فاطمة سميـر تكتــب: يتجرعن القهر طواعيةً
الرسوم المرفقة للفنان مخلوف
عن الكاتبة:
ناشطة نسوية وعضوة بمجموعة «أنثى» في البحيرة
كنت طالبة بالثانوية العامة، وهدفي أن التحق بكلية تختص بدراسة بالفنون والموسيقى، كانت أحلامًا ورديةً، لأن الواقع لم يكن كذلك. قالت أمي «كليات الفنون دي للبنات الصايعه، ادخلي جامعة هنا جنبنا. أصلًا مفيش سفر بره المحافظة للبنات، خليكي زي بنات عمك.»
عندما أُعلِنَت نتيجة التنسيق، وجاءت نتيجتي، كلية رياض الأطفال، وقتها تعاملت معه كونه شيئًا لطيفًا، خاصة أن هذه الكلية ستساعدني في العمل مع الكائنات التي «خُلِقنا من أجلها كنساء»، وهكذا ستكون الكلية تدريبًا وتأهيلًا حتى أكون أمًا أو معلمةً، وفي النهاية سأتزوج وأربي أطفالًا، حتى بدأت تجربتي التي قلبت حياتي رأسًا على عقب، وكانت مدخلًا لتمردي على شخصية كاملة، أصبحت قديمةً الاَن. لقد سمعت عن أستاذ متحرش في الجامعة، تحرش بأربعين طالبة، ووقعت كلمات البنات علي كالصاعقة، عندما وجدتهن يحكين أنه يعرض عليهن، أن يذهبن إلى بيته، ويعدهن بزيادة درجاتهن، وحينها لم أكن أعرف أن هذا اسمه تحرش أو ابتزاز جنسي، ولا كنت أعلم ما اسمه أساسًا. ما كنت أدركه هو أنني لا بد أن أصرخ وأفضحه، لأنه بالتأكيد سيؤذي كثيرات لو تُرِك هكذا، وإن خشيت البنات الحديث في مثل هذه الأمور. في ذلك الوقت، وجدنا دعمًا من مجموعة نسوية في المحافظة (البحيرة)، تسمى «أنثى»، ثم تطوعت في هذه المجموعة، ليتشكل بعدها الوعي لدي، من خلال القراءة عن النسوية وعن حقوقي، حتى تغير فكري تمامًا، وأصبحت أرى أنه يتعين علي توعية الفتيات في الجامعة، ممن يعتقدن أنهن خلقنا لتربية أطفالهن فقط.
كانت الأيام في الجامعة تمر ببطء شديد، وسط حزن وبكاء، من جانب أغلب الفتيات. كنت أرى الحزن في أعينهن قبل أن تخرج منها الدموع، لم يكن يريدن التحدث عن ما يزعجهن ويحزنهن، لكن قادني فضولي إلى أن أستمع إلى قصصهن.
تحدثت مع الأولى ثم الثانية ومن بعدها الثالثة، كم كانت قصصهن موجعة، خاصة لأنها حدثت لفتيات في أعمار صغيرة، يتحملن أعباء أسرة وزوج وأطفال، وهن أنفسهن ما زلن أطفالًا.
حكت لي الأولى، عن أنها تزوجت مع بدء العام الدراسي، وقد كان شرط زوجها، ألا يتكفل بمصاريف دراستها، إذا أرادت أن تستكملها، وبالتالي على والدها التكفل بها، وكانت مدركة تمامًا أنها عندما ستنجب طفلًا، ستترك تعليمها، ومع ذلك قررت خوض التجربة.
أما الثانية، فروت لي أنها تزوجت رجلًا لم تحبه، لأن والدها رفض من أحبت، لتجد نفسها تقيم مع الزوج ووالدته. كانت تسكن في الطابق السفلي من البيت، تحكي أنها كانت تستيقظ كل صباح لتنظف الشقتين، وتتحمل أعباءهما، تطهو لها ولهم، مع العلم أن أمه لم تكن جليسةً أو تعيش بمفردها، ثم يأتي المساء، وتجده يجبرها على ممارسة العلاقة الحميمة دون رضاها، وعندما أنجبت طفلًا لم تجد أحدًا من هؤلاء يرعاها.
الثالثة أخبرتني أنها أنجبت للمرة الثالثة، وذلك لأنها لم تنجب أي ذكر من قبل، وحتى المولود الثالث جاء بنتًا.
وغير ذلك من قصص مماثلة، كنت أسمع القصص ويتملكني حزن شديد، ثم أبدأ بالتحدث إليهن عن حقوقهن في التعليم وفي اتخاذ قرار الانجاب، عندما يستطعن أن يتحملن مسؤولية القرار، وأخذت أقنع من تتعرض منهن لعنف جنسي، أن ذلك اسمه «اغتصاب زوجي» وعليها أن ترفضه.
الجميع كان يسمع لي ثم يبتعد فورًا، ويتهمونني بأنني أريد طلاقهن وخراب بيوتهن، ويعنفونني ثم ينبذونني.
انتهت سنوات الجامعة كما بدأت؛ انتهت وهن يرين أن ما يفعله بهن أزواجهن واَباؤهن حق لهم، وكأن أجسادهن تبعية لكل فرد فيهم، انتهت وهن يسمعن أصوات أنفسهن فقط، انتهت بأنني في نظرهن مذنبة. مذنبة لأنني كنت أحاول توسيع مداركهن وجعلهن يفكرن في حقوقهن المسلوبة.