الصورة: “أمنية جاد الله” تتحدث عن قضيتها في أحد المؤتمرات

“من المقرر أن تنعقد أول جلسة للنظر في الطعن الذي تقدمت به، يوم 11 نوفمبر المقبل، بعد صدور تقرير المفوضين، وللاَسف لو صدر حكم بالسلب، ليس لدي درجة طعن أخرى ولا حق الاعتراض، وذلك لحرماني من درجات التقاضي وقصرها على الدرجة الأخيرة، فضلًا عن أن مجلس الدولة هو الخصم والحكم في القضية.” تقول أمنية جاد الله، صاحبة الطعن المنظور أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، بشأن حرمان الإناث من التعيين في مجلس الدولة.

تخرجت “أمنية” في كلية الشريعة والقانون، في العام 2013 (إحدى كليات جامعة الأزهر، تختص بدراسة العلوم الشرعية، إلى جانب مواد العلوم القانونية، التي تماثل مواد كليات الحقوق)، وحصلت على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، فضلًا عن أنها بين أوائل الدفعة في الترتيب الثاني.

قبل أربع سنوات، فوجئت “أمنية” برفض مجلس الدولة لطلبها بالعمل كمندوبة مساعدة في مجلس الدولة، وما يسترعي الانتباه هو أن المبررات التي صاغها  المجلس، هي نفسها التي استند إليها عند رفضه طلب “عائشة راتب” في عام 1949.

عائشة راتب مع الرئيس السادات

“عائشة راتب” هي أول امرأة أقامت دعوى أمام المحكمة، تطالب بحقها في التعيين في مجلس الدولة، بعد أن رفض طلبها بحجة “العادات والتقاليد”. كانت “راتب” من العشرة الأوائل بين خريجي كلية الحقوق في جامعة القاهرة، في عام 1949، ومع ذلك رفض المجلس طلب التعيين، حتى بعد اجتيازها اختبارات القبول، التي طلب إجراءها، السنهوري باشا، رئيس مجلس الدولة وقتذاك، فقررت ألا تذعن لما رأته تعديًا على حقها، وأقامت دعوى تختصم فيها مجلس الدولة أمام المجلس نفسه، احتجاجًا على تخطيها في التعيين، لكنها واجهت نفس التعنت، ورُفِضَت الدعوى، لعدم وجود سوابق لهذه الحالة.

المشهد لا يختلف في تفاصيله عن المشهد الحالي، سوى في الاسمين، فما فعلته “عائشة راتب”، هو ما تفعله “أمنية جاد الله”، لكن المنتظر بعد مرور 68 سنةً، أن تأتي النتائج النهائية مختلفة، لا سيما أن الدستور الحالي ينص في المادة 11 منه على “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفقًا لأحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية علي النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائيه دون تمييز ضدها.”

فضلًا عما جاء في المادة 9 من الدستور التي تنص على “تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز”، وكذلك المادة 14 التي تنص في جانب منها على “الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، دون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم.”

تمثل نسبة القاضيات في مصر نصف في المئة من إجمالي عدد القضاة، فيما تصل نسبتهن إلى 33 في المئة في تونس و38 في المئة في الجزائر

تقول “أمنية” “القضية ليست قضية توظيف، وليست سعيًا للحصول على امتيازات بعينها دون غيرها، وإنما قضية تمكين المرأة من استحقاقاتها الدستورية والإنسانية علي حد سواء. المرأة نصف المجتمع ولا يمكن لعاقل أو مُنصِف أن يتغافل عن إسهاماتها، وبالتالي فإن إقصاءها وغياب تمكينها من مواقع اتخاذ القرار، مخالفة لأبسط مبادئ العدل والقانون والمنطق والإنسانية.”

تستعيد “أمنية” تفاصيل تقدمها للتعيين في مجلس الدولة، وتروي “بتاريخ 30 يناير من العام 2014، تقدمت في الموعد المحدد لسحب ملف المجلس، لشغل وظيفة مندوب مساعد في مجلس الدولة، لكنني ومن معي، فوجئنا بتجاهل المجلس لطلبنا، على الرغم من أن المستشار “فريد نزيه تناغو” رئيس المجلس حينذاك، صرح قبل أيام من سريان العمل بدستور 2014، بأنه في حال إقرار الدستور، سيقبل المجلس أوراق الخريجات لشغل وظيفة «مندوب مساعد ».”

تستطرد “تقدمت بتظلم لدى مكتب رئيس مجلس  الدولة، مع أكثر من 20 فتاة، وحررنا محضرًا في قسم الدقي في اليوم نفسه، لإثبات الحالة، ولمطالبة المجلس بإلغاء القرار السلبي المتمثل في امتناعه عن تسليم الملفات للخريجات أسوة بالخريجين، الذي يعد مخالفةً صارخةً للمواد الدستورية.”

لم تكتف “أمنية جاد الله” بالتحرك قانونيًا لاستعادة حقها المُهدر رُغمًا عنها، واتجهت إلى المنظمات النسوية، اَملة في أن يكون لها دور فعَّال في قضيتها، وكانت وجهتها الأولى هي المجلس القومي للمرأة في يناير من العام 2014، حيث التقت  بالسفيرة “مرفت التلاوي”، رئيسة المجلس اَنذاك.

بعد اللقاء، أرسلت “التلاوي” خطابًا إلى مجلس الدولة، تستفسر عن السبب وراء رفض قبول المتقدمات للعمل في مجلس الدولة، خاصة بعد أن اعترف الدستور بأحقية النساء في ذلك، وهو ما يعني أن رفض تعيينهن لم يعد له صفة. أثار الخطاب حفيظة المجلس، وأصدر أعضاء نادي مجلس الدولة بيانًا اعتبروا فيه خطاب “التلاوي”إساءة بالغة، مطالبين رئيس المجلس بتحريك دعوى وبلاغ للنائب العام ضدها.

“كان أولى بالمجلس أن يرد في بيانه، ليوضح موقفه وسبب رفضه لتطبيق الماده 11 من الدستور، ومخالفته لقانون مجلس الدولة وقانون السلطة القضائية، الذي لا يشترط «الذكورة » في تولي المنصب، فضلًا عن أن مصر هي واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية سيداو، لإنهاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة.” تقول “أمنية”، مشيرةً إلى أن المجلس القومي للمرأة لم يتحرك، ولم يقم بأي تصعيد بعد هذه الواقعة.

في العام نفسه، 2014، علمت الكاتبة الصحافية “سكينة فؤاد” بالقضية، وكانت تشغل حينذاك منصب مستشار رئيس الجمهورية السابق “عدلي منصور”، وتفاعلت مع الأمر، والتقت بـ”أمنية”، ثم طلبت من المحامية الحقوقية “نهاد أبو القمصان”، بكتابة مذكرة قانونية بشأن الموقف، لعرضها على الرئيس.

أقامت “أمنية” دعوى في مارس من العام 2014، أمام المحكمة الإدارة العليا، للطعن على قرار مجلس الدولة، الذي يقضي بالامتناع عن تسليم الخريجات ملف شغل وظيفة “مندوب مساعد” في مجلس الدولة.

وتردف قائلة “بعد مضي سنة وعدة أشهر، تحديدًا في شهر مايو من العام 2015، صدر تقرير المفوضين في الطعن -تقرير استشاري وليس الزامي للمحكمة – يرفض الدعوى، متذرعًا بعدم أحقية المرأة في التعيين في مخالفة صريحة للدستور وتحدٍ للمادة 11 منه.”

لم تنته القصة هنا، ولم يُثبِّط ذلك من عزيمة “أمنية”، بل على العكس، عندما علمت بقرار مجلس الدولة في سبتمبر من العام 2015، بتعيين مندوبين مساعدين من خريجي دفعة العام، الذي اقتصر على الذكور بموجب القرار الجمهوري رقم 356 لسنة 2015، اعتبرت ذلك دافعًا للتحرك قانونيًا والطعن على القرار الجمهوري، فتقدمت بتظلم ضد القرار في نوفمبر من العام نفسه، وبعد مرور ثمانية أشهر، تحددت جلسة لنظر المفوضين في  2 أغسطس من العام 2016، وتأجيل الدعوى.”

تقول “أمنية” “كنت آمُل أن يأتي التقرير مخالفًا لما سبقه من تقارير في هذا الصدد، تردد نفس الحجج على مدار أكثر من 60 عامًا، لكنه جاء على نفس النهج.”

تقدمت “أمنية” بطلب فتح باب المرافعة وتخويلها حقها القانوني الأصيل في الدفاع، لكن القاضي مد أجل صدور الحكم حتى 17 يونيو 2017، وبالفعل تحقق لها ما أرادت وقبلت المحكمة طلبها، ومن المزمع أن يُفتَح باب المرافعة في القضية، في جلسة تقرر لها الانعقاد في 11 نوفمبر المقبل.”

وقبل أيام، وتحديدًا في 22 أكتوبر الماضي، أرسلت “أمنية” تظلمًا إلى رئيس الجمهورية، تناشده التدخل لرفع الظلم الواقع عليها وعلى خريجات الشريعة والقانون والحقوق، وأرسلت صورة من الخطاب إلى مجلس الوزراء، ووزارة العدل ومجلس الدولة، والمجلس الأعلى للقضاء، والمجلس القومي للمرأة.

داخل مجلس النواب، يبدو أن هناك تحركًا في هذا الملف، فقدت تقدمت النائبة “دينا عبد العزيز”، منتصف الشهر الجاري، بسؤال إلى الدكتور “علي عبد العال” رئيس مجلس النواب، موجهًا إلى وزير العدل، بشان أزمة تعيين المرأة في مجلس الدولة، وقالت فيه “ما أسباب التعنت ضد المرأة وعدم تعيينها في مجلس الدولة، على الرغم من أن الدستور المصري ينص على عدم التمييز، والمجلس واحد من الجهات المنوطة بها تطبيق الدستور، فلماذا يخترق قواعده؟”

تتساءل “أمنية” “من المستفيد من إهدار كل هذا الوقت والجهد والمال وإهدار الطاقات والأعمار والمال، وحرمان الخريجات من أبسط حقوقهن، من المسؤول عن إحباطهن وإفشال محاولاتهن لتمكين المرأة ودعم مشاركتها المجتمعية، التي تمثل جوهر مواطنتها ووطنيتها، من المسؤول عن إحباط الطليعات من صاحبات الاَمال المستقبلية، عندما يرين ما يحدث حاليًا مع الخريجات، المحرومات من تحقيق ما يصبين إليه، على الرغم  من كدهن وتفوقهن؟”

ويبقى السؤال الأهم، هل يكون مصير “أمنية جاد الله” كالذي واجهته “عائشة راتب” قبل أكثر من 65 سنةً، أم ستتغير المسارات، خاصة أننا في العام الذي أعلنته الدولة المصرية عامًا للمرأة؟