تخيل أنك تقف مشاهدًا أمام مشهد لفتاة تذبح أمام ذويها وهم يهللون أمام كل قطرة دم تتقطر منها على منديل أبيض يلتف حول إصبع مدبب، وحولك تعلو الزغاريد من الأهل والأقارب يباركون تلك المذبحة.
ماذا سيكون شعورك؟ هل ستقف مكتوف الأيدى؟ هل ستراها جريمة أم تقليد لابد منه؟
الحقيقة أن جميع من شهد هذا التقليد لم يفعل شيئًا سوى البقاء متفرجًا وللاَسف هذا المشهد مازال يحدث فى بعض قرى ونجوع الريف والصعيد.
حيث تذبح الفتاة أمام عيون أهلها وأحياناً بأيديهم فى ليلة عرسها لكى يثبتوا أمام الجميع أنها عذراء بحكم أن العذرية هى دليل شرف البنت وعفتها فى أعرافهم.
بعد انتهاء العرس تدخل الفتاة غرفتها وتلاحقها أمها وأم العريس و ربما أختها أو أخته وأحيانًا يتم إصطحاب قابلة البلدة للقيام بالمهمة، يُغلَق الباب، ثم تُجبَر الفتاة على الاستلقاء على الفراش وتكتيفها لمنع أى حركة قد تصدر منها نتيجة الخوف أو الاَلم وتقف إحداهن-فى الغالب تكون القابلة- أو يقف الزوج أمام الفتاة،  يرفع من أُختير للقيام بتلك المهمة فستان العروس لأعلى وتمتد يده ملفوفةً بمنديل أبيض تحت الفستان لفض غشاء البكارة، تلك اللحظة العصيبة التى يرتعد فيها جسد الفتاة حتى يخترقه إصبع مرتكب هذه الجريمة بكل وحشية لتتعالى صرخاتها ويتقطر الدم على المنديل الذى يخرج أمام الموجودين ملطخاً بالدماء وأول ما تقع عليها العيون المتحفزة لذلك المشهد الدموى تتلاحق الزغاريد ويتصارع الجميع لأخذ المنديل الذي يعتبرونه دليل “النصر” و يخرج المنديل مرفوعاً أمام الجميع ليبارك الجميع للعريس ويعطوه ” النقوط” و يهنئون أهله وأهل العروس مع خلفية لأغانى شعبية عن الشرف تواكب الأجواء الإحتفالية.
بينما تبكى الفتاة بحرقة نتيجة اَلم سكن فى جوفها، ولا تدرى هل تفرح لفرحة أهلها وهل تسعد لإنها أصبحت فى عيونهم شريفة أم تبكى لما انكسر داخلها و لن يعود كما كان مهما مر عليه الزمان.
تلك المذبحة متعارف عليها باسم “الدخلة البلدى”، صحيح عملية تستمر لدقائق لكنها تكسر فرحة انتظرتها الفتاة لسنوات طوال، وألقت عليها بأعباء نفسية جسام، حولتها من عروس إلى ذبيحة.
حقائق عن الدخلة البلدى :
· الدخلة البلدى تجرى فى الصعيد بين الأسر المسلمة والمسيحية على حد سواء
· الدخلة البلدى يثار كذباً و زوراً أنها عادة فرعونية وهذا غير صحيح لعدم وجود أى أثر تاريخى لذلك لا رسوم على جدران ولا مخطوطات ، فى المقابل يرجعها البعض لأصول إفريقية بدائية واَخرون يعتقدون أنها عادة عربية.
عادة أفريقية :
تعود إلى الأسطورة الافريقية المتوارثة التي انتقلت الي المصريين عبر النيل والتي تقول بأن اَلهة الشر يتنازعون العروس ما يتطلب قطع جزء منها إرضاءً لهم فكانوا قديماً يقطعون جزء من جسد العروس -قطعة من انفها او اذنها او اصبعها- استلهاماً لهذا الاله وكقربان يقدم له ولكن مع التقدم البشري أصبح غشاء البكارة هو القربان المقدم كي تتخلى اَلهة الشر عن الفتاة وتتركها تنجب وتعيش حياة سعيدة وهو ما يفسر أنه في حالة عدم وجود حمل تقوم الأم بغسل المنديل الذي يحتوي غشاء بكارة الفتاة في النيل اعتقاداً أن اله الشر نائم في النيل فيقدمون له القربان
عادة عربية :
يدعى البعض أن هذه العادة عادة عربية خالصة ، رجوعاً إلى ما يذكر عن أن العرب كانوا يفعلوا ذلك للحد من الرهبة النفسية التى تكتنف الأنثى في ليلة الزفاف، إعتقاداً منهم أن هذه الطريقة فى فض غشاء البكارة تكسر الحاجز النفسي بداخل الأنثى كما يقال أن الزوج كان يتقبل دخول الداية معه في هذه الليلة.
· الدخلة البلدى منتشرة بشكل كبير في الصعيد والأرياف والمناطق العشوائية المنتشرة في ضواحي القاهرة كالشرابية وبولاق الدكرور
· لا يوجد قانون واضح يجرم “ممارسة الدخلة البلدي ”
· كشفت دراسة ميدانية عام 2003 – تعد من القلائل عن الدخلة البلدى- لجمعية بريق لمناهضة العنف ضد المرأة أن 85%من بنات الأحياء الشعبية علي اختلاف الثقافات ودرجات التعليم يتعرضن لهذا الفعل من بينهن جامعيات وحينها يكون الأثر النفسي أعمق وأشنع
· مراكز الدراسات المعنية بقضايا المرأة على مستوى الجمهورية لا يتوفر لديها أي احصائيات دقيقة عن هذه العادة تحديداً وتركز أغلب المنظمات النسوية الفاعلة فى مناطق الصعيد على قضايا رئيسية كالختان و زواج القاصرات وتعليم الفتيات بينما لا تولى إهتماماً لهذه المشكلة نظراً لحساسيتها وعدم إنتشارها على نطاقات واسعة
· فى حالات أخرى، يلجأ بعض الرجال لممارسة “الدخلة البلدى” وفض غشاء البكارة يدويًا إن كانوا يعانون من ضعف جنسي ولا يريدون التقليل من رجولتهم وهذه الحالات غالباً ما تنتهى بالطلاق سريعاً.
الكثير من الأضرار النفسية والجسدية تصيب الفتاة جراء هذه الكارثة :
1. بعض الفتيات تصاب بنزيف حاد قد يؤدى للوفاة
2. حدوث صدمة نفسية والشعور بالخوف الشديد من الزوج
3. قد يتبع هذه الفعلة جروح غائرة فى القناة المهبلية والإصابة بالنسور المهبلى والشرجى
4. الشعور بالإهانة لتعريتها أمام الجميع
5. قد يحدث هبوطاً فى الدورة الدموية أو توقف القلب تحت تأثير الخوف
6. حدوث فتور فى العلاقة الحميمة بينها وبين زوجها أو امتناعها نهائياً عن تلك العلاقة.
7. فض غشاء البكارة بهذه الطريقة قد يؤدى إلى تصلب عضلة المهبل وبالتالى تعرقل إقامة العلاقة الجنسية بين الزوجين بشكل طبيعى
8. فى بعض الحالات لا تنزف الفتاة وذلك لأسباب عديدة على رأسها إختلاف نوع غشاء البكارة من فتاة لأخرى مما يؤدى فى بعض الأحيان إلى قتل الفتاة دون الكشف عليها ظناً منهم أنها لم تكن عذراء نتيجة الجهل بهذه الحقيقة.
لا نستطيع أن نقول أن هذه العادة فى انتشار بل بالعكس هى تنحصر مع مرور الوقت لكنها لم تنتهى بعد.
المذهل ، أن متعلمين وحاصلين على شهادات تعليمية قد تصل للجامعية يمارسون “الدخلة البلدى” لإنها عادة أو تقليد متوارث فى العائلة.
لذلك يظل الأمر متوقفًا على تغيير تلك الثقافة التى تذبح بنات القرى والنجوع والعشوائيات لكن يبدو وأن الدولة تصر أن تبقى خارج المشهد دون حتى بحث إمكانية تشريع قانون يمنع تلك الجريمة التىترتكب باسم الشرف.
كفى كذباً وتوقفوا عن إلصاق جريمة “الدخلة البلدى”بالدين
وهذه العادة بعيدة كل البعد عن الأديان السماوية الثلاث ففى جميع الأديان يوصى الله تعالى الرجال بالنساء بالمعاملة الحسنة والود والرحمة .
الإسلام يقول الله تعالى :﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يوصى الرجال بالنساء بالمعاملة الحسنه وحسن المعاشرة
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: ما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام ”
وبالطبع نرى الفرق الشاسع بين ما تقوله لنا الأديان السماوية وبين هذه الجريمة التى تحدث للفتاة ليلة عرسها .
كما أن الشك فى المرأة وفى شرفها عرف جاهلي يفترض الشك في الناس كما قد يتصور الأهل أن ابنتهم غير عفيفة وهو ما يعد سوء الظن الذي يجب أن نبتعد عنه عملاً بقول رسول الله “اياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث”