ليزا سعيد

 

عن الكاتبة:

باحثة نسوية متخصصة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي

 

إن التعديلات الأخيرة التي أقرتها تونس، بشأن المرأة، ليست انتصارًا للمرأة التونسية فحسب، وإنما انتصار لقيم الحق والعدل والخير، ورغم موجات النقد العاتية التي وُجِّهت لتلك التعديلات، كونها تخالف الشريعة الإسلامية -كما يدَّعون-  فإنها تحمل الكثير من الخير والبشرى للمرأة، في الوطن العربي عمومًا وفي مصر على وجه الخصوص، حيث تعاني المرأة المصرية من إجحاف القوانين، التي تُلصَق بالشريعة الإسلامية، وتحصل تلك القوانين على التدعيم المجتمعي، المتمثل بشكله الأقوى في الرجل.

لن أناقش الموضوع من وجهة النظر الدينية، وتفسير الآيات والتأويل، فقد تمت بالفعل من قِبَل كثيرين، ورفضها كثيرون أيضًا، ولكن سنتخذ منحىً إنسانيًا عامًا، وليس دينيًا خاصًا، وانطلاقًا من قاعدة أن الدين وسيلة غايتها الإنسان، والدين وُجِدَ من أجل الإنسان ومصلحته، وليس العكس فالغاية ليست الدين وإنما الإنسان والإنسانية.

المساواة في الإرث

نشأ الخلاف في موضوع الإرث كون الأخ مسؤولًا عن أخته ماديًا، في حالة حدوث مكروه لها، وكذلك هو مسؤول عن تأسيس منزل الزوجية ودفع مهر للعروس، مما يعني أنه يتكلف أكثر ومسؤولياته متعددة، وناهيك عن أن هذه المبررات غير واقعية، وليس هذا ما يحدث فعليًا، والجميع يعرف أن الأخ يتبرأ من أخته إن كانت تشكل عبئًا عليه بأي شكل من الأشكال، وحتى لو كان دَمِث الخُلق، فلن يقدر اقتصاديًا، والحل في تغيير هذه المنظومة التي تنظر إلى المرأة ، ككائن معاق، يحتاج إلى عناية ورعاية دائمًا من رجل، وليست كائنًا كاملًا مثله ولديها عقل يمكنها تفعيله.

يمكننا القول هنا  بأنه إذا تساوت فرص التربية والتعليم بين الولد والبنت وحصل كل منهما على فرصته في الحياة بشكل عادل، فما الداعي الذي يُلزم الأخ أن يكون مسؤولًا ماديًا عن أخته، وهي فتاة متعلمة وتستطيع أن تعمل وتعول نفسها جيدًا مثله؟!

المفترض هنا أن تقديم المساعدة يكون من الأخ أو الأخت للمتضرر منهما على قدم المساواة بشكل إنساني حر لا من باب المفروضات المجتمعية، وكل منهما يساعد الاَخر بقدر ما يستطيع، شعورًا منه بالمسؤولية والحب، فيكون طلب المساعدة بكرامة وتقديمها بدافع الحب.

أما بخصوص العلاقة الزوجية، فالعلاقة السلمية تقوم على الحب والتعاون بين الشريكين، فهما من يستطيع تحديد ما يريدان بما يستطيعان تدبيره، ولا يحق أن يُفرض على الزوج مثلًا أمور معينه تُثقِل كاهله على حساب الزوجة، فالتعاون حسب إمكانياتهم المادية، إذ يشارك كل طرف بما يستطيع، وهذا يدعم العلاقة بينهما ويضمن تطورها بشكل سليم، أما الزواج الذي يُبني على أنه يجب ويجب، يكون بمثابة صفقة تجارية لا علاقة إنسانية ، وتكون من الأسباب الأساسية لإنهاء العلاقة وفسادها فيما بعد، ومن الأسباب الأساسية لارتفاع نسب الطلاق لدينا، لأننا نتعامل مع علاقة من أسمى العلاقات الانسانية، كأنها صفقة تجارية لها شروط مجدده، وربما يشارك فيها الجميع ما عدا الزوج والزوجه،  فأسرة الزوج تقول إنه يجب فعل كذا وكذا من أجل المظاهر والشكل العام أمام المجتمع بغض النظر عن مردود ذلك على العلاقة وكذلك وبالمثل أسرة الزوجة ومن ثما تكون تجارة وليست علاقة سليمة.

الزواج من غير المسلم

عجيب أمر من يريدون فرض الوصاية على القلوب، فيسمحون لها أن تحب هذا ولا تحب ذاك، وكأنها ماكينة تعمل بالتوجيهات وبالكتالوج الذي يملكونه. الحب حينما يأتي لا يسأل عن المعتقد الديني للحبيب، نحن نحب بلا أسباب، فإذا سألت أحدهم، لماذا أحببت هذا بالذات؟،سيجيبك لا أعرف أنا فقط أحبه.

القلب يقع في حب قلب اَخر فقط ، لأنه يريد ذلك، فالحب كائن حر لا يمكن تقييده وإن قُيّد مات، فكيف تُشَّرعون وتضعون القوانين في أمور خاصة بالقلب؟، ما الضرر الذي سيسببه حب أحدهما؟

الحب لا ينشر إلا الحب، ولا يضر أحدًا، لماذا تقيدونه؟ أنتم لا تملكون أمره حتى تتحكموا فيه، أرفعوا وصايتكم عن الحب، فإنه لم يخلق للتحكم والسيطرة وإلا مات وانقضى  وساد الظلام والقسوة.

منع تعدد الزوجات

منع تعدد الزوجات يحفظ كرامة كل من الرجل والمرأة على حد سواء، بل ويحفظ إنسانية الإنسان. تعدد الزوجات ينطلق من النظرة إلى الرجل باعتباره موضوعًا للجنس فقط، وأنه كالحيوانات يسعى لتلبية رغباته أينما وُجِدت، والمرأة تتحول إلى أداة للمتعة ووعاء للإنجاب، وهذا ما ينكره العقل والمنطق، فالعلاقة بين الرجل والمرأة تختلف عن العلاقة بين قرد وقردة في موسم التزاوج، وناهيك عن الاعتبارات الدينية التي يتغنى بها رجال الدين وما هي من الدين في شيء، كيف لقلب أن يحب أربعة، وكيف يهتم بكل واحدة منهن؟ وماذا عن الأطفال كيف يقوم بدور الأب الحقيقي لعدد كبير من الأطفال؟ وماذا عن الأطفال أنفسهم حين يكبرون، ماذا سيكون رد فعلهم إزاء هذا الوضع المُعقد؟ إنها مزرعة لإنتاج البيض تحتوي على مجموعة من الدجاجات وديك واحد، هو المتحكم والحاكم والرادع وكما قال نزار قباني في قصيدته “الديك”:

 في حارتنا

ديك من أصل عربي

 فتح الكون باَلاف الزوجات

لماذا هذه المشكلة تحديدًا تؤرقنا نحن العرب؟ أم أننا وصلنا إلى منتهانا من الجهل، فصرنا نتفنن  في أمور الجهل الداخلية لإنتاجه بشكل جديد؟

وفي النهاية أقول: أنصتوا إلى صوت القلب والضمير ودعوا أصحاب الخطب الرنانة وحماة الفضيلة يملئون العالم بعوائهم، وقد قال الرسول الكريم”استفتي قلبك ولو أفتاك الناس”

استفتي قلبك وأعمل عقلك وأنفض تراب الجهل المتراكم على أبواب روحك، كن إنسانًا وكفى.