انتشر بشكل واسع خلال العقدين الماضيين استخدام مصطلح “الجندر” أو “النوع الاجتماعي” ، ضمن المفاهيم المرتبطة بالنسوية، وهو واحد من أكثر المصطلحات النسوية التي تطورت تدريجيًا، وأصبح نظرية واضحة المعالم.

أول من استخدم مصطلح جندر أو النوع الاجتماعي، هي باحثة علم الاجتماع “آن أوكلى” في سبعينيات القرن الماضي، بهدف وصف خصائص الرجال والنساء المحددة اجتماعيًا، في مقابل تلك المحددة بيولوجيًا.

جندر هو كلمة إنجليزية (Gender) من أصل لاتيني لغويًا، بمعني (Genus) أي الجنس ولكن بقصد الذكورة والأنوثة، في إشارة للتقسيم الاجتماعي وليس الحالة البيولوجية، وبحسب تعريف صندوق الأمم المتحدة الإنمائي؛ فإن الجندر يشير إلى الأدوار المحددة اجتماعيًا لكل من الذكر والأنثى، التي تتغير بمرور الزمن، وتختلف من ثقافة إلى أخرى.

وكانت منظمة الصحة العالمية، قد عرفته بأنه يصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعيًا، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والجسدية، أما الموسوعة البريطانية فتؤكد أن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة، بل تتأثر بالعوامل النفسية والاجتماعية.

الفيلسوفة الأمريكية “جودث بتلر” في كتابها “Gender Trouble”، أي “معضلة النوع الاجتماعي”، الصادر في عام 1990، تقول إن جندر | النوع الاجتماعي، هو أداء يقوم به الفرد بشكل متواصل، وذلك لا يعني أنه اختيار واعٍ يقوم به الإنسان، فلكل فرد طريقته الخاصة في التفاعل مع محيطه، والرفض أو الخضوع للقوة الاجتماعية واللغوية والسياسية التي تشكله.

النوع الاجتماعي أو الجندر هو بنية اجتماعية من الأفكار والعلاقات والأدوار الاجتماعية، يحددها المجتمع لكل من الذكر والأنثى، وتسهم بشكل كبير في علاقات القوة بين الجنسين

تنظر الكثير من المجتمعات إلى أن قوة الرجال أمر طبيعي، وأن قيادته للأسرة والمجتمع أمر حتمي، فيما يُنظَر للمرأة كونها تابعًا للرجل في هذه المنظومة، وهذا يدور في فلك “الأدوار الاجتماعية” التي تحددها المجتمعات بالنسبة لأفرادها، وليست مسألة متعلقة بالاختلافات البيولوجية، ولذا يمكن تحدي هذه المعتقدات، بناءً على أنها أدوار اجتماعية تشكلت بناءً على الثقافة المجتمعية، وقابلة للتغيير.

الــ”جندر” لا يوجد بصورة مستقلة أو بشكل منعزل عن المجتمع وظروفه، وإنما يصاغ في إطار أيديولوجي، ولهذا ينبغي النظر إليه كجزء من السياق الاجتماعي

بدأ تداول مصطلح جندر | النوع الاجتماعي، في الولايات المتحدة، في ثمانينيات القرن العشرين، ومن ثم انتقل إلى أوروبا، لكن أصبح متداولًا بقوة منذ العام 1994، خلال مؤتمر السكان الذي انعقد في القاهرة، وتكرر ذكره نحو 233 مرة، في وثيقة بكين الصادرة في عام 1995، كنتاج لأعمال مؤتمر بكين، وهذه الوثيقة بمثابة إعلان ومنهاج عمل للحكومات الموقعة عليه فيما يخص وضعية المرأة في العالم، ثم جاءت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة باسم “سيداو”، والصادرة في سبتمبر من العام 1979، لتتناول النوع الاجتماعي، وتشير في ديباجتها إلى أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل والمرأة في المجتمع والأسرة معًا.

أيضــــــــــًا.. عام 1995 – صدور «إعلان بكيـــــــن».. نقطة التحول التاريخية في مجال تمكين المرأة

في بعض المجتمعات، تُحقَن العقول منذ الميلاد، بأفكار تربط الرجولة بالسيطرة والسلطة والعنف، وتربط الخنوع والطاعة وقبول الظلم بالأنوثة، وهذه التنشئة اجتماعية، غير مرتبطة بأي أسس علمية

في العام 1998، انعقد مؤتمر لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، في روما بمشاركة مفوضين من 160 دولة من دول العالم بما فيها الدول العربية، واعتمد وثيقة للنظام الأساسي للمحكمة، التي جاءت لتؤكد أن “كل تمييز على أساس النوع الاجتماعي، يشكل جريمة ضد الإنسانية”، يجب أن يعاقب مُرتكبها عقابًا رادعًا، إلا أن الدول العربية المشاركة في المؤتمر لم تستسغ مصطلح “جندر”، ولذلك تغيرت في النسخة العربية إلى “الجنس” في حين ظلت (Gender) في النسخة الإنجليزية، وهو ما تسبب بشكل أو باَخر في إحداث اللغط بشأن الفرق بين المصطلحين.