجي رغمًا عني، لابن صديق مقرب لوالدي. كان ذلك عاديًا في محيط عائلتي وأصدقائي، ولذلك لم أجد من يدعم رفضي للزواج قبل إنهاء دراستي الجامعية، فضلًا عن أن والدي كانت له الكلمة الأولى والأخيرة في البيت، وقد رأى في الزواج، حماية لي من أجواء الجامعة، والعلاقات التي تنشأ بين الشابات والشباب داخلها، وبعد إتمام الخطبة بفترة قصيرة، طلبت والدة العريس من أمي، أن تخضعني لعملية ختان، لأنني لم أجريها، وكان الطلب أقرب إلى الشرط، حتى يستمر مشروع الزواج. تصورت وقتها أن أبي وأمي سيرفضان، لكنهما خذلاني كالعادة.

لا أود أن أخوض في تفاصيل ما حدث، لأن ذلك لن يجدي، فأنا بالفعل خضعت للعملية، بعد أن أنهال أبي علي ضربًا وسبًا، واتهمني بالفجور، وقال لي: الجامعة بوظتلك أخلاقك، وعلمتك تقولي لأبوكي لأ، أنا هخرجك منها. عندها استسلمت. »

نجوى. م – 33 عامًا – الجيزة

«أنا من كان يتطلع إلى الخضوع للختان، كنت أريد أن أصبح مثل بنات عماتي وأعمامي. بالنسبة لطفلة مثلي، كانت مشاهد الاحتفال بهن محببة ومشجعة، إذ تأتيهن الفساتين هدايا، ويُقدَم لهن النقوط فرحًا بختم الطهارة الذي طبعه المشرط على أجسامهن، ومنذ أن بلغت العاشرة، صرت في كل صيف أسأل أمي: متى سألحق بهذه وتلك؟، فترد قائلة: العام المقبل، حتى بلغت الثانية عشر، فأخذتني إلى العيادة، التي أتمنى الاَن لو لم تطأ قدمي أرضها.

تألمت بعدها أيامًا، وبكيت كثيرًا، لم أكن استطيع الذهاب إلى الحمام، والتبول كان موجعًا. في تلك الأيام، سألت نفسي مرارًا: لماذا تفرح البنات والأمهات؟ لماذا الاحتفال والزغاريد؟ وهل الهدايا مقابل تَحَمُّل الاَلم، أم أنني حالة استثنائية وغيري لا يعانين كل هذا الوجع؟ »

رحاب. خ – 29 عامًا – من سوهاج وتعيش الاَن في القاهرة بعد استقلالها

في العام 2008، أقرت مصر قانونًا يجرم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، المعروف باسم ختان الإناث، وفي العام 2016 صوتت أغلبية البرلمان لصالح تغليظ العقوبة، إلى السجن المشدد من 5 إلى 7 سنوات، بعد أن كانت من 3 أشهر إلى 3 سنوات.

«أمي كانت ممن تعرضن للختان، وبعد معاناتها النفسية والجسدية، قررت ألا تُخضعني له، بينما أصر أبي وجدتي لأبي، فإزداد عناد أمي، واشتد رفضها، فاتهماها بالنجاسة والقباحة، وهددها أبي بالطلاق، إذا لم تتراجع عن موقفها، فقررت أن تنتقل بي إلى بيت جدتي لأمي، كنوع من الاحتجاج، فصدمها تأييد جدتي، لما يريد أن يقترفه بحقي. في نهاية المطاف شُوِهَت أعضائي.

لم أغضب من أمي، أعلم أنها لم يكن بيدها شيء لتفعله، وخافت من أشياء كثيرة، لكنني لم أسامح أبي أبدًا حتى بعد وفاته.»

اَية عبد الفتاح – 24 عامًا – من بني سويف وانتقلت مع والدتها إلى القاهرة للدراسة في الجامعة

«عندما جاء موعد الختان، كنت في الثالثة عشر، أخبرتني أمي اَنذاك، أنه سيحميني من الجنس، وسيحفظني من التفكير فيه، وسيحرسني عندما تداعبني شهواتي، ولن أمارس العادة السرية مثل البنات الشهوانيات، ولن تغلبني الإغراءات ولن أترك أحدًا يتذوق جسدي. لم أسألها وقتذاك: هل سأظل كذلك بعد الزواج أيضًا؟ هل سيكون الجنس في حياتي مقززًا أم سيصبح ممارسة ميكانيكية بلا مشاعر؟

نعم أريد أن أكون طاهرة.. هذا ما صدقته ورددته، لكنني لم أصبح طاهرة وفق ما تتصوره أمي أو صورته لي. أنا أفكر في الجنس، وعندما أميل عاطفيًا إلى شخص، أتخيل تلك اللحظات الحميمة التي ستجمعنا، أنا أفعل جل ما قالت لي أن الختان سيحميني منه، ولم أبلغ الطهارة التي تحدثت عنها. يقيني الاَن، هو أن النجاسة حقًا هي الختان وليس أي شيء اَخر. »

سمر مصطفى – 27 عامًا – الإسكندرية