حسام عبد اللطيف يكتـــب: «النساء» وردة في عروة الاستحقاقات السياسية
عن كاتب المقال: عضو بمؤسسة «جنوبية حرة» النسوية في أسوان
منذ خروج النساء إلى المجال العام في مصر إبان ثورة 1919، ومشاركتهن مع الرجال في مضمار الحياة السياسية وإلى الاَن، تستمر تنحية قضاياهن جانبًا، تحت بنود كثيرة واستنادًا إلى حجج عديدة، تارة كان طرد المستعمر أولًا هو الحجة، وتارة أخرى كانت مطالب الثورات المتعاقبة في مصر هي الذريعة لتهميش قضايا النساء، ولا ينكر أحد دور الرائدات في طرح الرؤى السياسية ودمج قضايا المرأة في ثناياها، ولا يُمكن أيضًا إنكار تواجدهن وإثباتهن لذواتهن في المجال العام، منذ أن طالبن بفرص متساوية في تعليم الفتيات كما يتم إعطاؤها للذكور، حتى وصلن إلى نضالهن في العصر الحديث، حيث يطرحن قضاياهن عبر منصات اجتماعية مختلفة، ثم كانت ثورة يناير في العام 2011، التي أحدثت تحريكًا في مياه راكدة، فيما يخص المجال العام تحديدًا، الذي ظل مغلقًا لعقود أمام المصريين عمومًا، وشاركت النساء في إحداث ذلك التغيير، ودافعن عن الوطن مع الرجال.
في المقابل، حاول البعض تهميش دورهن وقضاياهن في ذلك الوقت، متعللين بأن في الوطن ما هو أهم من مطالبهن، دون أن يدرك هؤلاء أن أي نضال مجتمعي يخلو من مطالب النساء، هو نضال زائف، ورغم التهميش المتعمد لمطالبهن، لم تتراجع إحداهن ولم تشتكِ من غاز يسيل دموع الجميع، لا يفرق بين ذكر وأنثى.
نزلت النساء إلى الشوارع في أيام الثورة الأولى، وشاركن في الدعوة إلى النزول، وخرجن طالما احتاجهن الوطن، حتى فيما تلى الأيام الأولى للثورة، وصولًا إلى الثلاثين من يونيو، عندما شاركن بدافع وطني وبدافع الحفاظ على مكتسباتهن، التي نالوها بعد نضال استمر على مدار عقود طويلة، فنزلن ضد نظام إسلامي، كان يريد العودة بالجميع إلى ما قبل العصور الوسطى، قاومن نظامًا كان يريد تقييد حريتهن وربطهن كـنساء بدور اجتماعي وحيد، وهو البقاء في المنزل ورعاية شؤونه، فخرجن ونجحن في إسقاط ذلك النظام.
تستعد الاَن الدولة المصرية لإجراء الانتخابات الرئاسية في غضون شهور قليلة، في ظل مجال عام منغلق، ويرسخ إلى الصوت الواحد، وما زال حتى الاَن، استخدام النساء في كل عملية انتخابية مستحقة طبقًا للدساتير المصرية مستمرًا بنفس النمط، حيث تخرج الخطابات الأبوية المختلطة بفكر في قالب نمطي، يرى كل النساء عاطفيات، ويستخدم لغة عاطفية لجذبهن، وفي كل حدث يتم تجاهل النساء ومطالبهن، وفي كل مرة يقال إن المرأة تُمثل نصف المجتمع، لكنها فقط نصفه في الخطابات الرنانة، وفي العمليات والتحولات السياسية، أما إذا تعلق اﻷمر بمطالبهن، يظل الأمر في حيز التجاهل أو الكلام ذي الصبغة السخيفة، الذي يزعم أن «الوقت ليس وقتها»، و«المجال ليس مجالها»، وكأنهم أدرى بشؤونهن أكثر منهن.
حتى في الأحزاب التي تدعي بأن لها دورًا تقدميًا في مجتمعاتنا في الشرق اﻷوسط، يُهمَّش دور المرأة داخلها، بنفس الحجج التي تتبناها المؤسسات الرسمية، تارة بزعم أن المجال العام ليس مستعدًا لمطالبهن، وتارة يستخدمون «لا تكن أنانيات، فهناك ما هو أعظم وأكبر شأنًا الآن من مناقشة تمكين السيدات» سواء تمكينهن في المناصب القيادية أو مناقشة قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، حتى اﻷحزاب الاسلامية التي كان لنا معها تجربة قصيرة، على الرغم من اتساقها التام مع مبادئ وأفكار المنتمين إليها، التي تحصر أدوار النساء في البيت واعتبارها الملكة فيه وهلم جرا من كلام رجعي، فقد استغلوا النساء في معاركهم الانتخابية، التي ألزمهم فيها القانون بوجود كوتة للمرأة، فلم يتوانوا عن كتابة أسمائهن، مصحوبة بصورة وردة بديلًا عن صورهن الشخصية، باعتبار أنه من غير المهم أن يتعرف الناخب إلى مرشحته، والكلمة الفصل أولًا وأخيرًا للرجل، فهو صاحب العقل والمنطق والحُجة، الذي بيده الخير والمنة والعفو والصفح والتشريع والحُكم، أما المرأة فناقصة عقل ودين.
في القرن الحادي والعشرين، تظل المطالب هي نفسها، التي نادت بها رائدات أولَيات في القرن العشرين، فقط التمكين السياسي، فقط الحصول على فرص متساوية في العمليات الانتخابية والتحولات السياسية، لا استغلال ولا مماطلة، فقط التمكين السياسي الذي يُمكنهن – وهن الأجدر – من مناقشة قضاياهن.