لم يكن متوقعًا أن تُجرَى تعديلات وزارية في هذه الفترة، لا سيما أن الانتخابات الرئاسية ستنعقد بعد أقل من ثلاثة شهور، وهو ما يعني أن تشكيلًا وزاريًا جديدًا تشهده مصر قبل منتصف العام الجاري، ومع ذلك أجري التعديل الثالث في حكومة شريف إسماعيل، ووافق عليه البرلمان في جلسته، يوم الأحد الموافق 14 يناير الجاري.

جاء  التعديل محدودًا، شمل أربع حقائب وزارية فقط، وهي: التنمية المحلية، والثقافة، والسياحة، وقطاع الأعمال، بالإضافة إلى نائبين لوزارتي الصحة والإسكان، وبعيدًا عن البحث في الأسباب والدوافع وراء هذا التعديل،  فإن اللافت هو أن حقيبتين من الأربع، كانتا من نصيب سيدتين، وهما الدكتورة «رانيا المشاط» لحقيبة السياحة والدكتورة «إيناس عبد الدايم» لحقيبة الثقافة، وكان اسم «عبد الدايم» مرشحًا بقوة للوزارة نفسها في العام  2013، لكن شيئًا ما حدث في الساعات الأخيرة قبيل الإعلان الرسمي، حال دون وصولها إلى مقعد الوزير، وحينها أرجع البعض ذلك إلى حالة الاحتكار الذكوري للوزارة على مدار عقود طويلة، وهي التي يعضدها جانب من المثقفين أنفسهم، فيما يردد آخرون أن رفض السلفيين- مُمَثلين في حزب النور – هو السبب وراء ذلك.

وقد احتفى عدد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ونسويات، بضم امرأتين أخريين إلى الحكومة، ليصبح العدد الاجمالي في حكومة «شريف إسماعيل» هو ست وزيرات، في ظل استمرار كل من: «نبيلة مكرم» للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، و«غادة والي» للتضامن الاجتماعي، و«سحر نصر» للتعاون الدولي والاستثمار بعد دمجهما في وزارة واحدة، و«هالة حلمي» للتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، وبذلك ترتفع نسبة التمثيل النسائي من 11.7 في المئة إلى 17.6 في المئة.

وفي مقدمة المحتفين كان المجلس القومي للمرأة، إذ عَبَّرت الدكتورة «مايا مرسى»، عن سعادتها البالغة، إزاء ارتفاع عدد الحقائب التي تتولاها المرأة في الحكومة إلى ست وزيرات، مشددةً على أن وزارتي الثقافة والسياحة من أهم الوزارات، معربةً عن فخرها بكونهما أول سيدتين يتوليا وزارتي الثقافة والسياحة، وأكدت «مرسي» أن الوزيرات المصريات أثبتن نجاحهن في الحقائب الوزارية التي تولينها، وحملن أعباء أهم ملفات الدولة، مما عزز ترشيح سيدات لتولي  حقائب وزارية أخرى، وهذا دليل على أن المرأة تصلح لتولي جميع الحقائب الوزارية.

شريف إسماعيل رئيس الحكومة مع إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة

أما المركز المصري لحقوق المرأة، فقد اعتبرت رئيسته «نهاد أبو القمصان»، أن التعديل يمثل نقلة فيما يخص عدد الوزيرات، ونوع الوزارات، خاصة أنها المرة الأولى التي تتولى فيها المرأة وزارة الثقافة ووزارة السياحة.

منتدى الخمسين وهو أول شبكة متنامية تضم سيدات الأعمال في مصر، وصف تعيين الوزيرتين بـ«الانتصار الجديد للمرأة المصرية»، وأثنى على توجه القيادة السياسية الحالية إلى دعم الدور المهم للمرأة العاملة في المجتمع.

سؤال العدد سيظل حاضرًا بالتأكيد مع كل تعديل أو تشكيل وزاري، والسعي من أجل تمكين النساء من المناصب القيادية سيظل هدفًا رئيسًا، لكن هناك من أحبطه بعض الشيء الاكتفاء بزيادة العدد إلى ست وزيرات، خاصة أن سقف التوقعات بلغ حد انتظار تعيين المرأة رئيسةً للحكومة، في ظل أنباء تواترت عن اقتراب وزيرة التعاون الدولي من هذا المنصب، في ضوء الاحتفاء بأدائها منذ أن تولت حقيبة التعاون الدولي في سبتمبر من العام  2015، فضلًا عن اختيارها من قبل مجلة فوربس – Forbes  الأمريكية، بين أقوى عشر سيدات عربيات في القطاع الحكومي في العام 2017، وقد جاءت في المركز الثاني بعد الدكتورة «لبنى القاسمي»، وزيرة الدولة للتسامح في الإمارات.

علاوة على ذلك، فإن التمثيل النسائي في الحكومة فيما حمل اسم بـ«عام المرأة»، الذي أعلن المجلس القومي للمرأة أنه مستمر حتى مارس من العام الجاري (2018)، ما زال أقل من 20 في المئة، في المقابل، يبلغ التمثيل النسائي في الحكومة التونسية نحو 30 في المئة بعدد 8  وزيرات من أصل 26 وزيرًا، وفي الحكومة الإماراتية يتجاوز الـ27  في المئة، بواقع 8 وزيرات من أصل 29 وزيرًا.

بين سعادة عبر عنها قطاع من المعنيين بمسألة تمكين النساء، على الصعيد السياسي تحديدًا من ناحية، وانزعاج من كون المسألة ما زالت في إطار زيادة العدد، دون إحداث هزة في السياقات المعتادة، وكسر نمطية التمثيل النسائي التقليدي، الذي يتقدم كما السلحفاة من ناحية أخرى.

خطوة إيجابية لكن ينقصها اَليات التمكين

ترى «مزن حسن» مديرة مؤسسة «نظرة للدراسات النسوية»، أن زيادة عدد النساء في التشكيل الحكومي أمر جيد، خاصة فيما يخص نظرة الدولة المصرية لقضية تمكينهن، في ظل وجود الاستراتيجية الوطنية  لتمكين المرأة المصرية 2030.

وتشدد «حسن» على أن زيادة العدد في المناصب القيادية أمر مُستحسَن وجيد، ولكنها تؤكد في الوقت نفسه، أهمية وجود  آليات واضحة للتمكين، حتى يكون التعيين حقًا وليس منحة.

أقل مما تستحقه المرأة المصرية

من جانبها تثني «اَمال عبد الهادي» العضوة بمجلس أمناء مؤسسة «المرأة  الجديدة»، على التعديل الوزاري، واصفةً الأمر بالخطوة الجيدة والمحدوة في الوقت ذاته.

وتردف «عبد الهادي» قائلة إن وجود ست وزيرات في التشكيل الحكومي  أمر لا يرقى إلى طموحات المرأة المصرية، ولا يتناسب مع ما حققته من مكتسبات منذ ستينيات القرن الماضي، فما تستحقه النساء في مصر أكبر من ذلك بكثير، مشيرةً إلى أن الوزيرات في حكومات دول عربية، مثل، الإمارات، وموريتانيا، وتونس، وأخرى غير عربية، مثل، الهند، تزيد نسبتهن عن 20 في المئة، وعلاوة على ذلك، فإن هذه الدول تُسند إلى المرأة وزارات سيادية، بينما تبقى النساء في مصر بعيدات عن الحقائب السيادية.

«ردود الأفعال التي صاحبت التعديل الوزاري تتسم بالمبالغة الكبيرة في الاحتفاء. زيادة عدد النساء في الحكومة، أمر جيد وخطوة للأمام، ولكنها ليست نقلة كما وصفها البعض، فإن النقلة تعني أن تُمثل النساء بنسبة تصل إلى 50 في المئة من التشكيل الحكومي، وليس أقل من 20 في المئة» تقول «ندى نشأت» العضوة بمؤسسة «قضايا المرأة المصرية».

ما زال منطق «المنحة» هو سيد الموقف

وتتابع في تصريحات لــ«ولها وجوه أخرى»، قائلة إن الحديث عن اختيار امرأة لمنصب رئيس الوزراء، مازال بعيدًا في ظل الشواهد الحالية، إذ لم يُسند للنساء أي وزارة من الوزارات السيادية، وتتساءل «نشأت» مستنكرةً «لماذا لم تُعين وزيرة في منصب وزير الخارجية على سبيل المثال؟»

وترى «نشأت» إن قرارات تمكين النساء سياسيًا، مازال يشوبها الكثير من العوار، لافتةً إلى أن وزيرة السياحة «رانيا المشاط»، تمتلك سيرة ذاتية في قطاع الاقتصاد ومع ذلك اختيرت لمنصب بعيد عن خبراتها،  مؤكدةً  أنه  في حال فشلت أي  من الوزيرات في موقعها، عادةً ما ترجعه الأكثرية  لكونها امرأة، وليس لنقص خبرتها في هذا المجال.

وبشأن عامل «الكفاءة» الذي يستخدمه كثيرون كحجة للتنصل من «تمكين النساء» في المناصب القيادية، تقول «يجب أن تُطبق معايير ومقاييس الكفاءة  على الجنسين» بينما تؤكد «اَمال عبد الهادي» أن المجتمع المصري يمتلك عددًا  كبيرًا  من النساء، اللاتي  حققن نحاجات كبيرة،  مستشهدةً  بواقعة تعود إلى فترة تولي الدكتور «عصام شرف» رئاسة الحكومة في العام 2011، عندما تقدمت القوى المدنية بقائمة تضم أسماء أكثر من 100 سيدة، ردًا على إدعاءات غياب الكفاءة.

تقول «نشأت» إن «تمكين النساء» مازال يخضع لمنطق «المنحة»،  وهو ما تعكسه الاختيارات.

في السياق ذاته، تشير «اَمال عبد الهادي»، إلى أن جانبًا من المهتمين بالشأن النسوي كان ينتظر تطبيق كوتة  للمرأة في تشكيل الحكومة  بنسبة تتراوح بين 30 إلى 35 في المئة،  أما النسبة الحالية فهي أقل من المنتظر، مشددةً على ضرورة خروج مفوضية مكافحة التمييز، التي ينص عليها الدستور إلى النور وأن تتحول إلى واقع، خاصة بعد رفض الجهات القضائية وتحديدًا مجلس الدولة  تعيين النساء، وهو ما يحتم وجود هذه المفوضية.