الحلقة (6)- وضعية المرأة في الأفيش السينمائي.. الألفية الجديدة: أفيش «الفاترينة».. انحسر فيه التسليع وظل الحضور باهتًا
الألفية الجديدة: اختفت الأفيشات اليدوية وجدبت الأفكار
السمة العامة: اجمع صور أبطال الفيلم ووزعهم بقدر نجوميتهم
النساء في الأفيش من منطلق إثبات الحضور
نجمات لم يعبأن إلى وضعيتهن.. وأخريات قبلن بفروض الموجة الجديدة
اقتحمن مجال تصميمه: سارة عبد المنعم الأبرز وصعود رباب إبراهيم
أسماؤهن عليه: أول مديرة تصوير .. وصعود للمخرجتين كاملة أبو ذكري وساندرا نشأت
ليس نضجًا أو تحولًا في الفكر: السينما “النظيفة”.. السبب وراء انحسار تسليع النساء
ما بين عامي 2000 و2010، أنتجت مصر نحو 350 فيلمًا، ويمثل ذلك تراجعًا بالنظر إلى الإنتاج السينمائي المصري في العقد الأخير قبل الألفية الجديدة، واتسم إنتاج السنوات الأولى من الألفية بالجموح نحو الكوميديا، بعد الهزة الفارقة التي أحدثها فيلم “إسماعيلية رايح جاي” في عام 1997، بعد أن تجاوزت إيراداته الـ15 مليون جنيهًا، وهو أكبر رقم حققه فيلم مصري حتى ذلك العام.
وكما أشرنا في الحلقة السابقة، فإن الأفيش نفسه طالته هزة “إسماعيلية رايح جاي”، وتكاد تكون دمرته كفن له خصوصيته، وكما كان الفيلم نموذجًا حاول المنتجون استنساخه عبر أفلام ترتكز على الكوميديا والقصص السطحية، التي لا يبقى منها في ذهن المتفرج سوى الإفيهات، أصبح أفيشه نموذجًا قلده الكثيرون بعد ذلك، وباتت أغلب الأفيشات، تُصمم بمنطق القص واللزق، لقطات من الأفلام يجري توزيعها على الأفيش، أو صور للأبطال في شكل استعراضي، وتتباين أحجامها بحسب نجومية كل منهم، وأصبح من النادر أن يُصمم الأفيش بناءً على رؤية فنية للفيلم وأحداثه أو مكنونه، وزادت سرقة الأفكار من ملصقات الأفلام الأجنبية، وتحديدًا الأمريكية، ويعود ذلك بشكل رئيس إلى تراجع أهمية الأفيش في مقابل الإعلانات الترويجية للأفلام التي تذيعها القنوات الفضائية على مدار اليوم، كما أنها تصل إلى المشاهد بسهولة عبر الإنترنت في أي وقت وأي مكان.
ما الذي صنعه غزو التكنولوجيا بهوية الأفيش؟
وكيف فقدت نجمات التسعينيات زهوهن عليه؟
لم يتبق من أفيش المرحلة السابقة شيئًا سوى بعض نجومه، الذين تقلص حضورهم السينمائي كذلك، وبعد أن كانت “نادية الجندي” ملء السمع والبصر في الثمانينيات والتسعينيات، لم يمر في الألفية الجديدة سوى أفيش واحد لها، لفيلم “الرغبة” من إنتاج عام 2002، وقد استحوذت على المساحة الأكبر فيه، ومن بعدها “إلهام شاهين”، فيما عرفت هذه المرحلة أفيشين فقط لحاملة لقب نجمة مصر الأولى “نبيلة عبيد”، وهما “امرأة تحت المراقبة” من إنتاج عام 2000، وفيلم “مفيش غير كده” من إنتاح عام 2006، الذي ظهرت فيه بنفس حجم بقية الأبطال، على عكس ما غلب في أفيشات أفلامها، لكن هذا النمط أصبح السيد في الألفية الجديدة، وتقبلته النجمة التي كانت تسيطر على المساحات الأوسع من أفيشات أفلامها، أو توضع عليها صورتها مرتين، وقد تستأثر بها لنفسها.
الحال لم يكن أفضل كثيرًا بالنسبة لـ”يسرا” و”ليلى علوي” و”إلهام شاهين”، فكما تراجع حضورهن السينمائي، تهاوى حضورهن في الأفيش، بعد صعود جيل جديد من الممثلات والممثلين، وأصبحت صور هذا الجيل، عاملًا رئيسًا لجذب الجمهور، فضلًا عن أن طبيعة جمهور السينما في هذه المرحلة وسماته الجديدة، كانت أكثر نفورًا من الأفلام التي تبدو في قبضة نجوم الثمانينيات والتسعينيات باستثناء “عادل إمام” الذي ظل منافسًا قويًا، وهو ما انعكس على حضور هؤلاء النجوم على الأفيش، وعلى سبيل المثال، بعد أن كان اسم “ليلى علوي” هو الأول في أفيشات أفلامها خلال التسعينيات، وكانت تحظى بالمساحة الأكبر، تظهر صورتها بحجم لا يختلف عن بقية أبطال فيلم “حب البنات” من إنتاج عام 2004، وجميعهم من الشباب في هذه المرحلة، واسمها إن كان قد تقدم عليهم، إلا أنه في نفس الحجم ودون تمييز كما كان يحدث سابقًا، ليغلب على الأفيش الخلطة شبابية التي تنبأ بفيلم رومانسي لا يخلو من الكوميديا، خاصة في ظل حضور الممثل الكوميدي أشرف عبد الباقي متوسطًا الأفيش، وهذا يتفق مع مزاج الجمهور وقتذاك.
الأمر نفسه مع “يسرا” في أفيش فيلم “كلام في الحب”، إنتاج عام 2006، وفيه تجمعت صور للأبطال على الأفيش، وتظهر في مقدمته، لكن إلى جانب “حنان ترك” وبنفس الحجم، في وقت كانت فيه الأخيرة إحدى نجمات الصف الأول في ذلك الوقت.
الحالة نفسها في فيلم “واحد صفر”، إنتاج 2009، وقد ظهر في أفيشه وجه “إلهام شاهين”، واحدًا من بين ثمانية وجوه تراصت في نصفه العلوي.
الأفيش أو الملصق الدعائي، الذي أصبح اسمه الأكثر تداولًا في هذه المرحلة هو “البوستر”، لم يعد يقتصر على نسخة أصلية بتوقيع المصمم أو المطبعة وأخرى أكثر شعبية لسينمات الدرجة الثانية والثالثة، التي اختفت تدريجيًا في هذه المرحلة، ولم يعد يتبقى منها سوى سينما الكورسال في بولاق أبو العلا.
تعددت بوسترات الفيلم الواحد، بعد أن تضخمت تكلفة إنتاج الأفلام، ودخلت التقنيات الجديدة التي سهلت من مهمة المصمم، وظهرت ثقافة “سينما المول”، حيث يشاهد المتفرج أفيشًا بالخارج على واجهة المبنى، ثم أمام قاعة السينما، ولا مانع من ملصقات صغيرة بالداخل إلى جانب شباك حجز التذاكر، وينتظره ملصق اَخر في ساحة شراء الأطعمة والمشروبات.
مع طابع الأفلام الأسرية الذي ساد توازيًا مع ثقافة سينما المول، تسطحت الأفكار سواء فيما يخص مضمون الفيلم او ملصقاته الدعائية، فالفراغ لن يُنتج عمقًا بالتأكيد، وما ساد في هذه الفترة، خاصة حتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، هو الأفلام المُنتجة للتسلية والترفيه، تذهب إليها الأسر، فيما أشبه بالهروب لمدة ساعتين من أعباء الحياة، التي زادت مع دخول الألفية الجديدة في ظل ركود سياسي وانكشاف كذب وعود التنمية الاقتصادية الشاملة التي استمر ترديدها طيلة 19 سنة، ووصول نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر في بداية الألفية إلى 20 في المئة و25 في المئة اَخرين على خط الفقر.
أضحى المطلوب هو مشاهدة فيلم يُضحِك والابتعاد عن الأفلام التي تعزف على الاَلم المنغمس فيه الناس ليلًا نهارًا، وذلك في إطار يتناسب مع حضور الأطفال مع ذويهن، وضيق الأفق الذي استشرى، لا سيما أن الدعاة في تلك الأونة صاروا نجومًا يبارون نجوم السينما في الشهرة والمعجبين.
أما الأفيش، فقد أصبح القالب الأشبه بــ”الفاترينة” الأكثر رواجًا، إذ يجمع المصمم الأبطال، ويغير ترتيبهم وأحجامهم بحسب نجومية كل منهم، وقد يضع في الخلفية بعض التفاصيل التي لها علاقة بالفيلم، وكثيرًا ما كان يلجأ إلى الخلفية السوداء.
أخيرًا .. مصممات للأفيش السينمائي المصري
في ظل العتمة التي خيمت على حال الأفيش في هذه الفترة السينمائية، إلا أن انبعاث النور كان مصدره، اقتحام النساء لمجال تصميمه بعد سطوة ذكورية، وقد برز خلال هذه الفترة اسم “سارة عبد المنعم”، التي دخلت هذا العالم في أواخر التسعينيات من خلال فيلم “همام في أمستردام”، إلا أن الألفية شهدت كثافة انتاجاتها في هذا الصدد، حتى أصبحت أحد أهم مصممي الأفيش في ذلك العقد، ولعل أبرز الأفلام التي صممت أفيشاتها؛ “فيلم ثقافي” و”حب البنات” و”ابن عز” و”ملاكي اسكندرية”و “تيتو” و”مرجان أحمد مرجان” و”تيمور وشفيقة” و”الجزيرة” و”هي فوضى” و”ظرف طارق” و”حسن طيارة” و”عجميستا”.
وعلى الرغم من أن “عبد المنعم” ذكرت في حوار صحافي مع مجلة أخبار النجوم، نُشِر في يونيو من عام 2007، أنها تفضل أن يكون الأفيش بعيدًا عن الرمزية إلا في حدود ضيقة، وأنها تحب أن تجمع كل أبطال العمل من أجل الترويج للفيلم، إلا أنها قدمت عددًا من أفضل أفيشات تلك المرحلة وهي؛ أحلى الأوقات (عام 2004)، وفي شقة مصر الجديدة (2007)، وأيضًا “هي فوضى (2007).
في هذه الفترة، ظهر أيضًا اسم “رباب إبراهيم” كمصممة أفيش من خلال شركة أسستها تحت اسم “مون لايت للدعاية والإعلان”، إلا أن أعمالها في السينما كانت محدودة، مقارنة بما قدمته من أفيشات لمسلسلات تلفزيونية لاحقًا ومن أبرزها؛ “ذات” و”سجن النسا”, وقد صممت “إبراهيم” أفيشات لعدد من الأفلام، من بينها؛ “احكي يا شهرزاد” عام 2009، و”المش مهندس حسن” في عام 2008.
الخروج عن القاعدة: أحلى الأوقات وفي شقة مصر الجديدة
خرج هذان الأفيشان عن السائد في هذه الفترة على مختلف المستويات، فضلًا عن الاستحواذ النسائي سواء على مستوى الصورة أو الأسماء التي كتبت عليهما، ولا يمكن إغفال دور مخرجي الفيلمين في ذلك؛ لا سيما أن مصدر القوة الأكبر في كليهما هو المخرج، سواء “محمد خان” في “في شقة مصر الجديدة” أو “هالة خليل” في “أحلى الأوقات”، علاوة على أن مصممة الأفيشين “سارة عبد المنعم” قدمت أغلب أفيشاتها ملتزمة بالنمط الطاغي، ولم تبد تمردًا على قواعده إلا في أفلام كان مخرجوها هم المتمردين.
لم يظهر في أفيش “في شقة مصر الجديدة” سوى بطلة الفيلم بتفاصيل شخصيتها التي تظل عالقة بذاكرة مشاهدي الفيلم، ترتدي فستانًا قصيرًا حتى ركبتها، وتحمل حقيبة وشعرها مربوط، تدق جرس باب الشقة (محور الأحداث)، منتظرةً أن يُفتح، وخلف زجاجه ينبعث نور ساطع، بينما تحيطها العتمة بالخارج، في دلالة على أن البطلة ستجد ضالتها في هذه الشقة، وسينقلها هذا المكان من عالم مظلم كاحل إلى عالم يُضيئه الحب الذي طالما بحثت عنه.
لم يعبأ الأفيش بإظهار وجه نجمة الفيلم للترويج له، بل اعتمد على إثارة فضول من يراه، ووضعه أمام تساؤلات عما تبوح به تفاصيله الصغيرة، وعن تلك الشقة وما يجري بها.
فضلًا عن أن الأفيش ليس تقليديًا ولم يشبه السواد الأعظم في هذه الفترة، يُضاف إليه تميز اَخر، وهو الحضور النسائي في صناعة الفيلم، فإلى جانب بطلة العمل “غادة عادل”، كُتِبَت أسماء؛ الكاتبة “وسام سليمان”، ومديرة التصوير “نانسي عبد الفتاح” وهي أول مديرة تصوير محترفة في السينما المصرية، والمونتيرة “دينا فاروق”.
أما “أحلى الأوقات”، فقد جاء أفيشاه مختلفين عن الشائع، وعبَّر عن فكرة الفيلم، المرتبطة بالماضي والنبش فيه لإعادة استكشاف الذات، وهو المتمثل في الوريقات القديمة المهترئة، التي تحولت إلى اللون الأصفر، وبإمعان النظر يتبين أنها رسائل، يجاورها عدة طوابع، وفي الجانب جزء من ساعة في إشارة للزمن.
ويشترك هذا الأفيش مع السابق في الحضور النسائي الذي وثقه، من خلال الكاتبة “وسام سليمان” والمخرجة “هالة خليل” في أول أعمالهما السينمائية، و المونتيرة “منار حسني” ومديرة الإنتاج “أمل أبو شادي” ومهندسة الديكور “شرين فرغل”.
أيضــــــًا.. الحلقة (2) – قراءة في وضعية المرأة على الأفيش السينمائي المصري في الستينيات
نجمات الألفية الجديدة.. حضورهن “ضروري” وليس “مؤثرًا”
نجمات هذه الفترة، وفي مقدمتهن “منى زكي” و”هند صبري” و”منة شلبي”، وأيضًا “حنان ترك” و”حلا شيحة” قبل اعتزالهما، لا يمكن اعتبارهن بأي حال صاحبات تأثير في الأفيش السينمائي، وعلى الرغم من أنه يبدو واضحًا وأكيدًا أن نجمات السينما كان حضورهن أطغى فيما بين الثلاثينيات وحتى نهاية الستينيات، إلا أن هذا الجيل أسوأ حالًا من نجمات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وحضورهن من منطلق أن وجودهن ضروري كأحد عناصر الجذب في خلطة الفيلم الكوميدي الذي يقدم قصة حب لبطل، لابد أن تُكلل بالزواج، ورغم ضرورية حضورهن إلا أنه كان بدون بصمة كالتي تركتها “فاتن حمامة” و”نادية لطفي” و”ماجدة” أو “ليلى مراد”، وبدون سيطرة لافتة كالتي نجحت فيها “نادية الجندي” أو “نبيلة عبيد”، ولم ينلن حتى قدرًا من وهج المرتبة الثانية في أفيشات البطل مثل “يسرا” أو “معالي زايد” أو “نورا”.
مقارنةً بمرحلة التسعينيات، يتبين أن تسليع النساء قد ندر في الأفيش خلال العقد الاول من الألفية الجديدة، لكن ذلك ليس بسبب تغير في نظرةصناع السينما للنساء، وإنما لما فرضه ما سمي بـتيار “السينما النظيفة” وجمهورها.
على صعيد الاَخر، يوثق أفيش العقد الأول من الألفية الجديدة، صعود مخرجتين بارزتين وهما “كاملة أبو ذكري” و”ساندرا نشأت”، وقد نجحتا في وضع اسميهما على قائمة الأفضل بين المخرجين في هذه المرحلة، وتحديدًا “أبو ذكري”، التي كانت الأكثر إيغالًا في قضايا المرأة وجرأةً في تناول مشكلاتها من خلال أفلامها وتحديدًا فيلم “واحد صفر”، فيما لم يكن ذلك أجندةً بالنسبة لـ”نشأت”.
قبل الثورة بخطوات
مع نهاية العقد الأول من الألفية، بدأ يتردد على المسامع مصطلح السينما المستقلة، وتحديدًا في عام 2008، مع صدور فيلم «عين شمس» لمخرجه إبراهيم البطوط، وأثار الفيلم ضجة واسعة وقتذاك، بشأن مدى أحقية المخرجين المنتمين لهذا النوع من السينما، في تصوير أفلامهم بعيدًا عن سطوة النقابات الفنية وجهاز الرقابة والجهات الأمنية، ثم تبعه فيلم “هيليوبليس” في عام 2009 لمخرجه أحمد عبد الله ومن بعده “ميكروفون” في عام 2010 لنفس المخرج، وقد استقبله عدد محدود من دور العرض، واستخدمت شركة الإنتاج “فيلم كلينيك”، إحدى رسوم الجرافيتي التي نفذتها فنانة الجرافيتي “اَية طارق” ضمن أحداث الفيلم، كأحد نسخ أفيشاته، ويعد “ميكروفون” أول فيلم يدخل عالم الجرافيتي والموسيقى المستقلة، ويتطرق إليهما باعتبارهما وسائل الشباب في التعبير عن أفكارهم وغضبهم المقموع، وهي فنون ارتبطت بثورة 25 يناير 2011، ولذلك رأى البعض الفيلم نبوءة فنية لهذه الثورة، التي تغيرت بعدها شتى المسارات، حتى على صعيد الأفلام وأفيشاتها، وهو ما نتناوله في حلقتنا المقبلة والأخيرة من ملف “وضعية المرأة في الأفيش السينمائي المصري”.