منيرة ثابت.. أول من نادى بالحقوق السياسية للنساء.. ونسوية لم تخش معارضة هدى شعراوي وسعد زغلول
أول فتاة تحصل على ليسانس الحقوق، بعد أن التحقت بمدرسة الحقوق الفرنسية في عام 1924، في القاهرة، وقُيدَت في جدول المحامين أمام المحاكم المختلطة كأول محامية عربية. عملت “منيرة ثابت” في جريدة “الأهرام” (تأسست 1875) كصحافية، ثم استطاعت في أواخر عام 1925 أن تحصل من “إسماعيل صدقي” وزير الداخلية، على ترخيص بإصدار صحيفتين سياسيتين، الأولى تصدر باللغة العربية، والثانية تصدر باللغة الفرنسية، تحملان اسم “الأمل”، وعملت من خلالهما على المناداة بحقوق مصر في الحرية والاستقلال، والمطالبة بحقوق النساء السياسية.
أضحت “ثابت” أول صحافية نقابية ، بعد أن قيدت النقابة الأهلية الأولى، اسمها كصحافية عاملة، في صيف العام 1926، ولهذا نالت لقب «عميدة الصحافيات المصريات».
تعد “منيرة ثابت” من النسويات الرائدات، في مجال الدفاع عن حقوق النساء السياسية، في الوقت الذي كانت الحقوق الاجتماعية أولوية لدى أخريات، فضلًا عن أنها كانت تنادي بحقوق اجتماعية شديدة التقدم بالنسبة لعصرها ولوضع المجتمع المصري وقتذاك، مثل مطالبتها بالمساواة في الميراث بين النساء، ومنع تعدد الزوجات، والزواج والطلاق المدني.
“وصف الصحافي “مصطفى أمين” العدد الأول من مجلة “الأمل” العربية، بــ”القنبلة”، بعد أن تضمن هجومًا صريحًا على الانجليز والملك فؤاد”
بتوقيعها.. عريضة إلى “سعد زغلول” لإقرار حقهن في الانتخاب
تقدمت “ثابت” ولم تكن قد تجاوزت العشرين من العمر، بعريضة مسببة إلى “سعد زغلول” رئيس مجلس النواب حينذاك، تطالب بحق النساء في الانتخاب، في 15 مارس 1927، وكانت أول امرأة مصرية تتقدم إلى البرلمان بطلب رسمي في هذا الشأن، خاصة أن مطالب رائدات الحركة النسوية في ذلك الوقت، بزعامة “هدى شعراوي”، تركزت في الاجتماعية منها، مثل؛ إقرار سن أدنى لزواج الفتيات، والاعتراف بحقهن في التعليم والعمل، وقصر الطلاق على قرار القاضي.
قبل ذلك بعدة سنوات، وتحديدًا في العام 1924، عندما افتتح البرلمان جلساته، بعثت برسالة إلى “سعد زغلول” تنتقد فيها دستور 1923، لأنه لم ينص على الحقوق السياسية للنساء.
أيضــــــــًا.. منيرة ثابت.. أول صحافية نقابية في مصر وأول رئيسة تحرير لمجلة سياسية
سعد زغلول .. إلهام ودعم ثم خلاف
تقول “ثابت” في مذكراتها «كان أبي وسعد زغلول من العوامل القوية التي دفعت بي مبكراً لهذا الطريق، فقد تلقيت منهما الإيحاء الفكري والنفسي، فقد حدثني والدي كثيرًا في شؤون المرأة في مصر والخارج، وذكر لي بصفة خاصة تاريخ حركة النساء في إنجلترا، وظل أبي يملأ رأسي بهذه الأفكار حتى كاد أن ينفجر، وقد تلقفني الزعيم سعد زغلول، وأنا في هذه الحالة سنة 1924، إذ اتصلت به وحضرت مجالسه وعطف علي وشجعني، ثم أكمل تعبئة رأسي بالأفكار الباقية في ميدان السياسة والنهضة النسوية والاجتماعية.»
كما كان “سعد زغلول” هو من اقترح عليها أن تصدر مجلة سياسية مستقلة، تنشر من خلالها اَراءها، التي لم يكن يرحب بها الصحافيين في ذلك الوقت.
بعد سنوات، تغيرت الأمور، بعد أن اكتشفت “ثابت” أن ما تصبو إليه، ليس له مكان على أجندة “زغلول”، خاصة عندما شكل “زغلول” حكومته، وذهبت إليه تحتج على تغييب النساء عن التشكيل الوزاري، وما كان منه إلا أن وعدها بأن تحصل النساء على حقوقها السياسية كاملة بعد الجلاء، لأنه يرى أن «هذه الثورة النسائية لم يحن وقتها بعد.»
طفلة أمام النائب العام والتهمة “مهاجمة التدخل الأجنبي”
بسبب كتاباتها المعادية للإنجليز، كانت ثابت أول فتاة عربية في عمر 17 سنةً، تقف أمام النائب العام، ليحقق معها في جريمة سب وقذف، وكانت الجريمة هي مهاجمة “التدخل الأجنبي” في شؤون البلاد ومهاجمة دار المندوب السامي البريطاني والاستعمار، وعند استجوابها قالت بشجاعة “تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه”.
وقد جرى التحقيق معها بأمر صادر من دار المندوب السامي البريطاني في مصر إلى رئيس الوزراء المصري، الذي حوله إلى وزير العدل “الحقانية”للتنفيذ، ولم تعفيها المحكمة من المسؤولية الجنائية إلا في العام 1926، بعد أن أضحت في العشرين من عمرها، وجاء في الحيثيات أن السبب وراء الإعفاء هو صغر سنها.
الخلاف مع رائدات الحركة النسوية المصرية
في العام 1923، انتقدت “ثابت” في مقال لها في جريدة “الأهرام”، الوفد المصري الذي شارك في المؤتمر النسائي الدولي الذي انعقد في روما، وقد ضم؛ “هدى شعراوي”، و”سيزا نبراوي”، و”نبوية موسى”، وتساءلت: إن كان هذا المؤتمر هو التاسع من نوعه، فأين كانت المصريات حين عقد هذا الاتحاد مؤتمراته الثمانية الماضية؟ ماذا كانت تعمل زعيماتنا الكبيرات في هذه التسع سنوات الماضية، لاسيما من تولين منهن الزعامة في السعي لحضور بعض هذه المؤتمرات؟
كما قالت “ثابت” في مذكراتها أنها تعرضت للهجوم، من الإتحاد النسائي المصري، الذي أسسته وترأسته في العشرينيات “هدى شعراوي”، وذلك لاختلاف الرؤى بشأن أولويات الحركة النسوية، فقد كان الاتحاد يرى الأولوية في ذلك الوقت للحقوق الاجتماعية قبل الحقوق السياسية، بينما كانت “ثابت” على الرغم من مناداتها بتلك الحقوق أيضًا، لكنها ركزت على الحقوق السياسية خلال مسيرتها، فضلًا عن تقدمها خطوات عن الحركة النسائية، بعد مطالبتها في مقالاتها بمجلة “الأمل”، بالمساواة بين الجنسين في الميراث، ومنع تعدد الزوجات وليس تقييده فحسب.
أيضــــــــــــــــــــًا.. في العشرينيات: «منيرة ثابت» تخوض أولى معارك المساواة في الميراث
موقفها من الحجاب
عبرت عن موقفها من السفور والحجاب في حوار أجرته معها مجلة “الهلال” في أكتوبر من العام 1925، وقالت ردًا عما إذا كان الحجاب يؤخر المرأة، «ليس فى مصر حجاب الآن، بل المصريات كلهن سافرات، وفقط يختلف شعورهن بحسب اختلاف عقلية وسط كل طائفة من المصريات. وإن كان للحجاب أثر فى مصر الآن كما يزعم البعض، فليس يوجد إلا ف فى بعض طبقات قليلة لا أهمية لها، ولحركة السفور تأثير كبير وجميل فى نفوس السيدات، حتى إن هذه الحركة السفورية، كانت وما زالت من أهم أسس النهضة النسائية، إذ إن السفور عنوان للشجاعة الأدبية والنزاهة والصراحة، ولذلك كان تأثيره قاسيًا شديدًا على عقلية الرجل.»
التعثر ومحاولات العودة
توقفت صحيفة الأمل بعد العدد الصادر في 8 أكتوبر من العام 1928، وذلك بعد زواج “منيرة ثابت” من الكاتب الصحافي “عبد القادر حمزة” مؤسس جريدة البلاغ، إحدى أبرز الصحف في ذلك الوقت، لتترك الصحافة تمامًا.
لم يستمر الزواج طويلًا، وقررت العودة مرة للصحافة، فعادت إلى جريدة الأهرام، ووصفها “أنطون الجميل” رئيس تحرير الجريدة في العام 1948، بــ”الكاتبة الأولى في مصر.”
وفي صيف العام 1952، عادت مجلة الأمل، كإصدار شهري، لتتوقف نهائيًا بعد صدور قانون 1960، الذي انتقلت بمقتضاه ملكية الصحف إلى الاتحاد الاشتراكي.
أخيرًا .. “منيرة ثابت” مرشحة في الانتخابات البرلمانية
شاركت “منيرة ثابت” في الإضراب عن الطعام، الذي بدأته “درية شفيق”، في مارس من العام 1954 داخل نقابة الصحافيين، للمطالبة بالاعتراف بحقوق النساء السياسية في دستور ما بعد ثورة يوليو 1952، وكان هذا الإضراب سببًا رئيسًا في اعتراف دستور 1956، بحق النساء في الترشح والانتخاب.
قررت “ثابت” المشاركة في الانتخابات البرلمانية في عام 1957، وترشحت عن الدائرة الثالثة بالقاهرة، وتقدمت على بقية المرشحين، لكن السلطة السياسية في كل زمان، تأبى أن يتحقق لها مرادها، فقد فوجئت بقرار إغلاق جميع الدوائر التي ترشح فيها وزراء، وكان “فتحي رضوان” وزير الإرشاد القومي (الإعلام)، قد انتقل إلى دائرتها. وعلى الرغم من أن حلمها في الدخول إلى البرلمان كنائبة قد تبدد، فقد تحقق أملها في أن ترى المرأة المصرية تحت القبة تحقق بدخول كل من “راوية عطية” و”أمينة شكري”.
النهايات المؤلمة
النهايات المؤلمة كثيرًا ما تصاحب المنضالين في مجالات ومسارات مختلفة، وواحدة من هؤلاء كانت “منيرة ثابت”، التي بعد أن وأدت القوانين مشروعها الكبير، مجلة الأمل، نال منها المرض وأخذ منها بصرها.
سافرت للعلاج علي نفقة الدولة ، وعاد إليها بصرها في العام 1964، لكنها ظلت منعزلة عن الحياة العامة، حتى توفيت في سبتمبر من العام 1967.