في 20 يناير من العام 2017، جرى تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين في قائمة الرؤساء الأمريكيين، وتخيم على الدولة الأقوى في العالم، حالة غير مسبوقة من الاستياء والتخوف، لا سيما بعد سيل عَرِم من التصريحات العنصرية بحق أصحاب البشرة السمراء، والمسلمين، والعرب، واللاجئين، والنساء، داوم على إطلاقها على مدار السنة، التي سبقت إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر من العام 2016.

ينتهي العام الأول من ولاية دونالد ترامب الرئاسية، وقد اتسم بالعبثية؛ قرارات مفاجئة، تغريدات مثيرة للجدل، تصريحات عنصرية، ضربة صاروخية، اتهامات بالتاَمر ضد بلده، تهديدات بتدمير دول أخرى، كارثة صفقة القرن، فضلًا عن مشاهد متكررة تؤكد تهمة التحرش الجنسي التي لاحقته قبل وصوله إلى سدة الحكم.

انقضى العام الأول، ولا يمكن القول أن أداء ترامب قد خالف التوقعات، بل إن ما حدث أكد جل التكهنات والمخاوف، ويُنبئ بأن الأسوأ قادم في الطريق.

لم يكن العام الأول في فترة ترامب الرئاسية، سوى بصمة إبهام، أثبتت الاتهامات التي لاحقته قبل فوزه بمقعد الرئيس، بشأن امتهان النساء والتحرش بهن جنسيًا. فما الذي سجله هذا العام، سواء من جانبه أو من جانب النساء اللاتي لم ينتظرن 12 شهرًا، ليعلن رفضهن لوصول متحرش إلى سدة الحكم، وخرجن في مشهد مهيب، سجله مراقبون باعتباره أقوى احتجاج ضد رئيس من رؤساء الولايات المتحدة.

في اليوم الأول..نساء العالم يتظاهرن ضد ترامب

انطلقت مظاهرات نسائية حاشدة، في اليوم الأول بعد تنصيب ترامب، في العاصمة الفيدرالية واشنطن، وعدد من المدن الأمريكية، مثل؛ نيويورك وبوسطن ولوس أنجلوس وسياتل. وبحسب التقديرات فإن عدد المشاركات ومن انضم إليهن من الرجال، في المسيرة الكبرى في واشنطن، قد بلغ نحو نصف المليون، وهو الاحتشاد الأكبر ضد رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، لا سيما بعد أن تفوق هذا العدد على الحشد المحتج ضد حرب فيتنام، قبيل التنصيب الثاني لريتشارد نيكسون رئيسًا في العام 1973، الذي بلغ نحو 60 ألفًا.

لم تقتصر المظاهرات المناوئة لترامب على الولايات المتحدة، فقد امتدت إلى دول أخرى تحت اسم «مسيرات شقيقة»، ومن أبرزها؛ فرنسا وألمانيا، وكينيا، وإيطاليا، والنمسا، وسويسرا، وهولندا واستراليا، والفليبين ونيوزيلندا.

ووفق الدعوات التي خرجت تناشد النساء النزول إلى الشوارع للاحتجاج على تنصيب ترامب رئيسًا، فإن عدد المسيرات تجاوز الـ600 مسيرة، وقد ارتدت بعض المشاركات في المسيرة قبعات باللون الوردى، بينما حملت أخريات لافتات كتبن عليها عبارات تنتقد نظرة ترامب للمرأة وتتهكم على تصريحاته المهينة للنساء، وعباراته الجنسية التي كشفها تسجيل يعود إلى العام 2005، سُرِّب له قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية.

«هذا هو الجانب الإيجابي من الجانب السلبي. هذا هو تدفق الطاقة والديمقراطية الحقيقية التي لم أرها في حياتي الطويلة جدًا.. وتذكروا أن الدستور لا يبدأ بـ«أنا الرئيس» وإنما يبدأ بــ«نحن الشعب».»

الصحافية والناشطة النسوية غلوريا ستاينم في كلمتها أمام الحشود في مسيرة النساء في واشنطن

جانب من مسيرة النساء الكبرى ضد ترامب

حتى زوجة نظيره الفرنسي لم تسلم منه:

«تبدين في هيئة جميلة جدًا»

نشرت الصفحة الرسمية للرئاسة الفرنسية على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، مقطعًا مصورًا يسجل مغازلة دونالد ترامب لبريجيت ماكرون، السيدة الأولى في فرنسا، عندما كان بصحبة زوجته في ضيافة الرئيس الفرنسي وزوجته في مجمع ليز أنفاليد، إذ قال لها «هيئتك جميلة جدًا»، ثم التفت إلى ماكرون وكرر التعليق نفسه، وعاد والتفت إليها مرة أخرى، وقال «جميلة».

فضلًا عن أن التصرف خارج عن المألوف في البروتوكلات الرسمية، فإن تاريخ دونالد ترامب، الذي تكشفه تصريحاته والمواقف المروية على لسان العديد من النساء، يؤكد احتقاره للنساء ونظرته لهن كدمى جنسية، كما يعزز تحليل هذا التصرف في سياق الإطراء الجنسي، وليس المجاملة العابرة.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات إزاء ما فعله ترامب، ومن بين المعلقين في هذا الشأن، كانت أليكس بيرج، وهي كاتبة في الشأن النسوي، كتبت على حسابها على موقع تويتر، «قول ترامب لسيدة فرنسا لأولى: هيئتك جميلة جدًا يلخص موقف الرجال الذين يقفون بأطراف أصابعهم على الخط الفاصل بين المجاملة والتحرش الجنسي. »

اعتاد ترامب على استخدام هذا النوع من التعليقات، الذي يركز عى المظهر الجسدي للنساء، سواء انطوى تعليقه على مغازلة غير مرغوبة أو سخرية وتهكم متعمدين، وله في هذا الأمر، سوابق مع عدد من الشخصيات النسائية البارزة في المجتمع الأمريكي، ومنهن؛ المرشحة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون وسيدة الأعمال كارلي فيورينا، والممثلة روزي أودونيل، والصحافية أريانا هافينغتون، ونجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان وعارضة الأزياء هايدي كلوم.

«يا سيد ترامب: المرأة لا تحب أن تسمح ملاحظات غير مرغوب فيها عن رأيك في جسدها. هذا فج وغير ملائم بالمرة. »

صانعة الأفلام الوثائقية، جينيفر سيبيل نيوسوم، تعليقًا على ما قاله ترامب لبريجيت ماكرون

تحرش أمام الكاميرات: «لدينا صحافية إيرلندية جميلة هنا وضحكتها جميلة جدًا»

مما لا شك فيه أن ترامب كان أحد نجوم مواقع التواصل الاجتماعي خلال هذا العام، بسبب كم المقاطع التي انتشرت له، وفي مقدمتها تلك التي توثق تحرشه بالنساء، وكما أشرنا إلى المقطع الخاص ببريجيت ماكرون، فقد انتشر مقطع اَخر، يظهر ترامب يتحرش بمراسلة أيرلندية داخل مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض. وكان ترامب يجري مكالمةً هاتفية مع رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فرادكار، أثناء تواجد مجموعة مراسلين داخل مكتبه، ومن ضمنهم كاترينا بيري، مراسلة هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرلندية الرسمية RTÉ » » في واشنطن، ليفاجئ الحاضرين، ويقطع المكالمة، ويطلب منها الاقتراب منه، ليسألها عن جهة العمل، ثم يقول لفرادكار: «لدينا صحافية أيرلندية جميلة هنا» ثم يسألها عن اسمها، ويعود لفرادكار ويقول «ضحكتها جميلة جدًا»، مضيفًا «أراهن أنها تعاملك بطريقة جيدة.»

من جهتها، نشرت بيري مقطعًا مصورًا يوثق هذا المشهد، عبر حسابها الشخصي على موقع تويتر، واصفةً إياه، بـ«اللحظة الغريبة جدًا»، وقد أعيد نشر هذه التغريدة لأكثر من 15 ألف مرة، ومن جديد طاردت ترامب اتهامات التحرش الجنسي، وعبر المنتقدون لهذا المقطع، عن غضبهم من تعمده ألا يتعامل مع النساء بشكل مهني في أماكن العمل، وإصراره على اختزالهن في أجساد يعلق على مفاتنها كيفما شاء.

«ما حدث مثال نموذجي للتحرش في أماكن العمل»

روبرت ماكي – في مقاله عن الواقعة، والمنشور بالجريدة الإلكترونية Intercept  – اعتراض

https://youtu.be/xI8xmPncxfI

هل يحقق الكونجرس في اتهام الرئيس بـ«التحرش»؟

في ديسمبر الماضي، اتهمت ثلاث نساء دونالد ترامب بالتحرش الجنسي، وفي تصريحات أدلين بها خلال مؤتمر صحافي، نظمته مؤسسة بريف نيو فيلم، التي أصدرت  في نوفمبر الماضي، فيلمًا بعنوان «16 سيدة ودونالد ترامب» يوثق شهادات لنساء، يتهمن ترامب بالتحرش الجنسي.

وقد وجهت السيدات الثلاث اتهامات إلى ترامب، بتعمد ملامستهن وتقبيلهن عنوةً أو الإساءة إليهن ومضايقتهن، وقد سبق أن أدلت النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30 وأكثر من 70 عامًا بالشهادات نفسها قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وروت ريتشل كروكس، كيف قبلها ترامب بالقوة، عندما كانت تعمل كموظفة استقبال في برج ترامب في العام 2005، وأضافت «لذلك أطالب أعضاء الكونغرس بتنحية انتماءاتهم السياسية جانبًا، والتحقيق في تاريخ ترامب فيما يتعلق بالانتهاكات الجنسية. »

أما جيسيكا ليدز فقد قالت إن ترامب تحسس جسدها بغير رضاها في طائرة في السبعينيات، وقالت «كانت يداه في كل مكان «.

وتحدثت سمانثا هولفي التي شاركت في مسابقة ملكة جمال الولايات المتحدة التي كان ينظمها ترامب، عن تحرشه بالمتسابقات، وقالت «أوقفنا جميعًا صفًا وراح ينظر إلي كما لو كنت قطعة لحم. »

سارع اثنان من أعضاء الحزب الديمقراطي، وهما كوري بوكر وجيف ميركلي، إلى مطالبة الرئيس الأمريكي بتقديم استقالته على خلفية هذه الاتهامات، بينما طالبت أربع وخمسون امرأة من الديموقراطيين في الكونغرس بإجراء تحقيق.

في المقابل رفضت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز هذه الاتهامات، معتبرةً أنها حملة ذات دوافع سياسية.

أما ترامب فقد غرد  – كعادته – ردًا على هذه الاتهامات قائلًا «على رغم اَلاف الساعات التي ضاعت وملايين الدولارات التي أُنفِقت، لم يتمكن الديموقراطيون من إثبات أي تواطؤ مع روسيا، والاَن ينتقلون إلى الاتهامات الزائفة والقصص المفبركة لنساء لا أعرفهن أو لم أقابلهن مطلقًا.»

«الماضي الذي نصر على أنه مات، سيظل حيًا ما دمنا على قيد الحياة»

أثير عبدالله النشمي