ليس جديدًا أو مستغربًا، أن نشهد سيلًا من التصريحات المسيئة للنساء، أو الفتاوى التي تضعهن في مرتبة أدنى من الرجل أو ترسخ للنظر إليهن ككائنات للاستمتاع الجسدي، وليس مفاجئًا أن يتبع مثل هذه الهجمات اللفظية، هبَّة تستمر لبضعة أيام ثم تزول، لكن ما يسترعي الانتباه هو أن تتكرر هذه المشاهد بالضبط ودون أي تغيير في ما سمي بــ”عام المرأة”، الذي رُوِّجَ له قبل حتى أن يبدأ، باعتباره العام المنتظر، الذي سيتحقق لها فيه، ما صبت إليه طويلًا.

نبيه الوحش.. لأن تصريحاته السابقة مرت ولم يكترث لها أحد

«البنت اللي تمشي كده، التحرش بها واجب وطني واغتصابها واجب قومي»

أثناء استضافة «نبيه الوحش» في 18 أكتوبر الماضي، في برنامج «انفراد» المذاع على قناة «العاصمة» الفضائية، لمناقشة مشروع تعديل قانون مكافحة الدعارة والتحريض على الفسق والفجور، قال نصًا «أنا راجل صعيدي المنشأ والأصل، البنت اللي مش بتحافظ على نفسها وتدعو الناس إنها تعاكسها ولابسة بنطلون مقطع اغتصابها واجب قومي والتحرش بها واجب وطني»، وعلى عكس مرات كثيرة سبق وأساء فيها «الوحش» للنساء مستخدمًا نفس اللهجة الذكورية، فإن هذه التصريحات لم تمر كسابقاتها، وانتفض ضدها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، وناشطات، ومؤسسات نسوية، بالإضافة إلى نائبات البرلمان والمجلس القومي للمرأة، الذي تقدم ببلاغ إلى النائب العام، وشكوى إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فانتهت الشكوى إلى منعه من الظهور على الشاشات لمدة ثلاثة أشهر، ومضى البلاغ في مساره الطبيعي، فأصدرت محكمة جنح الأزبكية، حكمًا غيابيًا بحبسه لمدة ثلاث سنوات، وغرامة قدرها 20 ألف جنيه.

أثارت تصريحات «الوحش» السخط في الداخل والخارج، وتناولتها صحيفة الإندبندنت (Independent) البريطانية، لتربط بينها وبين ما كشفه أحدث تقارير مؤسسة تومسون رويترز (Thomson Reuters)، عن أن القاهرة هي المدينة المليونية الأكثر خطورة على النساء.

هذا التصريح ليس الأول من نوعه في سجل تصريحات “نبيه الوحش”، فقبل نحو سنة، وفي نفس البرنامج قال إن «النساء لديهن غدة نفسية تسمى «غدة الهبل»، وعندما يعشقن تفرز هذه الغدة هرمون «الهطل» للقضاء على الخجل»، ولم يحرك أحد ساكنًا إزاء هذه الكلمات المهينة.

وفي ديسمبر من العام 2015، ظهر في برنامج اَخر بعنوان «هي مش فوضى»، كانت تذيعه قناة «القاهرة والناس» الفضائية، وقال إن الزوج له الحق الكامل في الزواج على زوجته، دون أن يعلمها، وأضاف «يخطرها مش يستأذنها، يخطرها بعد الزواج، إنما لا يتوقف الزواج الذي شرعه ربنا وحلله من فوق سبع سماوات على إذن واحدة مجنونة أو نكدية، والزوج لو قاعد معاها فى البيت وبيباشرها ويباشر أولاده أفضل من إنها تبقى مطلقة»، ومع ذلك مر التصريح دون أن يحدث موجة من الغضب أو يخلف أي نوع من الاحتجاج القوي، الذي يرغم صاحبه على التفكير بعد ذلك قبل إطلاق تصريحات تنال من النساء بهذه اللغة المهينة.

نعيش في الحاضر ونرفض التخلي عن عباءة الماضي

«المزايدة على الأزهر في قضية الطلاق الشفهي تجاوزٌ للحد، وأيضًا تجاوزٌ للحق»

 صرح شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» بتاريخ 17 فبراير الماضي، خلال لقاء أسبوعي تبثه قناة «الفضائية المصرية»، قائلًا «سأتعرض لما أثير مؤخرًا، في كثير من وسائل الإعلام والرأي العام عن قضية الطلاق الشفهي، من الناحية العلمية فقط، ولا أريد أن أدخل في المتاهات الأخرى والردود على ما يكتب أو يقال أو يبث في القنوات؛ لأن هذا من وجهة نظري تضييع للوقت وللجهد معًا.»

وأضاف «أحب أن ألفت نظر المشاهد الكريم إلى أن المزايدة على الأزهر في هذا الموضوع تجاوزٌ للحد، وأيضًا تجاوزٌ للحق، وكنا نتمنى من بعض المنتسبين للأزهر ألا يقحموا أنفسهم في القضايا الفقهية الشائكة، وأن يتركوا للمجامع  والهيئات المتخصصة في الأزهر الشريف بيان الحكم الشرعي في هذه القضية، قضية الطلاق الشفهي، ولدينا  وثائق علمية حتى لا يزايد علينا في الصحف ولا في القنوات.»

وقد جاءت تصريحات شيخ الأزهر، بعد أن أصدرت هيئة كبار العلماء، في مطلع الشهر نفسه، بيانًا أقرت فيه وقوع الطلاق الشفوى المستوفي أركانه وشروطه، من منطلق أن هذا ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي محمد.

وقد عادت قضية الطلاق الشفوي إلى الواجهة، بعد أن اقترح الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يناير الماضي، البحث في حلول لتقييد هذا الشكل من الطلاق.

أغلقت تصريحات شيخ الأزهر الباب تمامًا أمام النقاش، الذي فرض نفسه بقوة على الساحة خلال الأيام الأولى من العام 2017، ولم يعد مطروحًا من بعدها، لتُطوَى هذه الورقة، كما طويت مرارًا، دون أن يُخط فيها خطًا جديدًا.

معاشرة الوداع تعود من جديد: هذه المرة.. السلفيون ليسوا أبطال القصة

«الفعل حلال، لأنها زوجته وعاشرها، فهنا لم يرتكب إثمًا أو ضررًا»

في شهر سبتمبر الماضي، أرسل بعض المشاهدين إلى برنامج «عم يتساءلون» المذاع على شاشة  LTC الفضائية، يسألون عن «معاشرة الوداع»، أي معاشرة الزوج للزوجة بعد الوفاة، وكان ضيف الحلقة هو «صبري عبد الروؤف» أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، وقد أجاب قائلًا  «هؤلاء شذوذ.. لكن هل يعتبر هذا زنا؟، هو زوج إن فعل هذا هو خالف المألوف، لكن لا يعاقب عقاب، الذي ارتكب جريمة الزنا أو ارتكب أمرًا اَخر، وإنما لولي الأمر أن يعزره، لأنه فعل شيئًا غير مألوف،» وأكد «الفعل حلال، لأنها زوجته وعاشرها، فهنا لم يرتكب إثمًا أو ضررًا.»

لم تكن هذه الفتوى الشاذة الوحيدة التي يطلقها “عبد الرؤوف”، لكنها أكثرها شذوذًا، وعلى سبيل المثال فقد أفتى بحق الرجل في تصوير العلاقة الجنسية بينه وبين زوجته، وقال «بدل مايشوف حد أجنبي يشوف زوجته أو نفسه، إيه المشكلة؟»

على الجانب الاَخر، فمسألة «معاشرة الوداع»، قد سبق وطفت إلى السطح في العام 2012، عندما حاول بعض نواب التيار السلفي، عرض مقترح قانون، ينص في طياته على «مضاجعة الوداع»، بما يسمح للزوج أو الزوجة بمعاشرة الطرف الآخر حتى ست ساعات بعد وفاته، وهو ما أحدث جدلًا كبيرًا وقتها، أجبرهم على التراجع عن تقديم المقترح، أما «صبري عبد الرؤوف»، فقد منعه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من الظهور على القنوات المصرية التلفزيونية والمحطات الإذاعية، كما أحالته جامعة الأزهر إلى التحقيق بشأن ما أفتى به.

السلفيون.. محاولات لا تنتهي للعصف بالمكتسبات

«لا يجوز أن تتولى المرأة منصب المحافظ »

بعد الإعلان عن تعيين أول امرأة في منصب المحافظ في مصر، في فبراير الماضي، وهي «نادية عبده»، التي تقلدت المنصب في محافظة البحيرة، كتب الداعية السلفي «سامح عبد الحميد حسونة» على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، «لا يجوز أن تتولى المرأة منصب المحافظ، والله عز وجل خلق الرجل وخلق المرأة، وهو أعلم بما يُصلحهما، كما جاء في قوله تعالى “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” »، كما سارعت حركة «دافع » السلفية إلى إصدار بيان تعلن رفضها لقرار تعيين امرأة بمنصب المحافظ، بحجة أنه لا يجوز شرعًا، وفق منظورها، مشيرة إلى أنه لم يُعرَف عن النبي ولا الخلفاء الراشدين، أنهم استعانوا بامرأة في ولاية أو قضاء.
وأفاضت تلك الحركة السلفية في تبرير رفضها، فقالت إن «أبسط الولايات، وهي ولاية الأسرة، جعلها الله في عصمة الرجل ولم يكلفها للمرأة، كونها تتمتع بطبيعة مختلفة فسيولوجيًا وسيكولوجيًا، فكيف بولاية عامة كمحافظ؟ »

الأنكى أن البيان انطوى على رفض أشمل من الولاية، وهو خروج النساء للمجال العام، فقد أوردت هذه الحركة في بيانها، أن المرأة لا يصح أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير.

المشكلة في تصريحات السلفيين وفتاويهم، لا تقتصر على تمسكهم بالتفاسير التي عفا عليها الزمن، أو ما تصدره من نظرة دونية ومهينة للنساء، وتتعامل معهن كونهن كائنات مستلبة، بل تزداد خطورتها، في ظل إفساح المجال دائمًا أمامهم، لإطلاق هذه الفتاوى والتصريحات والإدعاءات أيضًا، فتتسرب إلى العوام، وتترك أثرها على قطاع ليس بالقليل، وتتحول إلى أساس ترتكز إليه الثقافة الذكورية وتزداد صلابة في مواجهة التغيير.