الفيلم ينقب في شخصية تلك السيدة القوية، التي استطاعت أن تغير منظور الشرق الأوسط للمرأة

“أم كلثوم” أكسبتني مزيدًا من العزيمة والإصرار وتأثيرها في شخصيتي سيستمر طويلًا

حرصت منذ أن بدأت مشوارها في عالم التمثيل، على التنويع في اختياراتها للشخصيات التي تجسدها، وكان لكل منها خصوصيته، وأضفت على جميعها طابعًا مميزًا، وبعضها كان يبث رسائل نسوية بواقعية وسلاسة، فمنها ما اقترب من أحلام النساء وعالج معاناتهن تحت وطأة القهر الذكوري، كما تجلى في شخصية “هيام” في فيلم “فتاة المصنع”، أو أولج في نفس المرأة التي يتملكها مشاعر متضاربة تجاه قرار الحمل والإنجاب، من خلال شخصية “ليلى” في الفيلم القصير “أسبوع ويومين”، وبالتأكيد عندما تجسد شخصية المطربة الأهم عربيًا في القرن العشرين، فلا بد أن يكون الأداء قد التُبِسَ بالقوة والروح النسوية المتمردة، في فيلم “البحث عن أم كلثوم”، الذي أخرجته الإيرانية “شيرين نيشات”.

تحاور “ولها وجوه أخرى” الفنانة “ياسمين رئيس”، للتعرف أكثر إلى هذا الفيلم وتفاصيله، خاصة بعد أن لاقي إعجابًا وترحيبًا واسعًا، بعد عرضه في مهرجان فينسيا السينمائي في دورته الرابعة والسبعين، ومهرجان ترونتو السينمائي في دورته الثانية والأربعين.

يركز الفيلم بشكل رئيس على قوة “أم كلثوم” كامرأة، وقفت في وجه المعوقات الاجتماعية، واجتازت العقبات الدينية والسياسية، في مجتمع شرقي، وذلك بعيون مخرجة إيرانية تبحث عن ممثلة، لتؤدي دور هذه الشخصية الاستثنائية

من “أم كلثوم” التي يبحث عنها الفيلم؟

يدور الفيلم حول رحلة البحث عن ممثلة ومطربة تستطيع أن تؤدي دور كوكب الشرق “أم كلثوم”، ومن خلال تلك الرحلة نبحث بشكل أعمق في شخصية تلك السيدة القوية، التي استطاعت أن تغير منظور الشرق الأوسط للمرأة من ناحية، ومنظور العالم للشرق الأوسط من ناحية أخرى. نبحث في الفيلم عن أبعاد شخصية “أم كلثوم” بجانب البحث في طبائع المرأة القوية التي تمتلك من المؤهلات والصبر، ما يؤهلها لأن تصل إلى ما هو أبعد من النجوم.

هل الفيلم يندرج تحت تصنيف أعمال السيرة الذاتية أم أنه قراءة نسوية لمخرجة إيرانية مؤمنة، بهذا التيار الفكري الذي تمثله شخصية “أم كلثوم” فى مجتمع شرقي ذكوري؟

الفيلم لا يُصَنِّفُ باعتباره من أعمال السيرة الذاتية، فأنا لا أحكي مسيرة السيدة “أم كلثوم”؛ عن النشأة والمسيرة الفنية، ثم وفاتها، وما إلى ذلك بشكل مباشر، وإنما نقدم ذلك من منظور ممثلة تسعى، لأداء تلك الشخصية، ومن خلال هذا، نقدم أبعادًا مختلفة لشخصية “أم كلثوم”، ونغوص في جوانب عميقة من شخصيتها، كما نقدم من خلال الفيلم، دراسة نسوية بشكل مثير لشخصية غادة، التي ترتدي ثوب أم كلثوم، وتمسك بمنديلها، وترتدي نظارتها السوداء.

كيف جاء ترشيحك للشخصية؟

جاءني الترشيح من خلال “شوجا عزاري”، الذي شارك في تأليف الفيلم، وصديقي السينارست “أحمد عامر”، ومدربة التمثيل “مروة جبريل”، وبعدها التقيت بالمخرجة “شيرين نيشات”، التي كانت قد شاهدت بعض أعمالي بالفعل، وبدأنا في الاتفاق على أبعاد كل شخصية، على صعيد الشكل، وطريقة الطرح، فضلًا عن الأبعاد النفسية.

الاستعدادات والتحضير للشخصية، ودراستها وخروجك بالصورة الأقرب لـ”أم كلثوم”، حدثينا عن كل هذا المجهود؟

هذا الدور مليء بالصعوبات والتحديات، التي لم أواجه مثلها من قبل، فمن ناحية الشكل، لقد استغرقت نحو ثلاثة أشهر للإعداد للشخصية، وسافرت خلالهم إلى روما لمعرفة مقاسات الجسم، الوجه والرقبة للتجهيز لمكياج الشخصية؛ والتي كانت تستغرق 11 ساعة، للوصول إلى ملامح أم كلثوم في المراحل العمرية المتقدمة؛ كما شاهدت كل ظهور للسيدة أم كلثوم سواء في الأفلام، أو الحفلات أو اللقاءات التلفزيونية، كما كنت أحضر تدريبات مكثفة وجلسات عمل مع مدربة التمثيل “مروة جبريل”، أما على مستوى أداء حركة الجسم والشفاه أثناء الغناء، فقد انعقدت جلسات عمل مع الملحن التونسي “أمين بوحافة” المسؤول عن الموسيقى التصويرية والغناء في الفيلم، ليتماشى مع صوت “مروة ناجي”، التي أدت أغاني “أم كلثوم” في الفيلم، وهو ما ظهر بدقة شديدة في الفيلم.

ألم تتخوفي من تجسيد شخصية “أم كلثوم” والمقارنة بينك وبين من سبقك في تقديمها، وهما صابرين وفردوس عبد الحميد؟

الاختلاف في الطرح كبير لأقصى درجة، وكما قلت نحن لم نقدم سيرة كوكب الشرق الذاتية، ومن سيشاهد الفيلم سيستوعب ذلك جيدًا.

ما الأسباب التي دفعتك للمشاركة في هذا الفيلم، وهل جذبك كونها تجربة سينمائية مختلفة، ستتعاونين من خلالها مع فريق عمل ومخرجة أجنبية؟

طالما تمنيت أن أخرج من جلدي، وأقدم عملًا، لم أقدمه من قبل بأي طريقة، وهذا ما وجدته في هذا الفيلم سواء بسبب طبيعة الشخصية، أو بشكل أكبر بسبب العمل في أجواء مختلفة عنا كل ما عملت به من قبل، لقد تعرفت إلى فريق عمل لم أكن أعرفه إلا من خلال الأعمال التي قدمها، ومخرجة تمتلك مسيرة مشرفة ورؤية مختلفة. لقد كانت التجربة والشخصية مختلفتين، وهذه هي التجربة التي كنت أحتاجها في هذه الفترة.

كيف كان التعاون مع المخرجة الإيرانية “شيرين نيشات”، وما الذي يميزها فنيًا؟

كان التعاون بيننا في غاية الرقي، فهي صاحبة وجهة نظر وشخصية قوية، وأنا أحب التعامل مع أصحاب هذا النوع من الشخصية، وقوتها كانت مخلوطة بوعي كبير وإيمان كامل بأهمية جل وجهات النظر، وقد استفدت منها شخصيًا بشكل كبير، وعلى المستوى الإخراجي، فهي تعطي بُعدًا نفسيًا، لكل شخصيات العمل، وتطغى روحها على الشخصيات، بالإضافة إلى حرصها واهتمامها اللا متناهي بالتفاصيل.

ما الذي أضافته لكِ تجربة “البحث عن أم كلثوم”؟

لقد أضاف لي الفيلم، جوانب كثيرة وعلى أكثر من مستوى؛ الأول هو لعب شخصية ذات بعدين، الممثلة “غادة” والسيدة “أم كلثوم”، أما الثاني فهو التعامل مع فريق عمل عالمي، كل واحد فيه، يملك مسيرة مشرفة، على صعيد الأفلام والجوائز، سواء الممثلين أو المخرجة، والثالث هو العمل في بيئة مغايرة لم يسبق لي العمل فيها، واكتساب خبرة التأقلم مع فريق عمل كبير لا أعرفه، أما الإضافة التي أحببتها بشكل شخصي، هي التعرف بشكل أكبر على شخصية السيدة “أم كلثوم”، التي أكسبتني مزيدًا من العزيمة والإصرار، وتأثرت بشخصيتها بدرجة كبير، وأظن أن ذلك سيستمر لفترة طويلة.

هل تطمح ياسمين رئيس للعالمية بهذا الفيلم، خاصة أن المخرجة لها رصيد عالمي، وحصدت من قبل، جائزة الأسد الفضي في مهرجان فينسيا؟

العالمية حلمي بالفعل، وهذا الفيلم خطوة كبيرة بالنسبة لي نحو ما أرنو إليه، ومع ذلك فإن الأمر لم يكن استغلالًا لتاريخ المخرجة، بقدر حبي للعمل، بعدما عُرض علي، ولو عُرض علي فيلم عالمي، ولم أحبه، لن أقبله بالتأكيد.