الصورة من عرض سابق لمشروع بصي

«كانت تأمرني بغسيل يدي بالكلور الخام قبل لمس الأكواب.» بصوت متحشرج مختلط بالحزن وممزوج بالدموع، تحكي “عبير”الثلاثينية عن تجربتها كعاملة منازل.

تتابع «الناس اللي بنروح نشتغل عندهم، بيعاملونا كإننا جرابيع أو عبيد، بيستنزفوا مجهودنا وصحتنا في تنظيف كل مكان، مقابل أجر زهيد، ومعاملة مليئة بالاحتقار والدونية.»

«بنتكسف نقول إننا شغَّالات في البيوت، عشان الجيران والمعارف، نفسي يعرفوا الشغَّالة بتتعب إزاي، عشان ترجع بجنيه لأولادها، ولو اتكسرت من مسح سلالم أو حمام، لن تجد من يطعم الصغار.»

تحاول “عبير” أن تغالب دموعها، وتصرخ قائلة «نفسي أحس إني إنسانة، وتتعامل وظيفتنا باحترام، ويكون لينا تأمين صحي ومعاش، بعد ما نكبر في السن.»

«كان بيقول أنه مطَّلق ويحتاج إلى حنان، قال إنه عايز يحضني زى مابيحضن بنته، وكان بيطلب مني إحضار ملابس أخرى، لارتدائها في المكتب، وعندما رفضت بدأ ينهرني، ويساومني على زيادة أجري.» تحكي “نوال” سكرتيرة في إحدى الشركات عن تحرش المدير بها.

وتضيف «هناك احتقار لمهنة السكرتيرة، ووصمة للعاملات في هذه المهنة، ودائمًا ما تصورهن السينما والمسلسلات، وكأنهن فتيات لعوب؛ حتى مديري كان يقول لي: أنتِ بترفضي ليه ما السكرتيرة اللي قبلك كانت بتعمل كده!»

بحماس وانتصار تقول “نوال” «تركت الوظيفة، رغم محاولات المدير أن يتصل بي مرات عديدة، لإغرائي بمرتب أكبر، لكنني رفضت، وأبحث عن وظيفة جديدة.»

«خايفة أطَّلق وعايشة في جحيم مع جوزي، خوفًا من أخويا في الصعيد، هيذل أنفاسي، أنا وعيالي، الست المًطلقة مينفعش تعيش لوحدها في القاهرة، لازم ترجع بيت أبوها بشروطهم الجديدة.» تقول “زينب”، القادمة من أسيوط ،36 سنة، أم لثلاثة أطفال.

تقول «انتظرت زوجي 9 سنوات، حتى يصبح جاهزًا للزواج، وتحملت قسوة أمي وضربها المستمر، واعتقدت أنه سيعوضني عن كل ذلك، ولكن ما حدث هو العكس تمامًا»، وتضيف «نام في البيت، وأنا نزلت الشغل بأشكاله، بائعة في صيدلية ومحل وعيادة أسنان.»

بقدر من الأسى، تحكي “زينب” «لن أنسى ليلة العيد، وبيتنا لايوجد فيه جنيه واحد، وجوزي نايم على السرير، نزلت أطرق أبواب الجيران، وبعد رجوعي، طلب مني أن اشتري له علبة سجاير الأول قبل أكل العيال.» وتختتم «نفسي أطَّلق بس خايفة من أخويا وأمي.»

«كنت ارتدي عباءة طويلة وطرحة، في أول يوم شغل في البيوت، كان قلبي ينتفض، أول مرة أذهب إلى العمل في بيت غريب. كان رجلًا عجوزًا، وعندما وصلت طلب مني النزول لشراء الفطور، والعودة سريعًا.» تسترجع “نادية” بهدوء الساعات الأولى، من يوم عملها الأول كعاملة في المنازل.

وتواصل «بعد تناول الفطور، طلب مني أن أخلع الطرحة وتغيير عباءتي و أن “أفك كده” على حد تعبيره، فرفضت ورددت عليه بقوة “إحنا فلاحين يا بيه”، بعد ذلك، جاءه صديقه وقال لي “تعالي واقفلي الباب”، ثم طلب كوب مياه، فأحضرته، ثم أسرعت باتجاه باب الشقة،  وانصرفت إلى الشارع من شدة الخوف.»

تنتفض “نادية” أثناء الحكي، وكأن الموقف الذي ترويه يعاد، وتقول «شعرت أنني تبولت على نفسي من شدة الخوف.» وتتساءل «هما ليه الناس فاكرين إننا عشان خدم في المنازل، ممكن نبيع نفسنا، ليه شايفنا بهذا الرخص؟!»

«حاولتُ كثيرًا إخفاء طبيعة عملي عن ابنتي، حتى لا أكسر نفسها، أو تحس إنها قليلة وسط زميلاتها، حتى جاء يوم خناقتي مع أبيها، وبعدها رفضت الذهاب إلى المدرسة.» لحظات صمت أوقفت “شيماء” عن مواصلة حكيها.

«زوجي لايعمل، ولايعجبه تأخيري وعملي، لكن يعجبه تعبي وفلوسي، يشترى بها سجائر؛ نفسي أطَّلق، ورغم أنه حقي، مش عارفة أحصل عليه، بسمع كلام زي السم من الأقارب والجيران، بينكروا حقي في الطلاق، وبيقولوا استحملي، وجوزي بيقولي في حد تاني في حياتك.»

تضحك شيماء، ثم تستطرد «أنا كرهت صنف الرجالة من اللي شفته معاه العاطل، نفسي اشتغل وبستحمل التعب والإهانة في الشغلانة، عشان أوفر لبنتي كل اللي عايزاه.»

القصص السابقة ليست من وحي خيال مؤلف، بل قصص واقعية، تأتي في إطار عرض لمشروع بصي، كنتاج ورشة حكي نظمها بالتعاون مع الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (EAESR) مع عشر سيدات من منطقة حلوان.

هؤلاء النساء يتعرضن للوصم الاجتماعي، ويعشن ضغوطًا أسرية يومية بسبب أعمالهن، وهن العائل الوحيد لأسرهن، دون مساندة أزواجهن.

استضاف العرض مركز دوار الثقافي، الذى يستخدم المسرح التشاركي والدراما العلاجية وغيرها من المسارات المرتكزة على الفنون، من أجل التعافي وتدعيم الحوار والتحول المجتمعي.

بصى هو مشروع فني، يهدف إلى خلق مساحة حرة للسيدات والرجال في مصر لحكي التجارب الشخصية المسكوت عنها في المجتمع. ويعمل بصي على توثيق وعرض القصص الحقيقية في شكل عروض مسرحية في مجتمعات مختلفة في مصر.

ينظم المشروع ورش حكي لأفراد من خلفيات وأعمار مختلفة، ويدرب المشاركين على الحكي، ويدعمهم ويشجعهم على حكي قصصهم الشخصية على المسرح.

ملحوظة: جميع الأسماء مستعارة حفاظًا على خصوصية صاحبات القصص